بالون المصالحة مع "الإخوان": تكتيك السيسي لخداع الغرب

16 ابريل 2018
يصعب أن يطلق أديب موقفاً غير منسّق مع النظام(يوتيوب)
+ الخط -
يعتمد النظام المصري الحالي خطة محدَّثة لترويج شائعات "فتح ملف المصالحة مع الإخوان"، بهدف بدء حملة ترويج نصحت بها دوائر غربية، لتحسين صورة الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، في ظلّ هجوم مؤسسات ومنظمات ووسائل إعلام دولية عليه وعلى نظامه، عقب الانتخابات الرئاسية الصورية التي جرت أخيراً في البلاد. وتأتي هذه الشائعات بالتزامن مع إجراءات متناقضة على الأرض، ولا سيما مع موافقة البرلمان المصري، أمس الاثنين، على قانون التحفّظ على أموال جماعة "الإخوان المسلمين".

وتقاطعت تصريحات لأعضاء في البرلمان المصري الحالي، مع تصريح خاص لدبلوماسي غربي يعمل في القاهرة، بشأن نصائح أوروبية، خصوصاً من ألمانيا، بضرورة "إحداث اختراق ما" في الحالة السياسية المصرية التي تتجه إلى الجمود.

وقالت مصادر إعلامية في عدد من الصحف والقنوات الخاصة، إن رؤساء تحرير ومسؤولي قنوات خاصة تلقّوا بالفعل تعليمات بإثارة ملف "المصالحة مع جماعة الإخوان المسلمين"، والعمل على ترويج ذلك لدى دوائر غربية بعينها، للإيحاء بأن النظام السياسي الحالي لا يُبدي معارضة في ذلك، وأن الرفض الشعبي هو العائق في فتح هذا الملف.

وعلى الأرض، لم تتم حتى الآن أي اتصالات على أي مستوى بين النظام والجماعة، بل إن الاتجاه السائد لدى الدوائر القريبة من السيسي، هو ممارسة المزيد من القمع والتنكيل بالإخوان، سواء عن طريق الأحكام القضائية الخاصة بالاستيلاء على أموال أعضائها، أو الهجوم الإعلامي عليها، والضغط على كل من ينتمي إليها. وما موافقة البرلمان، أمس الاثنين، على مشروع قانون حكومي بتنظيم إجراءات التحفظ والإدارة والتصرف في أموال الجماعة، بموجب أحكام محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، إلّا دليلاً على ذلك. وينص القانون الذي تمت الموافقة عليه، على إنشاء لجنة مستقلة ذات طبيعة قضائية، بقرار من رئيس الجمهورية، تختصّ باتخاذ الإجراءات كافة المتعلقة بتنفيذ الأحكام الصادرة باعتبار جماعة أو كيان أو شخص ينتمي إلى "جماعة إرهابية".

وظهرت أخيراً بعض الدعوات في وسائل إعلام مقربة من الأجهزة الأمنية، تتحدث عن مصالحة مع جماعة "الإخوان المسلمين"، وتحديداً مع مَن يصفهم بعض المقربين من النظام المصري الحالي، بـ"المتعاطفين". وتبنّت هذه الوسائل نفسها، في المقابل، هجوماً شديداً وحملات ممنهجة ومنظمة لرفض هذه الفكرة من الأساس، لا مع جماعة "الإخوان" بشكل مباشر فقط، بل وحتى مع المتعاطفين معها في مصر وخارجها.

وبدأت هذه الدعوات من الإعلامي القريب من النظام الحالي وجهات سيادية في الدولة، عماد الدين أديب، ليتبعها هجوم عنيف على دعوة أديب، وهو الأمر الذي وصفته المصادر الإعلامية التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، بأنه جزء من "مسرحية متكررة، من تلاعُب النظام الحالي بالغرب"، الذي تضغط بعض أطرافه، والدول الأوروبية تحديداً، من أجل إجراء مصالحة، لتهدئة الأوضاع في مصر.


والغريب في هذه الدعوات أن أحمد موسى، أحد أشهر مقدمي البرامج والقريب من الأجهزة الأمنية، استضاف أديب في إحدى حلقاته للحديث عن هذا الأمر، وترك له المساحة لعرض وجهة نظره، وسط هجوم على الفكرة لا على الشخص.

إلى ذلك، قالت مصادر برلمانية قريبة من السلطات إنه "لا توجد لدى النظام الحالي أي نية لفتح ملف المصالحة مع الإخوان خلال الفترة المقبلة، وكل ما يتردد في هذا الإطار لا أساس له من الصحة". وأضافت المصادر، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن النظام "لا يرغب في هذه الخطوة حالياً، على اعتبار أنّ ملاحقة الإخوان ومؤيدي الرئيس المخلوع محمد مرسي، والزجّ بهم في السجون هو الحلّ الأيسر بالنسبة له، فما الداعي لإجراء المصالحة؟".

وحول تصريحات أديب والدفع باتجاه المصالحة، أشارت المصادر إلى أنّ ذلك "جزء من تصدير هذه الصورة للغرب، لناحية إطلاق هذا البالون في الهواء، ومن ثمّ شنّ حملات ضدّ الفكرة، واعتبار أن من يعرقل المصالحة هو الشعب والرأي العام وليس النظام الحالي". وكان السيسي قال في أكثر من لقاء مع وسائل إعلام غربية، إن لا ممانعة في إجراء المصالحة، ولكنه ربط ذلك بموافقة الشعب المصري.

وأكدت المصادر ذاتها أن أديب قريب من جهات سيادية في الدولة، "وما كان ليطلق هذه الدعوات لو لم يكن هناك تنسيق مسبق في هذا الشأن، وبغرض توصيل هذه الرسالة للغرب". واستطردت بأنّ "النظام الحالي لا يغلق هذا الباب، ولكنه لا يسعى لهذه الخطوة، بمعنى أنه لا يمانع في طرح أي شخصية في الدولة لهذه الخطوة، مع إمكانية إجراء اتصالات مع الإخوان في الخارج، ولكن في النهاية لا شيء يحدث"، موضحةً أنّ الجهات الأمنية "تسمح لشخصية مثل سعد الدين إبراهيم (أستاذ علم الاجتماع السياسي ومدير مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية)، بالسفر للخارج ولقاء قيادات إخوانية، والدخول إلى السجن وإجراء لقاءات داخله مع شباب الجماعة، ولكن دون إحراز أي تقدّم في هذا الملف".

كذلك، قالت المصادر إن "النظام الحالي لا يرغب في وجود طبيعي للإخوان خلال الفترة القريبة المقبلة، حتى لا يتسبب ذلك في ضغوط أكبر عليه، في حال تكتل التيار الإسلامي مع بعض الكيانات المعارضة، ما قد يؤدي إلى تشكيل كتلة معارضة أوسع، وبالتالي تهديد النظام، خصوصاً في ظل الاضطرابات الداخلية، وعدم استقرار أوضاع النظام الحالي".

وعلمت "العربي الجديد" من مصادر إعلامية، أن ثمة تعليمات من جهات سيادية بشأن التعامل مع دعوات المصالحة مع الإخوان، وتوجيه انتقادات شديدة للفكرة من الأساس. وقالت المصادر إن "التعليمات كانت مباشرة بإجراء سلسلة موضوعات للرد على هذه الدعوات، من خلال استدعاء اتهامات الإرهاب الموجهة للجماعة، وكذلك اتهامات ضلوعها في ما يحدث في سيناء، وأيضاً العمليات المسلحة في العاصمة المصرية، فضلاً عن إجراء قصص تتحدث فيها أسر وأهالي القتلى والمصابين في الجيش والشرطة".

وأضافت المصادر أنّ الهجوم الممنهج على فكرة المصالحة "جاء بعد تصريحات أديب مباشرة، عبر الترويج بأنه لا حاجة إطلاقاً لاتخاذ مثل هذه الخطوة، واستدعاء فزاعة التيار الإسلامي وانقضاضه على الحكم مرة أخرى، بعد الانتخابات الرئاسية وعودة الاستقرار إلى الدولة".

من جانبه، قال الباحث السياسي محمد عز، لـ"العربي الجديد"، إن "السيسي لديه شروط مجحفة بالنسبة للإخوان، لا تقتصر فقط على مقاطعة العمل السياسي، بل مقاطعة العمل العام بكل صوره، والمكوث في المنزل بلا أي نشاط"، مضيفاً أنّ هذه الشروط والتي ليس من بينها الإفراج عن مرسي وقيادات الإخوان، "لا تلقى قبولاً لدى الجماعة، وبالتالي فإن الموقف معلّق حتى الآن".

وأشار عز إلى أنّ النظام الحالي يرغب "في تحقيق وضع مثالي بالنسبة له، وإذا توصّل لهذا الأمر، فلن تكون هناك أزمة في التمهيد لهذه الخطوة للرأي العام من خلال وسائل الإعلام الموالية له، والتي هي نفسها تهاجم دعوات المصالحة"، معتبراً أن "أحاديث المصالحة التي تخرج بين الحين والآخر، وتحديداً تلك التي ظهرت عقب فوز السيسي في الانتخابات الرئاسية، ومسلسل الهجوم عليها مثلما كان يحدث، هي تفريغ للضغط عن السيسي والذي يمارسه المجتمع الغربي، لناحية القول إنّ الملف ليس في يده، ولكن في يد الشعب المصري، وهذا بالتأكيد لن ينطلي على المجتمع الدولي".