باكستان: خلاف حول مستقبل المحاكم العسكرية

02 فبراير 2019
القول الفصل بمستقبل المحاكم العسكرية يعود للعسكر(فاروق نعيم/فرانس برس)
+ الخط -
بالتزامن مع نجاح الجهود الرامية لتوحيد صف المعارضة في وجه الحكومة الباكستانية، والتي استغرقت فترة طويلة بسبب تدخل المؤسسة العسكرية والحكومة، وضعت قضية المحاكم العسكرية وتمديد فترة ولايتها، التي تنتهي في مارس/آذار المقبل، العلاقة المتردية أصلاً، بين المؤسسة العسكرية والأحزاب السياسية، على المحك. كما أنها وضعت أحزاب المعارضة في موقف حرج، بعد أن عارض بعضها علناً موقف المؤسسة العسكرية، بينما التزمت أخرى الصمت.


ويعود القول الفصل في موضوع مستقبل المحاكم العسكرية إلى المؤسسة العسكرية، بعيداً عما تقول الأحزاب السياسية. وقال المتحدث باسم الجيش، الجنرال آصف غفور، في مؤتمر صحافي، أخيراً، إن "قضية المحاكم العسكرية قضية وطنية، والظروف السائدة في البلد تستدعي وجودها وتمديد فترة ولايتها". وأضاف أن "المؤسسة العسكرية لن تقف خلف أي خطوة لن تكون في صالح الشعب والوطن، وبالتالي فإن هناك ضرورة لتمديد فترة ولاية المحاكم العسكرية، وعلى الحكومة والأحزاب السياسية أن تدرك الموقف، لا سيما أن تلك المحاكم لعبت دوراً كبيراً في قمع الجماعات المسلحة وقصمت ظهرها". من جهتها، لمحت الحكومة الباكستانية، أكثر من مرة، وعلى لسان مسؤولين كبار، وتحديداً وزير الإعلام فواد جودري، إلى موافقتها على تمديد فترة ولاية المحاكم العسكرية، معتبرة أن الوضع في باكستان يستدعي ذلك. وأكد وزير القانون، فروغ نسيم، أن الحكومة لم تقرر بعد تمديد فترة ولاية المحاكم العسكرية، وأن القضية ستطرح على البرلمان قبل انتهاء مدة ولاية المحاكم في مارس، لكنه شدد على ضرورة وجودها، و"علينا أن نعطي المحاكم حقها بغض النظر عن التجاذبات السياسية الداخلية"، واصفاً الأمر بالقضية الوطنية، مؤكداً ضرورة إبعادها عن المصالح الحزبية.

في المقابل، فإن الأحزاب المعارضة، التي اتفقت أخيراً على تشكيل جبهة موحدة ضد الحكومة، ليست موحدة حيال موضوع المحاكم العسكرية. وأكد حزب الشعب الباكستاني، بزعامة الرئيس السابق آصف علي زرداري، أنه ضد التمديد وسيواجهه داخل البرلمان وخارجه، وذلك بحجة أنه لا يوجد داعٍ له، معتبراً أن الوضع تحسن في باكستان مقارنة بالأعوام الماضية. وقال زرداري، في بيان عقب اجتماع لقيادات من الحزب أخيراً، إن "الوضع الأمني في البلاد قد تحسن، ولا بد من الاعتماد على المحاكم المدنية"، لكن غفور سارع للرد عليه، معتبراً، في بيان، أن "الوضع ما زال يستدعي وجود تلك المحاكم، وعلى الأحزاب السياسية أن تعيد النظر بموقفها".

لكن يبدو أن حزب الرابطة الإسلامية جناح نواز شريف، ورغم سعيه الحثيث لتوحيد صف المعارضة، لا يرغب بفتح صراع جديد مع المؤسسة العسكرية، إذ إن قيادات داخله تواجه أحكاما قضائية، لكنه يحتاج، في الوقت ذاته، إلى أن يكون جزءاً مهماً من أي كيان معارض للحكومة من أجل الدفاع عن قياداته والسيطرة على الموقف. أما الأحزاب، الدينية مثل الجماعة الإسلامية بزعامة سراج الحق، وجمعية علماء الإسلام بزعامة المولوي فضل الرحمن، والقومية مثل حزب عوامي البشتوني بزعامة إسفنديار ولي، والحركة القومية المتحدة للمهاجرين في كراتشي، فإنها لا تستطيع الوقوف بوجه إرادة الجيش، وهي ستدعم تمديد ولاية المحاكم العسكرية، أو تلتزم الصمت. لكن المؤكد أن البرلمان ومجلس الشيوخ سيمددان فترة ولاية المحاكم العسكرية، وذلك بناء على رغبة المؤسسة العسكرية. لكن سيكون لهذا الأمر تبعات، إذ إن الموضوع قد يؤدي إلى تشرذم المعارضة، إذ إن الحكومة والمؤسسة العسكرية قد تشتريان بعضها وتستهدفان أخرى.

يشار إلى أن المحاكم العسكرية موجودة في باكستان منذ نشأة الدولة، وهي كانت تتولى القضايا الخاصة بالمؤسسة العسكرية فقط. لكن صلاحيتها توسعت بعد الهجوم الدموي على أبناء عسكريين في مدينة بيشاور في العام 2014، والذي أدى إلى مقتل وإصابة العشرات، إذ قررت الأحزاب السياسية والدينية وقتها أن تتولى تلك المحاكم قضايا مدنية. ومع مطلع العام 2015، بدأت سبع محاكم عسكرية تولي قضايا مدنية. واتفق وقتها على أن تكون مدة ولاية المحاكم العسكرية عامين، لكن البرلمان ومجلس الشيوخ مددا عملها حتى مارس 2019. وقد نظرت هذه المحاكم بعشرات القضايا المدنية، وأصدرت أحكام الإعدام بحق العشرات.

ويبدو أن الجهود الرامية لتوحيد صف أحزاب المعارضة قد تكللت بالنجاح، إذ إنها وافقت على اتخاذ موقف موحد حيال جميع القضايا الوطنية المهمة، وذلك خلال اجتماعات في كراتشي ولاهور، أشرف عليها الزعيم الديني وقائد جمعية علماء الإسلام المولوي فضل الرحمن. لكن جهود المعارضة للتوحد ستواجه بالتأكيد من قبل الحكومة، التي تتخوف من أن يخلق هذا الأمر مشاكل كبيرة، خصوصاً ما يتعلق بمحاربة الفساد والأحكام القضائية بحق المعارضين، وبالتالي فإنها ستستخدم كل وسيلة ممكنة للضغط على تلك الأحزاب، بينها العمل على تحجيم نفوذها في الحكومات الإقليمية، خصوصاً في إقليم السند، والذي يسيطر على حكومته حزب الشعب. ويتوقع أن يبدأ هذا الأمر مع زيارة رئيس الوزراء عمران خان وشودري إلى كراتشي قريباً. وأوضح وزير الإعلام، عند الإعلان عن زيارة رئيس الوزراء لكراتشي، أن الحزب الحاكم سيعمل، عبر تصويت في البرلمان المحلي، على تشكيل حكومة جديدة في إقليم السند. وكانت الحكومة المركزية وضعت رئيس الحكومة المحلية في إقليم السند مراد علي شاه على قائمة الممنوعين من السفر بتهمة الفساد، وطلبت منه تقديم استقالته، لكنه رفض، محذراً من أن العمل لإسقاط حكومة الإقليم سيكون بداية النهاية للحكومة المركزية، "لأن السند ستنتفض ضد الحكومة المركزية إن حصل هذا الأمر". كما أن الحكومة، وفي إطار ضغطها على الأحزاب، قد تفتح قضايا ضد قيادات المعارضة، إذ لجأ حزب حركة الإنصاف الحاكم إلى المحكمة العليا لسحب الأهلية عن زرداري، بدعوى عدم الكشف عن كل ثرواته للحكومة، وطلب منها إصدار قرار بمنع زرداري من تولي مهمة قيادة الحزب وخوض السياسة. وفي خضم تلك التجاذبات السياسية، يبدو أن اللاعب الرئيسي والرابح هو المؤسسة العسكرية، أما الخاسر فهو المواطن بسبب انشغال الحكومة بتلك الملفات، وعدم الاهتمام بقضايا تهم المواطنين، مثال النقص الحاد في الكهرباء والغاز، وتدهور قيمة الروبية مقابل الدولار، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع.

المساهمون