باكستان تحتكم للشارع... وتعثّر المفاوضات

21 اغسطس 2014
مخاوف من تجدد الصراع بين الجيش والساسة(ميتن أكتاس/الأناضول/فرانس برس)
+ الخط -

دخلت الاحتجاجات التي يُنظمها القياديان الباكستانيان زعيم حركة "الإنصاف" عمران خان، ورجل الدين وزعيم "حركة منهاج القرآن" طاهر القادري، مرحلة حرجة، عقب تمكنها من الدخول إلى المنطقة الحمراء، وإطلاق الحكومة تظاهرات مضادة لنصرتها، بالتزامن مع تعثر أولى المفاوضات بين الحكومة والمعارضة، التي دعا إليها الجيش، في ظل إصرار المعارضة على تنحي رئيس الوزراء نواز شريف.

تعثّر المفاوضات

وبعدما التزم الجيش الصمت خلال أول أربعة أيام من الاحتجاجات، أطلق في اليومين الأخيرين دعوة للحوار. كما كان قياديون في "الحزب" الحاكم والحركة "القومية المتحدة"، قد بذلوا جهوداً عقب مطالبة الجيش من الطرفين إجراء حوار، لإقناع المعارضة بالتفاوض.

وبالفعل، جلست المعارضة والحكومة على طاولة المفاوضات اليوم الخميس. وعُقدت الجلسة الأولى بين وفد من الحكومة ترأسه حاكم إقليم البنجاب شودري أسلم ووفد عمران خان، الذي ترأسه شاه محمود قرشي، في فندق سيرنا القريب من المنطقة الحمراء.

وقدّم وفد خان ستة مطالب كشرط أساسي لإنهاء الاعتصامات والاحتجاجات، والتي من أبرزها تنحي رئيس الوزراء من منصبه وحل البرلمان الفدرالي والبرلمانات الإقليمية ثم إجراء انتخابات جديدة، تحت إشراف حكومة وطنية مؤقتة.

وأكد قرشي للصحافين بعد الجلسة وقف الحوار مع الحكومة، بعدما تمسك الوفد الحكومي بشريف. ولفت قرشي إلى أن استقالة رئيس الوزراء من منصبه مطلب أساسي لفض الاعتصامات ولا يمكن التنازل عنه.
وحذر السلطات الأمنية من استخدام القوة لفض الاعتصامات، قائلاً إن لديه أنباءً عن نية الحكومة فض التظاهرات بالقوة، وهو ما سيقضي على النظام الديمقراطي في البلاد، على حد وصفه.
كما اجتمع وفد حكومي آخر، ترأسه عبد القادر بلوش وهو قيادي في الحزب الحاكم، مرتين بوفد يمثّل القادري ترأسه رحيق عباسي القيادي في حركة "منهاج القرآن".

وتعرقلت المفاوضات بين الطرفين أيضاً بعد إصرار القادري على استقالة رئيس الوزراء كشرط أساسي لمواصلة الحوار.
في موازاة ذلك، التقى وفد من "الجماعة الإسلامية" ترأسه أمير الجماعة سراج الحق، بزعيم حركة "الإنصاف" وبمسؤولين في الحكومة لإيجاد حل للأزمة الحالية. لكنه تلقى الجواب نفسه من الطرفين. ومع أن المرحلة الأولى من المفاوضات تعرقلت بسبب إصرار المعارضة على تنحي رئيس الوزراء. غير أن الطرفين أعلنا عقد مرحلة أخرى من الحوار مساء اليوم الخميس.

وعلم "العربي الجديد" أن خان والقادري كانا يتبادلان الآراء أثناء عملية الحوار مع الحكومة من خلال اتصالات هاتفية أو إرسال مندوبين. كما اجتمع وفد من القياديين البارزين في حزب خان بالقادري. وتمت متابعة أبعاد الأزمة الحالية.
وقد أعلن الزعيمان بعد الاجتماع فوراً تمسكهما باستقالة رئيس الوزراء. على إثر هذه التطورات، تعهد خان والقادري مرة أخرى بمواصلة الاعتصامات والتظاهرات حتى الإطاحة بحكومة شريف. كما طالب خان أنصاره بالقيام بالتظاهرات والاعتصامات المفتوحة أينما كانوا في أرجاء البلاد.

وبناءً على هذه الدعوة، استجاب آلاف من أنصاره في شتى المدن لتنظيم مسيرات واحتجاجات مستقلة، وشهدت مدينة لاهور عاصمة البنجاب ومدينة كراتشي عاصمة السند تظاهرات حاشدة. كما اتسمت التظاهرات بعد دخولها إلى المنطقة الحمراء بالتنسيق الكامل بين معسكري القادري وخان. من جهتها، قامت الداخلية الباكستانية بتغيير مسؤول أمن العاصمة أفتاب شيمة. وأغلقت الطرقات المؤدية إلى المنطقة الحمراء، ومنعت نقل مياه الشرب والطعام إلى موقع
الاحتجاجات، مما أدى إلى تفاقم الأزمة.

في مقابل تظاهرات أنصار القادري وخان، نظّم أنصار رئيس الوزراء تظاهرات مضادة في مختلف المناطق في إقليم البنجاب. ونظمت "رابطة المحامين" تظاهرة حاشدة في مدينة لاهور، ندّد فيها المشاركون بالاحتجاجات ضد الحكومة، الذي يهدف إلى تقويض الديمقراطية في البلاد، على حد تعبيرهم.

كما نظّم أنصار "الرابطة الإسلامية" (الحزب الحاكم) تظاهرات في مدينة ملتان داهم خلالها المتظاهرون الغاضبون منزل نائب عمران خان، شاه محمود قرشي، وألحقوا به أضراراً كبيرة قبل أن تفرقهم الشرطة. وفي السياق، أعلن زعيم جمعية "علماء الإسلام" المولوي فضل الرحمن، تنظيم حزبه مسيرات احتجاجية في مدينة بشاور عاصمة إقليم خيبر بختونخوا للدفاع عن النظام الديمقراطي وإدانة احتجاجات القادري وخان التي وصفها بـ"غير الشرعية".

من جهته، طلب زعيم الحركة "القومية البشتونية"، محمود خان أشكزاي من الحكومة والقوى السياسية تنظيم مسيرات مضادة في ربوع باكستان للدفاع عن النظام الحاكم، وإدانة ما وصفه بـ"الأجندة الأجنبية".

شكوك حول الجيش

يتزامن هذا الانقسام مع اتهام بعض السياسيين لأفراد في الجيش بتنظيم المسيرات الحالية لإضعاف الحكومة الحالية، على الأقل إذا لم يتم القضاء عليها. وكان وزير الدفاع، خواجه آصف، قد أشار في حوار مع إحدى القنوات المحلية إلى أن الحراك الاحتجاجي محاولة لإحداث انقلاب في البلاد كما حدث في مصر.

بدوره، قال الأمين العام لحزب "الرابطة الإسلامية" الحاكم، راجه ظفر الحق، إن ما يحصل في البلاد بسبب محاكمة مشرف، وذلك في إشارة إلى أن الجيش الباكستاني يؤيد التظاهرات لأنه لا يرضى بمحاكمة مشرف بتهمة الخيانة العظمى.

وذهب مراقبون إلى القول إن الاحتجاجات الحالية ليست في مصلحة البلاد وأنها تحيي مخاوف من تجدد الصراع بين الجيش والساسة، إذ إن الجيش قد لا يرغب في الظروف الراهنة في المجيء إلى السلطة، خصوصاً وأنه يواجه حركة "طالبان" والجماعات المسلحة، غير أنه يرغب في تغير حكومة شريف. وعلّل المراقبون رغبة الجيش بتنحي شريف بسبب بعض سياسات الأخير والتي من أبرزها محاكمة القائد السابق للجيش الجنرال المتقاعد برويز مشرف بتهمة الخيانة العظمى ومنعه من السفر إلى الخارج، فضلاً عن الخلافات بين الطرفين بشأن الحوار مع الجماعات المسلحة، والعمليات العسكرية ضدها. وكان الجيش الباكستاني قد أطاح بحكومة نواز شريف في انقلاب عسكري قاده قائد الجيش الأسبق برويز مشرف عام 1999.