استهداف الاحتلال مناطق "ب" في الضفة الغربية بالهدم.. تنفيذ الحسم والتهجير

24 يوليو 2024
جنود إسرائيليون يتجمعون بالقرب من بلدة بيتا، 2 يوليو 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **توسيع السيطرة الإسرائيلية**: تتجه الضفة الغربية نحو مرحلة جديدة من السيطرة الإسرائيلية، تشمل جميع أراضيها بغض النظر عن تصنيفها وفق اتفاقية أوسلو، مما يقوض صلاحيات السلطة الفلسطينية ويعزز عملية الضم التدريجي للأراضي الفلسطينية.

- **استهداف الأراضي الفلسطينية**: القرار الإسرائيلي الأخير يستهدف الاستيلاء على نحو 167 كيلومترًا مربعًا من الأراضي في جنوب الضفة الغربية، مما يثير مخاوف من عمليات هدم واسعة للمنازل الفلسطينية، ويعزز مبدأ "الضم" بشكل صامت.

- **تداعيات القرار والمقاومة الفلسطينية**: القرار يهدف إلى الحد من التوسع السكاني الفلسطيني ومنع النشاط الزراعي، مما يمهد لإقامة مستعمرات سكنية استيطانية. يونس عرار يعتبر المرحلة الحالية الأسوأ في تاريخ القضية الفلسطينية، مشددًا على الصمود والبقاء على الأرض.

تنتظر الضفة الغربية مرحلة جديدة ينفذ فيها الاحتلال الإسرائيلي قراراته العسكرية على كلّ أراضيها، بصرف النظر عن تصنيفها إن كان "أ" أو "ب" أو "ج" بحسب اتفاقية أوسلو، ما يعني بشكل أو بآخر القضاء على صلاحيات السلطة الفلسطينية التي نصّت عليها اتفاقية أوسلو في سبتمبر/أيلول 1993. وبهذا تستمر عملية الضم الإسرائيلية بشكل تدريجي "ًصامت" من دون رادع، وتحت ذرائع قانونية وأوامر عسكرية. 

وكان قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال الإسرائيلي، يهودا فوكس (المسؤول عن مناطق الضفة الغربية، المعروف بالحاكم العسكري إسرائيليًا) قد اتخذ قرارا بتوجيهات من وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي، يوآف غالانت، في 17 يوليو/تموز الجاري، يسمح بهدم بيوت الفلسطينيين في المناطق المصنّفة "ب" التابعة للسيطرة المدنية للسلطة الفلسطينية، ومنع البناء فيها، ومصادرة أراضي محمية طبيعية، وذلك من دون أن ينص القراران على تفاصيل إضافية، بحسب ما ذكرت القناة 14 الإسرائيلية.

وكان من المتوقع صدور القرار بحق الأراضي التي تخصّ المناطق البرّية الشرقية في بيت لحم، لكنه صدر بشكل عام ليستهدف كلّ الأراضي الفلسطينية، وفق ما يقول رئيس وحدة العلاقات الدولية في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، يونس عرار، في حديث لـ"العربي الجديد". وتقسّم الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق، وفق اتفاقية أوسلو، وهي مناطق (أ) تحت السيطرة الفلسطينية الكاملة بواقع 18% من المساحة الإجمالية للضفة، ومناطق (ب) تحت السيطرة الإدارية الفلسطينية والأمنية الإسرائيلية على مساحة 22%، ومناطق (ج) الخاضعة للسيطرة الأمنية والمدنية الإسرائيلية والتي تحتل المساحة الأكبر بـ60%، وتعاني هذه المناطق من إجراءات عسكرية في "الهدم، والحرمان من الحقوق، ومنع البناء، ومصادر الأراضي". 

ويوضح عرار أن القرار يستهدف مبدئيًا الاستيلاء على نحو 167 كيلومترا مربعا من الأراضي التي تمتد في جنوب الضفة الغربية، من شرق القدس إلى شرق بيت لحم المعروفة بمنطقة "السواحرة"، وصولًا إلى حدود منطقة النقب، وكلّها مناطق تصنّف "ب"، وبالتالي تتزايد المخاوف من احتمالية تنفيذ عمليات هدمٍ واسعة تطاول المنازل المقامة على هذه الأراضي في المرحلة المقبلة. 

ويتواجد البناء الفلسطيني في المناطق الشرقية لبيت لحم منذ عشرات السنين، لكنها باتت اليوم مهددة بالتهجير، بحجج قائمة على أن المنطقة "محميّة طبيعية"، وبالتالي سيمنع البناء فيها؛ استعدادًا لتنفيذ مخططات استيطانية ضخمة، تضم مشاريع اقتصادية، وأخرى سياحية، ووحدات استعمارية سكنية جديدة، وضخ استثمارات تجارية في المناطق المستولى عليها، وبهذا يطبق مبدأ "الضم" بشكل صامت، وفق عرار.

مخزون استيطاني في الضفة الغربية

ويوضح الباحث في مركز أبحاث الأراضي، راجح التلاحمة، خلال حديث مع "العربي الجديد"، أن ذريعة اعتبار الأراضي المستولى عليها "محمية طبيعية" هي مخزون استيطاني احتلالي، بمعنى أنه أسلوب يتم من خلاله تمرير الأراضي الفلسطينية للمستوطنين، بعد أن يتم تغيير صفة استملاكها وتحويلها للجماعات الاستيطانية، التي تبدأ فيها بتنفيذ الاستيطان الرعوي، وتنتهي ببناء المستعمرات السكّانية. ويحمل قرار الاحتلال هدفًا معلنًا وآخر خفياً، وفق التلاحمة، الذي يقول إن "الهدف المعلن للاحتلال هو الضرورة الأمنية في حال اضطر إلى الهدم، وتنظيم البناء بشكل عام، لكن الهدف الحقيقي غير المعلن هو الحدّ من التوسع السكّاني الفلسطيني، ومنع انتشار النشاط الزراعي عبر إحياء الأرض، والتمهيد لإقامة مستعمرات سكنية استيطانية، ما يعني أن خلفية القرار العسكري استعمارية بحتة". 

ويتماشى القرار الإسرائيلي الأخير مع ما صدر عن المحكمة الإسرائيلية العليا في سبتمبر/أيلول 2015، حين قضت المحكمة بأن سلطات الاحتلال تمتلك الصلاحيات الكاملة على مناطق "أ - ب" وليس مناطق "ج" فقط، بحجّة أن اتفاق أوسلو لم يقيّد صلاحيات الحاكم العسكري الإسرائيلي على الضفة الغربية. وبحسب التلاحمة، فقد حصلت في السابق حالات هدم وإصدار أوامر عسكرية بمنع البناء في مناطق "ب"، كما جرى عند بناء جدار الفصل العنصري عام 2005، حيث استولى الاحتلال على آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية، تحديدًا في بلدات شرق وشمال القدس، ويمنع حتى الآن التوسع العمراني فيها، بقرارات عسكرية، لكن اللافت اليوم هو شرعنة الهدم والتعامل معه كإجراء قانوني. 

وبعد أن نفّذ الاحتلال سياسة تقسيم مناطق "ج" على شكل "كنتونات" يسعى مجددًا إلى تطبيق ذات السياسة على الأراضي المصنّفة "ب"، وبهذا تصبح تلقائيًا مناطق "أ" خاضعة لذات التقسيمات، والحيلولة لاحقًا دون إقامة دولة فلسطينية، تطبيقًا لجوهر ما جاء في صفقة القرن، كما يقول عرار من هيئة مقاومة الجدار والاستيطان.

ويعتبر يونس عرار أن "المرحلة الجارية تعتبر الأسوأ في تاريخ القضية الفلسطينية في الجانب الاستيطاني، حيث إن الحكومة الإسرائيلية الحالية تطبق عمليًا المبدأ الذي قامت عليه دولة الاحتلال "شعب بلا أرض لأرض بلا شعب"، ولذا ترى حكومة الاحتلال أنها "حكومة الحسم" التي ستحسم الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي". وعن الخيارات المتاحة فلسطينيًا لمواجهة القرار الإسرائيلي، يؤكد عرار أن "لا شيء متاحا أمام الفلسطيني إلا الصمود والبقاء على الأرض، لأن المعركة الآن عنوانها التهجير، وسط صمت المنظومة الدولية، وعدم تطبيق قرارات الشرعية الدولية، وموت العرب سريريًا، ولذا نحن أمام خيارات صعبة جدًا".

ويشير التلاحمة إلى أن وزراء حكومة الاحتلال المتطرفة، على رأسهم إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، ينادون بضرورة إزالة محددات مناطق "أ - ب"، واعتبار كل الأراضي الفلسطينية إسرائيليةً، مستخدمين مبدأ التهجير القسري بشكل صامت، بهدف إحلال سكّان غرباء بدل الأصليين الفلسطينيين، خلافًا لما هو متعارف عليه وفق القوانين الدولية.

ويتقاطع قرار الحاكم العسكري تمامًا مع ما نشره وزير المالية الإسرائيلي المتطرف سموتريتش، في وقت سابق، عن رؤيته الاستيطانية تحت عنوان "مخطط الحسم: اليمين يملك مفتاح السلام"، والتي جاء فيها أن "حدود دولة إسرائيل يجب أن تتطابق مع تلال الضفة الغربية المحتلة، وفق تعليمات الرب، بعيدًا عن أساليب السياسة والدبلوماسية والمجتمع الدولي وحقوق الإنسان"، حسب مزاعمه.