لم يتحدد بعد موعد المؤتمر الـ11 لحركة "النهضة" التونسية، والذي كان يُفترض أن ينعقد قبل شهر، في حين جاءت أزمة فيروس كورونا لتسعف تيارات الحركة المتباينة في آرائها، بمنحها وقتاً إضافياً لمناقشة السؤال الأبرز الذي سيشكّل العنوان الأساسي للمؤتمر وهو: هل يبقى راشد الغنوشي على رأس الحركة أم يغادر؟
وينصّ الفصل 31 من النظام الداخلي لـ"النهضة" على أنه "لا يحق لأي عضو أن يتولى رئاسة الحركة لأكثر من دورتين متتاليتين". وقد قال الغنوشي نفسه في آخر حوار له مع قناة "نسمة" التونسية، إنه "سيحترم هذا القانون ما دام قائماً". علماً بأنه كان أكد في حوار سابق مع "العربي الجديد"، أنّ بقاءه على رأس الحركة تحدده مصلحة الحزب ومصلحة البلاد. وتقود هذه التصريحات إلى الاستنتاج المباشر بأنّ الغنوشي يرغب في البقاء على رأس الحركة، وأنّ ذلك يمرّ بالضرورة عبر تغيير القانون الداخلي لـ"النهضة".
ويتنافس في هذا الصدد تياران، أحدهما يدعو صراحة لعدم التجديد للغنوشي واحترام النظام الداخلي، وآخر يرى أنّ خروج الغنوشي سيؤدي إلى مشاكل كثيرة في "النهضة" أهمها الانشقاقات التي يمكن أن تحدث بسببه.
وعلّق القيادي في "النهضة"، وزير التنمية المحلية لطفي زيتون، على هذا الوضع، بالقول إنّ "النهضة بحاجة إلى حوار واسع يقود إلى التزامات وتوافقات حقيقية تقي الحركة مغبة الانقسام"، مضيفاً في حوار مع التلفزيون الرسمي أخيراً، أنّ "الحركة ليست جاهزة بعد لحسم موضوع الانتقال القيادي الذي يحتاج إلى توسيع المشاورات قبل عقد المؤتمر، والهدف الأهم هو المحافظة على وضع الحركة ومكانتها في المشهد الوطني وكذلك المحافظة على خطها السياسي".
وفي ورقة داخلية لـ"النهضة" تمّ تداولها أخيراً، أشارت مجموعة أطلقت على نفسها اسم "مجموعة الوحدة والتجديد" (غالبيتها من المقربين من تيار الغنوشي) إلى أنّه "لم يعد خافياً أنّ حركة النهضة تعيش على وقع خلافٍ داخلي ظلّ يتفاقم منذ المؤتمر العاشر سنة 2016، وهو خلاف ذو طبيعة تنظيمية بدرجة أولى، ممّا أنتج مناخات سلبية ساهمت في إرباك الحركة وإهدار الكثير من الجهود والطاقات". ودعت المجموعة إلى "إدارة حوار داخلي معمّق حول مختلف القضايا الفكرية والسياسية والاستراتيجية التي تخصّ الحركة، وبناء توافقات صلبة تحفظ وحدتها وتدعم مناخات الثقة بين النهضويين قبل الذهاب إلى المؤتمر".
ويأتي نقاش هذا الموضوع في ظلّ وضع وطني متوتر يلقي بظلاله على كل الأحزاب التونسية، ولا تمكن مناقشته بمعزل عن كل الظروف المحلية والإقليمية.
وفي السياق، أكّد القيادي في حركة "النهضة"، نور الدين العرباوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ مجلس شورى حركة النهضة سيبحث موضوع المؤتمر وسيتم الإعلان عن موعده. وأضاف أنّ "تنقيح النظام الداخلي غير مطروح حالياً، ولكن سيعيّن مجلس الشورى لجاناً خاصة بعقد المؤتمر ستتولى طرح القضايا المتعلقة بالقانون الأساسي وغيرها من المواضيع التي ستناقش داخل اللجان".
وحول التمديد للغنوشي، قال العرباوي إنّ "الحديث وفق القانون شيء، إذ إنّ هذه الدورة تعتبر الأخيرة للغنوشي في رئاسة الحركة، والحديث بحسب ما تقتضيه المصلحة شيء آخر، وهذا الأمر يختلف بحسب كل رأي. والنهضة ومؤسساتها والمؤتمرون هم الذين يقررون الأنسب".
من جهته، اعتبر وزير الخارجية الأسبق، القيادي في حركة "النهضة"، رفيق عبد السلام، في تصريح صحافي أخيراً، أنه "لا توجد شخصية أزلية داخل الأحزاب وأنّ المؤسسات والهياكل فوق كل الشخصيات"، مشيراً إلى "إمكانية التمديد للغنوشي في حال الاتفاق على تغيير القانون الداخلي للحركة".
وقال القيادي في "النهضة" ورئيس الكتلة البرلمانية للحركة، نور الدين البحيري، بدوره، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ الحركة "يحكمها قانون داخلي، ولكن تحكمها أيضاً أولويات، وفي الأصل كان يفترض أن ينعقد المؤتمر في 22 مايو/أيار الماضي، لكن ظروف البلاد فرضت تأجيل الإعداد له على المستوى الهيكلي والمادي والسياسي"، موضحاً أنّ مجلس شورى الحركة هو المسؤول عن هذا الجانب ويخصّص لجاناً تعدّ المؤتمرات المحلية والجهوية والأوراق السياسية والاجتماعية والفكرية. ولفت البحيري إلى أنّ الأوضاع التي تعيشها تونس بسبب كورونا فرضت تأجيل المؤتمر، لأنه لا يمكن عقد المؤتمرات الجهوية والمحلية والمؤتمر النهائي الذي يحضره أكثر من ألف شخص، في هذه الحالة.
وبيّن المتحدث نفسه أنّ "هذه الدورة هي الأخيرة للغنوشي وفق القانون الذي وضعه أبناء الحركة تقديراً لمصلحة معينة، وبالتالي إذا ارتأوا أنّ مصلحة الحركة والبلاد تقتضي خلاف ذلك فيمكن تغييره". ورأى أنه "ليس من السهل أن نجد زعيماً في حجم الغنوشي، والوضع بالنسبة لحركة النهضة يتجاوز مجرد الإدارة الداخلية، لأنها حركة تسعى إلى أن تكون جامعة للتونسيين ورائدة في المنطقة، وهي حركة تحكم وشريكة مع أحزاب من مختلف الانتماءات، وبالتالي فهي بحاجة إلى زعيم يحظى بثقة الدول الإقليمية والعالمية لتضمن التعاون والدعم".
ولفت البحيري إلى أنّ "تونس تمرّ بصعوبات عدة؛ اقتصادية واجتماعية، وهي بحاجة إلى من لديه القدرة على إدارة الحوارات، وتغليب المصلحة العامة، وبالتالي هي ليست بحاجة إلى شخص ليقودها تنظيمياً فقط، بل إلى شخصية قادرة على التجميع"، مضيفاً أنه "بعد وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي، فإنّ تونس باتت في حاجة إلى تجربة الغنوشي، وبالتالي لا يمكن بدعوى تطبيق القانون التخلي عن هذا الزعيم".
ولكن المعارضين لهذا التوجه المنادي بالتمديد للغنوشي كثر أيضاً، وقد خرجوا عن صمتهم وأعلنوا صراحة معارضتهم لاستمرار الرئيس الحالي لـ"النهضة"، ومن أبرزهم وزير الصحة عبد اللطيف المكي، الذي اعتبر في حوار له على قناة حنبعل أخيراً، أنه "يجب احترام القانون والأخلاق السياسية وتصعيد قيادة جديدة من أجل تكريس الديمقراطية داخل الحركة"، مشيراً إلى أنّ "النهضة لها قيادات قادرة على حمل المشعل، وهناك طلبة قادوا الحركة في وقت من الأوقات" (في إشارة إلى الوضع قبل الثورة عندما كان الغنوشي وعدد من القيادات في المهجر).
وفي الإطار ذاته، اعتبر القيادي في "النهضة"، سمير ديلو، في تصريح لإذاعة "شمس"، أنه فور انعقاد المؤتمر الحادي عشر "سيكون هناك رئيس جديد للحركة"، مضيفاً أنه يؤمن بالديمقراطية، وأنه "ليس من المعقول أن يتم تغيير النظام الداخلي للحزب ليصبح على مقاس أي شخص، حتى ولو كان في حجم راشد الغنوشي".
وحظي المعارضون لاستمرار الغنوشي بدعم مهم جاء من قبل رئيس الحكومة الأسبق، القيادي في "النهضة"، علي العريّض، الذي قال في حوار مع قناة "فرانس 24"، أخيراً، إنه مع تطبيق القانون الأساسي للحركة والحفاظ عليه، الذي حدد دورتين لكل رئيس، لافتاً إلى أنّ "الغنوشي ليس أي شخصية داخل الحركة وهو من مؤسسيها، وأي شخص يغادر قيادة حزب أو مجلس شورى، قادر على أن يواصل مساعدة الحزب من مواقع مختلفة". وأكد العريّض أنّ "ليس له طموح في ترؤس حركة النهضة، بل يدعم منطق تشبيب قيادتها".
إلى ذلك، لفت القيادي في "النهضة"، محمد القوماني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "لا مفرّ من مواجهة استحقاق الانتقال القيادي، والقانون واضح في هذا المجال، ولكن الإشكال هو أنه لم يتقدم أحد إلى غاية اليوم لإعلان ترشحه لرئاسة الحركة، وهو موضوع يُفترض أن يتم حسمه قبل أشهر، وأن يتم التداول في الأسماء والترشيحات وفي قدرة المرشّحين على ضمان وحدة الحركة، وملء الفراغ الذي قد يخلّفه خروج الغنوشي".
وأكد القوماني أنّ "الغنوشي وبعد مسيرته السياسية، التي فاقت نصف قرن، وبعد ما تحقق من مكاسب ديمقراطية للبلاد ومن وجود شرعي وعلني ومؤثر لحركة النهضة في الدولة، يبدو من المهم جداً أن يتوّج مسيرته بخاتمة تليق بهذا التاريخ النضالي، وأن يكون خروجه من الباب الكبير، على أن يسهم في تأهيل قيادي يستجيب للرغبة في استمرار هذه الحركة وتشبيبها". وأضاف أنّ "وجود الغنوشي على رأس البرلمان ودوره المتنامي في الدولة، قد يدفعانه إلى التفكير في التفرغ لهذه المهمات، وتخفيف الضغط على مؤسسة البرلمان بالاستغناء عن مكانه في الحركة، على الرغم من أنّ القانون لا يفرض ذلك".
وأضاء حديث القوماني على أسئلة مهمة يتفاداها قياديو "النهضة" في كل تصريحاتهم، وهي من يخلف الغنوشي ومن يقدر على ملء مكانه؟ ومن هي الشخصية القادرة على تجميع كل الفرقاء ومنع انقسام الحركة؟ ولماذا يصرّ المعارضون لبقائه على التأكيد أنهم غير معنيين بالترشح للمنصب؟