انتهى العرض: غزة 32 سنة من دون سينما

11 يونيو 2019
استقرّ بائع بطيخ أمام مبنى سينما النصر (العربي الجديد)
+ الخط -
استقر بائع بطيخ أمام مبنى سينما النصر وسط مدينة غزة، بعدما أغلقت أبوابها منذ ثلاثة عقود تقريباً. فتحوّلت إلى مبنى مهجور خالٍ من الروح، وصخب الأفلام، والجماهير، والتذاكر. ولم تعد جدران المبنى الباهتة والتي يتوسطها اسم السينما ــ وقد سقطت بعض حروفه بفعل الهجران ــ تحمل يافطات بأسماء الأفلام، والعروض التي ستشهدها تلك القاعة الكبيرة، والتي لطالما زارها الفلسطينيون.

يفتقد قطاع غزة لدور السينما منذ نهاية عام 1987، وهو العام الذي شهد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى (انتفاضة الحجارة) بعدما كان مزدهراً بعدد من دور السينما، التي ظهرت منذ بداية الأربعينيات. كانت أبرزها سينما الخضراء وهي أول صالة عرض في قطاع غزة، تلتها سينما السامر حيث نقل صاحبها أدوات سينما الخضراء إليها.

في بداية الخمسينيات ومع جلاء الاحتلال البريطاني عن غزة ومصر، أُنشئت سينما الجلاء في القطاع. بعد ذلك، أُنشئت سينما النصر، وسينما أخرى لم يكن لها سقف، إذ كانت سينما صيفية، تُسمّى سينما عامر. وإلى الغرب من مدينة غزة أُنشئت سينما الشاطئ، بينما شهدت مدينة رفح جنوب غزة إنشاء سينمات الحرية، والسلام، والصابرين.

كل تلك الأسماء تحولت بعد إغلاق أبوابها في وجه المواطنين إلى مجرد ذكريات، يسرد خلالها الجد، أو الأب والأم تفاصيل جميلة ومشوقة للأبناء والأحفاد، الذين لم يعايشوا حتى الآن شعور دخول السينما. فأجيال غزية كاملة نشأت وتربت خلال العقود الثلاثة الماضية لم تدخل صالة سينما في حياتها وانحصرت علاقتها بالأفلام والعروض بالتلفزيون ومنصات العرض الرقمية.



ذكريات
يروي الخمسيني بسام أهليل كيف كان يقصد سينما النصر برفقة أصدقائه، فكانون يتوجّهون من مخيم النصيرات وسط القطاع حتى مدينة غزة، لمشاهدة الأفلام المعروضة. ويقول أهليل لـ"العربي الجديد" إنه كان يحضر الأفلام المختلفة لـ "جاكي شان"، وعبد الحليم حافظ، إلى جانب الأفلام الرومانسية وأفلام الآكشن الهندية، مضيفاً: "كان سعر التذكرة يختلف حسب نوعية الفيلم، والمقعد الذي يتم حجزه، إلا أن المبلغ لم يكن يتجاوز في ذلك الوقت 20 شيقلاً (5.5 دولارات تقريباً).

بينما يقول ابنه حسن أهليل (30 عاماً) الذي يملك محلاً لبيع القطع الإلكترونية مقابل لمقر سينما النصر، إنه ورث عشق السينما عن والده، رغم أنه لم يتمكن من مشاهدة أي فيلم بداخلها منذ بداية حياته، بسبب إغلاقها في الفترة التي ولد فيها.
لم يخف أهليل يأسه من إمكانية إعادة افتتاح السينما في غزة، بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة. إلى جانب اختلاف الوَرَثة على مقر السينما، وغياب الاهتمام الرسمي والمجتمعي بافتتاحها، على اعتبار أنها ليست ذات درجة عالية من الأهمية في ظل الظروف السياسية التي تمر بها القضية الفلسطينية عموماً، وقطاع غزة الذي يعاني من حصار إسرائيلي مشدد منذ 13 عاماً على وجه التحديد.

بينما يوضح جاره خليل السمان (63 عاماً)، أن السينما ازدهرت في قطاع غزة في الستينيات والسبعينيات، وكانت محط اهتمام الأجيال الشابة التي كانت تجتمع من مختلف الأماكن لمشاهدة الأفلام المعروضة. ويبين السمان لـ"العربي الجديد" أن وجود السينما وإن كان بسيطاً بالنسبة للبعض، إلا أنه يعتبر مشهداً حضارياً، لم يتمكن التلفاز والأجهزة الحديثة من إلغاء الشوق إليه، مضيفاً: "هناك لذة خاصة، ومتعة كبيرة، حين تشاهد فيلم الآكشن والإثارة أو أي فيلم آخر، وأنت على المقاعد بين الجمهور".

ويقول الشاب إسماعيل النواتي، الذي مَرّ مصادفة من جانب مقر سينما النصر المهجور، إنه يعمل في مكان قريب من السينما، ويمر يومياً من جانبها، مضيفاً: "لا أتوقف عن النظر إليها حين أمر، وأتأمل أن أرى أبوابها وقد فتحت في يوم من الأيام".



الإهمال الرسمي
من جهتها، توضح المخرجة الفلسطينية ريما محمود أن السينما تلعب دوراً قوياً في تناول القضايا الاجتماعية والخطوط الحمراء التي يصعب تناولها في المجتمع الفلسطيني، وغيابها يشكل عاملاً سلبياً في تسليط الضوء مثل هذه المواضيع. وتضيف أن السينما تشكل منفذاً للتسلية من خلال الأفلام الترفيهية التي تخرج الجمهور من عالم الانغلاق والحصار.
وتبيّن محمود لـ"العربي الجديد" أنها وبرفقة عدد من المخرجات الفلسطينيات، يحاولن تنبيه الجهات المعنية إلى أهمية إعادة إصلاح وافتتاح دور العرض السينمائية التي طواها الزمن وأصبحت لا قيمة لها، أو واحدة منها على أقل تقدير.

وواجهت المخرجة محمود مشاكل كبيرة مثل غياب دور وزارة الثقافة، واكتفائها بدور الرقيب من دون المساهمة في تجديد أو إصلاح دور السينما، علاوة على غياب التمويل، وغياب تدريس السينما والإخراج في التخصصات الجامعية.
وتقول: "نحاول تغيير نظرة غزة وتطلعها إلى عالم سينمائي لا يقل أهميةً عن العالم الخارجي، خاصة وأن غزة هي ساحة خصبة للأفكار السينمائية والروائية".

وأسدلت ستائر دور السينما في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ اندلاع الانتفاضة حتى اللحظة، على الرغم من المطالبات الشبابية المتواصلة، ومن الجهات الثقافية المطالبة على الدوام بالاهتمام بالسينما، كأحد العناصر الثقافية الهامة.

لكن مقابل هذه الأصوات تبرز آراء أخرى تربط إغلاق معظم دور السينما في فلسطين، بالأوضاع السياسية، والاحتلال الإسرائيلي الذي ينغص على الشعب الفلسطيني تفاصيل حياته اليومية. كذلك تبرز أصوات ذات خلفيات محافظة تعتبر أن صالات السينما في "المفسدات".

المساهمون