انتهاء موسم التظاهرات في جنوب العراق: ضغوط وتهديدات للناشطين

31 اغسطس 2019
تمّ اعتقال عدد كبير من قادة الاحتجاجات(أحمد الربيع/فرانس برس)
+ الخط -

يشارف ما بات يعرف بـ"موسم التظاهرات والاحتجاجات"، في مدن جنوبي العراق، على الانتهاء بهدوء للمرة الأولى منذ سنوات، بعدما شهد شهرا يوليو/تموز وأغسطس/آب لأعوام، بالتزامن مع درجات الحرارة القياسية، موجة تظاهرات واعتصامات، تخللتها أعمال عنف وسط سقوط ضحايا من المتظاهرين، الذين كانوا يطالبون بتحسين الخدمات، وأبرزها الماء والكهرباء ومحاربة الفساد، ومعالجة آفتي الفقر والبطالة اللتين تنخران الشارع الجنوبي العراقي، ودفعتا الكثير من الشباب إلى التوجه للوظائف الأمنية أو الانتساب لـ"الحشد الشعبي" للقتال طيلة السنوات الماضية طمعاً بالمرتبات.

ويُعتبر الحزب الشيوعي العراقي، والتيار المدني المناهض لسلطة الأحزاب الدينية، أبرز محركي هذه التظاهرات كل عام. وخلال العامين الأخيرين، تضافرت عشائر عربية معهما، كما حصل في البصرة والسماوة ومدينة سوق الشيوخ في ذي قار.

ويقول ناشطون في حركة الاحتجاجات إن تراجع التظاهرات لا يعني موتها، غير أنهم يؤكدون الخطر الذي شكّلته على الناشطين فيها، إذ تلقى قسمٌ من أعضاء التنسيقيات تهديدات على شكل  رسائل في ظروف بداخلها رصاصة، أو على شكل رسائل على هواتفهم تهددهم بالموت، فيما أغدقت أموال على أطراف عدة لإقناعها بعدم المشاركة في التظاهرات، وتمّ تحريك بعض رجال الدين للتحذير من خطورة الاحتجاجات. ويؤكد الناشطون أن فوز مرشحي فصائل مسلحة في الانتخابات التشريعية التي جرت في العراق العام الماضي (مايو/أيار 2018)، وتبوؤهم مناصب تشريعية وتنفيذية، زرعا الخوف في قلوب كثير من المتظاهرين خشية تعرضهم لقمع المليشيات.


هذا الأمر أكده قيادي بارز في الحراك الاحتجاجي بالبصرة، وأحد أعضاء لجنة تنسيقية تظاهرات "شط العرب"، طلب عدم الكشف عن هويته، مبيناً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن عدداً غير قليل من قادة ومؤيدي الاحتجاجات تعرض لضغوط وتهديدات من قبل مليشيات في المحافظة، دفعتهم للتوجه إلى بغداد وكردستان، وبالتالي فإن محركاً مهماً للتظاهرات قد توقف.

وأقر المصدر بتراجع أو انحسار موسم التظاهرات إلى أدنى حدٍّ له منذ سنوات في البصرة وبقية مدن الجنوب، على الرغم من استمرار الفساد، بل وتصاعده، وعدم حدوث أي تحسن في قطاعي الكهرباء والخدمات، موضحاً أن أسباباً عدة تقف وراء ذلك، يأتي في مقدمها فوز قادة وأعضاء بالجماعات المسلحة في انتخابات 2018، وحصول بعضهم على مناصب مهمة داخل البرلمان والحكومة.

ولفت القيادي في الحراك الاحتجاجي بالبصرة إلى أن هذا الأمر انعكس بشكل مباشر على واقع التظاهرات التي بدأت تتعرض لتضييق مباشر من قبل محافظ البصرة أسعد العيداني، ومجلس المحافظة وقوى مسلحة متنفذة، مشيراً إلى أن زعامات قبلية سحبت تأييدها للحركة الاحتجاجية التي كانت مقررة منذ شهرين من دون معرفة السبب.

من جهته، أوضح فاضل العكيلي، وهو أحد منسقي الاحتجاجات بين البصرة وبقية مدن الجنوب، أن التظاهرات التي نظمها أنصار "تيار الحكمة" في شهر يوليو/تموز الماضي أثرّت بشكل سلبي على حركة الشارع في مدن جنوب العراق، مبيناً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن كُثراً من المحتجين قرروا الانسحاب خشية تسييس التظاهرات.

وأعرب العكيلي عن "أسفه" لـ"التجربة المريرة في هذا المجال، حين دخل التيار الصدري على خط تظاهرات الإصلاح عام 2015، وتمكن من توظيفها وتحويلها إلى مكاسب سياسية نتجت منها كتلة برلمانية كبيرة ومناصب حكومية مهمة أبعدته عن مطالب ساحات التظاهر".

ورأى العكيلي أن "كُثراً من المتظاهرين يشعرون بالإحباط بسبب تسييس التظاهرات، كما أن فئة منهم باتت تخشى انتقام الجماعات المسلحة، لا سيما بعد تعرض عشرات المتظاهرين للاعتقال العام الماضي ومقتل واختفاء آخرين"، موضحاً في الوقت ذاته أن صمت المحتجين لا يعني أبداً رضاهم بالواقع الحالي الذي وصفه بالمزري، لأن هذا الوضع "يمكن أن يتفاقم من جديد، ويمكن للأمور أن تخرج عن السيطرة في أي لحظة".

وتعرض المتظاهرون في جنوب العراق، وخصوصاً في البصرة، لتهديدات مباشرة من قبل محافظها وقائد شرطتها ومسؤولين آخرين. وقال محافظ البصرة أسعد العيداني في وقت سابق إنه لن يسمح للمحتجين بالتظاهر من دون إجازة، مبيناً أنه سيتصدى لما قال إنها عمليات تخريب ترافق التظاهرات، متهماً بعض المشاركين فيها بالسعي لتخريب مؤسسات الدولة. كما هدد قائد شرطة البصرة رشيد فليح المتظاهرين الذين لا يمتثلون لأوامر القوات الأمنية، قائلاً إنه سيضع المحتجين الذين يتجاوزون على مؤسسات الدولة "تحت أقدامه".


وعلى الرغم من الضغوط التي تمارسها منظمات محلية ودولية، إلا أن السلطات في مدن جنوب العراق لا تزال تحتجز عشرات المتظاهرين.

وقالت عضو مفوضية حقوق الإنسان في العراق فاتن الحلفي، إن عدد المحتجين المعتقلين في البصرة وحدها بلغ 96 متظاهراً حتى نهاية يوليو/تموز الماضي، مشيرة إلى إحالة 11 متظاهراً قاصراً إلى شرطة الأحداث.

والسبت الماضي، بدأت الأجهزة الأمنية في محافظة البصرة بتنفيذ خطة أمنية واسعة وعمليات تفتيش واعتقال لضبط أمن المحافظة، ما اعتبره ناشطون خطة تنفذ تحت مسمّى "حفظ الأمن"، لكنها تأتي تخوفاً من عودة التظاهرات الشعبية في المحافظة، ومحاولةً لإنهاء أي فرصة لعودتها، محذرين من اعتقال ناشطيها.