تزامن انتهاء آخر معارك النظام وحلفائه في العاصمة السورية دمشق ومحيطها، مع مواجهة إيران ضغوط إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي انسحبت من الاتفاق النووي مع طهران، وفرضت عليها عقوبات جديدة، لتواجه طهران أيضاً متاعب الحليف الروسي، الذي لمّح أخيراً إلى فكرة إنهاء وجود المليشيات الإيرانية في سورية. وقد رفعت الولايات المتحدة سقف موقفها المتشدد حيال إيران، ووضعت شروطاً من شأنها دفع الصراع بين البلدين إلى أخطر المستويات. ومن المتوقع أن تكون سورية الميدان الأبرز للصراع الأميركي الإيراني، في ظل رغبة روسية طفت على السطح أخيراً في إخراج إيران من سورية كي تتحول الأخيرة إلى منطقة نفوذ روسي بلا منازع، إذ تأمل موسكو في قطف ثمار دعمها اللامحدود لنظام بشار الأسد.
ووضعت الولايات المتحدة الأميركية، يوم الاثنين الماضي، 12 شرطاً لإبرام اتفاق نووي جديد مع إيران، من بينها إخراج طهران لقواتها من سورية. وكانت المواقع الإيرانية هدفاً مباشراً للطيران الأميركي والإسرائيلي في الآونة الأخيرة، خصوصاً في مواقع قرب دمشق، وفي ريف درعا، والقنيطرة، وفي ريف حمص وريف حماة وريف حلب. وبات من الواضح أن واشنطن جادة في تقويض مساعي إيران لترسيخ وجودها في شرقي المتوسط، ونزع مخالب الحرس الثوري الإيراني في سورية ولبنان الخاضعين للإرادة الإيرانية عن طريق حزب الله اللبناني الذي أقام قواعد استراتيجية له في سورية، في منطقة القلمون الغربي، وفي منطقة القصير، غربي حمص، وفي ريف القنيطرة.
ورأى كثيرون أن روسيا ربما لا تمانع في ضرب أميركا وإسرائيل للوجود الإيراني في سورية، كونها غضت الطرف عن الغارات الإسرائيلية المتلاحقة على قواعد إيرانية في سورية. كما أعلن كبار المسؤولين الروس، آخرهم ألكسندر لافرنتييف، مبعوث الرئيس فلاديمير بوتين، قبل أيام، أن "على القوات الأجنبية الموجودة في سورية الخروج من البلاد"، وسمى في هذا السياق القوات التركية والإيرانية والأميركية وحزب الله. وكان بوتين قد قال عقب استقباله رئيس النظام السوري بشار الأسد في سوتشي، يوم الخميس، إن "المسلحين الأجانب يجب أن ينسحبوا من سورية بعد انطلاق المرحلة النشيطة للعملية السياسية في هذا البلد". وفي السياق ذاته، اعتبر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن مهمة بلاده في سورية "لم تنته بعد، ووجودها العسكري في أراضي هذه الدولة سيستمر طالما تحتاج إليه القيادة السورية الشرعية".
وكان لافروف، قد ذكر في مقابلة صحافية يوم الجمعة، أن "العسكريين الروس منتشرون في هذه البلاد منذ عام 2015 بدعوة من الحكومة الشرعية، التي توجّهت إلى روسيا بطلب مساعدة لمحاربة الإرهاب، وإحلال الاستقرار للوضع في البلاد وخلق ظروف ملائمة للتسوية السياسية للأزمة الحادة المستمرة". ولمّح إلى أن وجود بلاده في سورية "طويل الأمد"، قائلاً إن "وجودنا في سورية سيستمر طالما تحتاج إليه القيادة السورية الشرعية والشعب السوري الصديق".
كذلك لم يتأخر الرد الإيراني على تصريحات المسؤولين الروس، فقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، في مؤتمر صحافي، الاثنين، إن بلاده ستبقى في سورية "لأن وجودها شرعي وبطلب من النظام"، مضيفاً أن "لا أحد يستطيع إجبارنا على الخروج من سورية". وتدرك إيران أن انتهاء المعارك بين النظام والمعارضة السورية من شأنه تسريع عملية خروجها من سورية، لذا هي تدفع النظام دائماً إلى فتح جبهات جديدة مع فصائل المعارضة التي لا تزال منتشرة في شمال البلاد وجنوبها. كما تتشدد طهران أكثر من سواها من أطراف الصراع على سورية في رفض مساعي الأمم المتحدة في التوصل لحل سياسي وفق قرارات مجلس الأمن الدولي، إذ سيزعزع أي حل مستقبلي نظام بشار الأسد الضامن لوجود إيراني في سورية تتطلع طهران إلى أن يفرضها لاعباً إقليمياً لا يمكن تجاوزه.
ودفعت إيران الأسد في عام 2011 إلى انتهاج سياسة القمع ضد المطالبين بالتغيير. وكشف الجنرال الإيراني حسين همداني، الذي قتل في سورية عام 2016، في وثائق مسربة له حملت عنوان "رسالة إلى الأسماك"، أن "بشار الأسد كان على وشك مغادرة سورية في عام 2013 حين وصل الجيش السوري الحر إلى قلب دمشق"، مشيراً إلى أن "الدعم الإيراني له حال دون ذلك".
واقتنصت إيران فرصة الثورة السورية لوضع يدها على البلاد، والتحكم بالقرار السوري برمته، فوضعت جانباً من ثقلها العسكري والسياسي والاقتصادي لمنع انهيار نظام الأسد، وأدخلت حزب الله إلى أتون الصراع إضافة إلى مليشيات طائفية من أكثر من دولة، عمقت الشرخ الطائفي في سورية لتحويل الثورة إلى حرب أهلية. وتطمح إيران إلى أن تقيم طريقاً برياً يربطها بساحل المتوسط يمر بالعراق وسورية وصولاً إلى بيروت. كما تخطط لوضع يدها على العاصمة السورية دمشق، وأخذ الحصة الأكبر من كعكة الغنائم المتوقع البدء في توزيعها على المتنافسين الإقليميين والدوليين مع اقتراب المعارك في البلاد من نهايتها بعد سنوات كان الحرس الثوري الإيراني رأس حربة فيها.