في هذا السياق، تجري الانتخابات بالنظام المختلط للمرة الأولى منذ سنوات، وسيتم انتخاب 225 نائباً بنظام القائمة النسبية، و225 آخرين بالنظام الفردي. ومن أجل الحصول على المقاعد في البرلمان، يتعين على الأحزاب الحصول على ما لا يقل عن 5 في المائة من أصوات الناخبين، بينما يكفي للمرشحين بالدوائر الفردية الحصول على أغلبية الأصوات. وفي حال حصول أي حزب على 3 في المائة من الأصوات، فإنه لن يدخل البرلمان، ولكنه سيحصل على تمويل من الميزانية الفيدرالية كما حدث مع حزب "يابلوكو" (التفاحة) في الانتخابات السابقة (2011). كما تجري انتخابات مجلس الدوما بتشكيلته السابعة في يوم التصويت الموحد، بالتزامن مع انتخابات المجالس المحلية في 39 إقليماً، بالإضافة إلى انتخابات المحافظين وحكام الجمهوريات في سبعة كيانات إدارية أخرى.
إلى جانب "روسيا الموحدة"، تخوض سباق الانتخابات ثلاثة أحزاب للمعارضة "النظامية" المتمثلة في البرلمان المنتهية ولايته، وهي الحزب الشيوعي بزعامة غينادي زيوغانوف، والحزب الليبرالي الديمقراطي بقيادة فلاديمير جيرينوفسكي، وحزب "روسيا العادلة" الذي يترأسه سيرغي ميرونوف.
وأسفرت انتخابات الدوما في عام 2011 عن حصول "روسيا الموحدة" على 238 من أصل 450 مقعداً، بالإضافة إلى 92 للحزب الشيوعي و64 عن "روسيا العادلة" و56 عن الحزب الليبرالي الديمقراطي. وسبق لزعماء أحزاب المعارضة "النظامية" الثلاثة أن خاضوا سباق الانتخابات الرئاسية في عام 2012 التي أسفرت عن عودة الرئيس فلاديمير بوتين إلى الكرملين، بعد أن شغل منصب رئيس الوزراء لمدة أربعة أعوام.
وكان لكل من جيرينوفسكي وزيوغانوف حضور لافت على الساحة السياسية الروسية في التسعينيات من القرن الماضي، إذ وصل الأخير إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في عام 1996، التي أسفرت عن فوز الرئيس بوريس يلتسين، وطيّ روسيا صفحة الشيوعية من دون رجعة. أما ميرونوف، فسبق له أن شغل منصب رئيس مجلس الاتحاد الروسي خلال الفترة بين عامي 2001 و2011.
وعلاوة على ذلك، تشارك في الاستحقاق مجموعة من أحزاب المعارضة "غير النظامية"، إلا أن فرصها في تجاوز نسبة الـ5 في المائة المطلوبة لدخول البرلمان تُعدّ معدومة، إذ لا تزيد نسبة تأييد كل منها على 1 في المائة، وفقاً لاستطلاعات الرأي.
ومن بين هذه الأحزاب، "يابلوكو" الذي أسسه المرشح الرئاسي السابق غريغوري يافلينسكي، و"بارناس" بزعامة ميخائيل كاسيانوف، رئيس الوزراء الروسي الأسبق والمعارض حالياً، وحزب "روست" (النمو) الذي تضم قائمته إيرينا خاكامادا، إحدى أهم الشخصيات السياسية في روسيا في التسعينيات من القرن الماضي.
ومن المنتظر أن يحصد "بارناس" أصوات أشدّ المعارضين لسياسات النظام الحاكم بشقيها الداخلي والخارجي، إذ وعد زعيمه كاسيانوف برد شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا، فيما قد يصوت معارضون معتدلون لصالح "يابلوكو"، بينما يسعى "روست" للحصول على أصوات المستاءين من تردي الأوضاع الاقتصادية، ولكن داعمين للسياسة الخارجية للكرملين.
ووفقاً لاستطلاع رأي أجراه مركز "ليفادا" أخيراً، فإن "روسيا الموحدة" لا يزال يتقدم على الأحزاب الأخرى بفارق كبير، على الرغم من تراجع نسبة تأييده من 39 في المائة إلى 31 في المائة، ويليه الحزب الشيوعي (10 في المائة) والليبرالي الديمقراطي (9 في المائة) و"روسيا العادلة" الذي ارتفعت نسبة مؤيديه من 3 في المائة إلى 5 في المائة، وهو بذلك يبدو أكبر المستفيدين من تراجع شعبية الحزب الحاكم.
في هذا الإطار، رأى مدير برنامج "السياسة الداخلية الروسية والمؤسسات السياسية" بمركز "كارنيغي" في موسكو، أندريه كوليسنيكوف، أن "تراجع شعبية روسيا الموحدة كبير، ولكنه ليس كارثياً ولا ينهي هيمنته على المنظومة الحزبية".
ولفت في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "يبدو أن التشكيلة النهائية للأحزاب لن تتغير، وستظل في الدوما الأحزاب الأربعة نفسها، وتشكل هذه الكتل في الواقع حزب السلطة بالمفهوم الواسع". وأضاف أنه "يعتبر التصويت لمصلحة الحزب الشيوعي أو الليبرالي الديمقراطي أو روسيا العادلة، بمثابة التصويت لبضعة أطياف مختلفة من النظام السياسي نفسه". وتابع: "باستثناء الأحزاب الليبرالية المستبعد دخولها البرلمان، فإن لجميع الأحزاب نواة جمهورها المشترك، الذي يلتف سياسياً حول بوتين والقرم، واقتصادياً حول فكرة التعاون الاجتماعي وتدخل الدولة في الاقتصاد".
وأشار الخبير السياسي الروسي إلى أن "تراجع شعبية روسيا الموحدة ليس بأمر جديد، شأنه في ذلك شأن جميع مؤسسات الدولة باستثناء الرئيس"، مردفاً: "يعتبر المواطنون أن حزب روسيا الموحدة جزء من السلطة وينتظرون منه أموالاً ومساعدات. وفي ظل عدم حصولهم عليهما، يصوت الناخب لأحزاب السلطة الأخرى التي تحاكي المعارضة".
وحول أسباب استمرار شعبية بوتين التي لم تنخفض إلى ما دون 80 في المائة منذ ضم القرم قبل أكثر من عامين، اعتبر كوليسنيكوف أن "تقييم أداء بوتين لا علاقة له بمؤسسات السلطة الأخرى، إذ إنه أعاد القرم، وتتطابق نسبة تأييده مع نسبة تأييد ضم شبه الجزيرة التي تعتبر من أكثر المؤشرات الاجتماعية استقراراً".
وعلى الرغم التوقعات المؤكدة بالفوز وعدم أداء السلطة التشريعية أي دور حاسم في الحياة السياسية في ظل نظام الحكم الرئاسي في روسيا، إلا أن السلطات الروسية تسعى لإجراء انتخابات بلا فضائح تزوير ومن دون وقوع احتجاجات، على غرار تلك التي خرجت في عامي 2011 و2012. وشهدت روسيا موجة من الاحتجاجات الحاشدة في نهاية عام 2011 والنصف الأول من عام 2012، للمطالبة بإجراء انتخابات برلمانية نزيهة ورفضاً لعودة بوتين إلى الرئاسة.
وعشية انتخابات هذا العام، عمل بوتين على تجديد فريقه من خلال سلسلة من الإقالات بين المحافظين وممثليه الخاصين والمسؤولين الأمنيين، وحتى إنه أقال رئيس ديوانه، سيرغي إيفانوف، الذي كان ينتمي إلى الدائرة الأولى من المقربين، كما يُلاحق عدد من المسؤولين بتهم الفساد.
ومن المنتظر أن تستمر سلسلة الإقالات حتى مرحلة ما بعد الانتخابات، وسط تساؤلات حول مصير حكومة دميتري مدفيديف، بينما نقلت صحيفة "إر بي كا" عن مصادر مقربة من قيادة جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، أنه ستتم إقالة رئيس لجنة التحقيق الروسية، ألكسندر باستريكين، بعد الانتخابات.
وفي حال تأكدت هذه الأنباء، سيكون باستريكين أكبر مسؤول أمني يتم تغييره في إطار الدورة السياسية لانتخابات الدوما هذا العام والرئاسة في عام 2018. وأوضحت "إر بي كا" أن "قرار إقالة باستريكين قد اتُخذ بعد اعتقال بضعة موظفين بلجنة التحقيق في يوليو/تموز الماضي واتهامهم بحصولهم على رشوة كبيرة من رجل أعمال على صلة بأوساط إجرامية".
وفي مارس/آذار الماضي، تم انتخاب مفوضة حقوق الإنسان، إيلا بامفيلوفا، رئيسة للجنة الانتخابات المركزية، وأكد الكرملين منحها "تفويضاً غير محدود" لضمان شفافية الانتخابات، بما في ذلك اتخاذ "قرارات حازمة". وأكدت بامفيلوفا عزمها الحصول على اعتراف المجتمع بالانتخابات ونيتها الاستقالة في حال فشلها.
وبذلك تبدو السلطات الروسية حتى الآن ناجحة في تجديد شرعية النظام السياسي، القائم من خلال إثباتها أن الانتخابات تجري على ما يرام ومن دون احتجاجات حاشدة أو فضائح، وبمشاركة عدد كبير من الأحزاب ومع الالتزام بالدستور. وفي هذه الحالة ستتمكن السلطات من إعادة إنتاج البرلمان المكون من أربعة أحزاب والإبقاء على سيطرتها عليه، لتستمر فاعلية هذه المنظومة حتى انتخابات عام 2018 التي يحق لبوتين الترشح فيها لولاية رابعة مدتها ست سنوات.
يذكر أن انتخابات اليوم تجري بمشاركة 14 حزباً مقابل سبعة أحزاب فقط في انتخابات 2011، كما تم خفض النسبة المطلوبة لدخول البرلمان من 7 في المائة إلى 5 في المائة، مما يزيد ظاهرياً من المنافسة السياسية دون تغيير الوضع على الأرض.