انتخابات أردنية تزيد سخونة الصيف
يستعد الأردن لإجراء انتخابات نيابية في موعدها (العاشر من نوفمبر/ تشرين الثاني)، وهو استحقاق دستوري للمجلس التاسع عشر، يكشف التمسك والوفاء به عن ثقةٍ في النفس، وعن طمأنينة إزاء الجهوزية اللوجستية، وقد راجت بعض الوقت تقديراتٌ أن الانتخابات قد تؤجّل، نظراً إلى الظروف العامة (سبق أن أجلت في تاريخ المملكة أربع مرات)، إلى أن حسم الملك عبدالله الثاني الأمر، وأعلن أن الانتخابات سوف تتم.
يصعب تلمس أصداء هذا القرار، إذ إن الاهتمام بهذه المناسبات في الظروف العادية يتفاوت من منطقةٍ إلى أخرى، فالمدن الصغيرة والمتوسطة تكون عادة أشد اهتماما بهذا الاستحقاق مما هو عليه الحال في المدن الكبيرة. وفي السنوات العشر الماضية، أخذ الاهتمام بهذا الاستحقاق يتبدّى بوضوح أكبر بين شرائح رجال الأعمال وممثلي الجمعيات وجماعات المجتمع المدني، عما هو عليه بين الأحزاب التي لا يعرف غالبية المواطنين غالبية أسمائها. على أن ثمة أمورا تشُدّ اهتمام أوسع شرائح المجتمع. وفي مقدمها آثار جائحة كورونا على الوضع الاقتصادي والمستوى الممعيشي. هذا على الرغم من أن الأردن يعتبر من أقل دول العالم تضرّرا من ناحية صحية بالوباء. غير أنه لكون الوباء يعرف انتشارا في سائر الدول، بما في ذلك الجوار، فقد توقفت قطاعات اقتصادية عن العمل فترة امتدت حتى 5 يونيو/ حزيران الماضي، فيما حركة الطيران المدني متوقفة بانتظار عودتها أغسطس/ آب الجاري. وقد تأثرت تحويلات الأردنيين المغتربين، فيما تستعد نسبة غير هينة من هؤلاء للعودة. وقد ارتفعت نسبة البطالة كما في سائر الدول. وتأثرت رواتب الموظفين في القطاع العام، وإن بنسبة طفيفة، ولكن هؤلاء، وهم قوام الطبقة الوسطى، يبدون على درجة من الحساسية إزاء مداخيلهم التي لا يرونها عالية. وهكذا، وبحكم ترابط الاقتصادات وتبادل التأثيرات بين الدول، يتأثر الأردن مثلا بانخفاض أسعار النفط والغاز، مع وجود زهاء مليون مغترب في دول الخليج.
مناسبة الانتخابات سوف تثير حيوية سياسية و"إعلامية" واجتماعية، بعد فترة من الركود فرضتها ظروف الجائحة
وتمتد آثار الجائحة وانعكاساتها على الأجواء المتوقعة للحملات الانتخابية، إذ تحظر أوامر الدفاع تجمع أكثر من 20 شخصا، وقد جرت العادة على إقامة تجمعاتٍ تتخللها ولائم أحيانا، ولئن كانت الحملات تجري أساسا في زمننا على منصات التواصل والوسائل الرقمية، فإن من المنتظر أن تشهد هذه الوسائط ما يشبه سوق عكاظ، أو هايد بارك افتراضيا شاسعا وهائلا ومضطرما، ما يصعب تمييز الرأي العام وتدقيقه فيها، ناهيك عن السلطات. وهي المرة الأولى التي تجري فيها انتخابات في مثل هذه الظروف التي تفرض، بطبيعتها التقييدات، وخصوصا التباعد، وهو ما يتعاكس مع الأجواء المعهودة للحملات الانتخابية التي تتسم بالتقارب.
ومن المتوقع، على الرغم من شيوع هذه الأجواء أن لا تخلو الحملات من سخونة، وبعضها يتم تمهيدياً بصورة غير رسمية في التجمعات والحلقات والملتقيات، في الأشهر المتبقية من فصل الصيف الذي جاء أسخن من المعتاد، فأزمة نقابة المعلمين الموقوفة التي تضم 140 ألف عضو تثير الاهتمام (أمر النائب العام بحظر النشر عنها). وثمّة حساسية متزايدة من الحراكات، خلافا لما كان عليه الوضع في العامين الأخيرين، وخلافا لما أشاعته حكومة عمر الرزاز من أجواء مطمئنة. وإذا كان الظرف العام الاقتصادي، والوبائي على الرغم من انضباطه، يتطلب حقا التحلي بروحٍ أكبر من المسؤولية لدى الجميع، وتفادي الانزلاق لأيٍّ من أشكال التسيب أو التعطيل، خصوصا أن المجتمع يضم شرائح متضرّرة من تداعيات الجائحة بأكبر من الضرر الذي لحق بموظفي القطاع العام، إلا أن التوازن، في جميع الأحوال، يظل مطلوبا من جميع الأطراف في هذه المرحلة الحساسة، والتي قد يصح وصفها بالانتقالية ما بين ظروف الوباء وتداعياته، والتطلع إلى التعافي منه على مختلف الصُّعد.. فكما أن هناك توازنا يؤخد في الاعتبار بين مقتضيات تنشيط الاقتصاد وتقييدات الوباء، كذلك فإن هذا التوازن مطلوبٌ بين مقتضيات الأمن الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والحرص على التزامات حرية التعبير والحريات العامة.
ثمّة حساسية متزايدة من الحراكات، خلافا لما كان عليه الوضع في العامين الأخيرين
ومما يسخّن الأجواء خارج النطاق الداخلي المحض ما تبثه وسائل الإعلام الإسرائيلية عن مساعٍ تقوم بها جهات إسرائيلية نافذة للسير في إجراءات ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية المحتلة، ولكن مع محاولة التفاهم مع أطراف عربية، وبما لا يمسّ الاتفاقيات المبرمة. وإذ يلقى الموقف الأردني الرسمي تقديرا داخلياً عاليا، خصوصا أن الأردن كان في طليعة الدول العربية التي أعلنت الرفض الحازم لإجراءات الضم، وقبل ذلك رفض صفقة ترامب ـ نتنياهو، إلا أن الرأي العام يتوجس من ألاعيب إسرائيلية لتمرير الضم على دفعات، وبقدرٍ من التباعد الزمني. وأن يتم وضع الجميع، وأولهم أصحاب الشأن الفلسطينيون، تحت سطوة الأمر الواقع. ومن هنا، ترتفع أصواتٌ، بعضها من رجالات دولة سابقين، أن يوضع مجمل العلاقات الإسرائيلية الأردنية على المحك، ومنها المشاريع ذات الغلاف الاستثماري التي نصت عليها الصفقة، وتحت أنظار الإسرائيليين في حال استمرار بنيامين نتنياهو، والمتحالفين معه، في هستيريا اللصوصية، بالاستيلاء على الأرض الفلسطينية، بما فيها القدس ومقدساتها، وغور الأردن (المقصود الجهة الفلسطينية من الغور غربي نهر الأردن)، وتقويض التوجهات السلمية بصورةٍ نهائيةٍ مع ما في ذلك من انعكاساتٍ سياسية وديمغرافية على الأردن. إذ يبدو هذا الضم، علاوة على مناقضته كل المواثيق والقوانين والقرارات الدولية، على هيئة زحفٍ متسارع يتخذ شكل التمدّد العسكري والاستيطاني على الحدود المتاخمة للأراضي الأردنية، وهو ما يثير محاذير جمّة وجدّية، وخصوصا في حقبةٍ يستولي فيها، وإلى إشعار آخر، اليمين المتطرّف على المشهد السياسي والاجتماعي في الدولة العبرية.
لا شيء يعيب الالتزام باستحقاق دستوري، بل على العكس، فإن التقيد والمضي به دليل سلامة وعافية
لا شيء يعيب الالتزام باستحقاق دستوري، بل على العكس، فإن التقيد والمضي به دليل سلامة وعافية. وقد جاء الإعلان عنه وسط انشغال الناس بهمومهم، وما يستشعرونه، مثل شعوب أخرى، من غموض حول المستقبل في ظروف الجائحة وتداعياتها السلبية المستمرة. وقد أدّى هذا الانشغال إلى سريان انطباعات عامة بعدم توقع إجراء الانتخابات في موعدها، وتشهد على ذلك ضآلة المناقشات حول قانون الانتخاب، والذي يجمع بين الصوت الواحد والقائمة من غير أن يصنع فرقا كبيرا عن القانون السابق، غير أن المناسبة سوف تثير، في جميع الأحوال، حيوية سياسية و"إعلامية" واجتماعية، بعد فترة من الركود فرضتها ظروف الجائحة، ومعها ما يغري المراقب والمعني بالتعرّف على موازين القوى الاجتماعية في آخر أطوراها وتحولاتها، وكما سوف تتكشف خلال إجراءات الترشح والحملات الانتخابية، كما في نتائج الصناديق.