اليمين ينتصر في كولومبيا: رسالة رفض لـ"فارك" واتفاق السلام

13 مارس 2018
حقّق اليمين تقدماً كبيراً في بوغوتا (لويس روبايو/فرانس برس)
+ الخط -
حسمت كولومبيا أمرها، يوم الأحد الماضي، في انتخاباتها التشريعية، برفض نسبي لاتفاق السلام الموقّع مع حركة "القوات المسلحة الثورية الكولومبية" (فارك) عام 2016، خصوصاً بعد نيل الأخيرة نسبة أصوات متدنية للغاية، في ظلّ تقدمّ كبير، لكن غير ساحق، لليمين المتطرف، بفعل تقدّم اليسار في مواقع عدة. ومن شأن وصول حكومة يمينية إلى السلطة أن يدفع باتجاه إعادة النظر بالاتفاق، من دون إطاحته عملياً. على اعتبار أن الاتفاق مغطّى دولياً، واليمين يعلم ذلك، لكنه ينوي التشديد في ملفات محددة، كمحاكمة عددٍ من مجرمي الحرب، ورفض العفو عنهم. ومن شأن ذلك أن يشرّع الأبواب أمام نقاش حامٍ في كولومبيا، على أن المصير النهائي للاتفاق ينتظر الانتخابات الرئاسية المقررة في مايو/ أيار المقبل، والتي يبدو فيها اليمين أمام فرصة للإطباق مجدداً على السلطة.

شاركت "فارك" للمرة الأولى في تاريخها في الانتخابات الكولومبية، تحت اسم "القوة البديلة الثورية المشتركة" (فارك أيضاً)، وبدّلت الحركة شعارها من بندقيتين متقاطعتين إلى زهرة حمراء. ولم تمنح استطلاعات الخروج من مراكز الاقتراع "فارك" حظوظاً كبيرة لحصد أكثر من عشرة مقاعد بعد حملة انتخابية كارثية واجه خلالها متمردوها السابقون، والذين تحولوا إلى سياسيين، موجة رفض شعبي واشمئزاز على خلفية الجرائم المتركبة خلال النزاع. وبالفعل جاءت نتائج الانتخابات لتظهر أن الحركة حصلت على 0.35 في المائة فقط من نسبة الاقتراع في مجلس الشيوخ و0.22 في المائة في مجلس النواب. وقال محللون إن "الحزب سيركز الآن على تشكيل قاعدة شعبية مؤيدة له للانتخابات المقبلة". وأظهر ذلك مدى رفض الجمهور الكولومبي عموماً للانخراط في الحياة السياسية. ولخّصت ماريا مالدونادو، المتقاعدة البالغة من العمر 65 عاماً، لدى اقتراعها في بوغوتا، الأمر بقولها إنها "لا تنوي المسامحة أو النسيان"، مضيفة أنه "لدي الكثير من الذكريات. كل الرفاق قُتلوا ودُفنوا من دون أن يحصل أي شيء. والآن سنسمح لهؤلاء بإدارة شؤوننا على الرغم من المآسي الكثيرة التي تسببوا لنا بها؟".



بهذا النوع من التفكير تصدّر تحالف "المركز الديمقراطي" اليميني بزعامة الرئيس السابق ألفارو أوريبي، المعارض الشرس لاتفاق السلام، النتائج مع 19 مقعداً في مجلس الشيوخ و33 في مجلس النواب، لكن نتائج الأحزاب الوسطية واليسارية كانت بدورها جيدة وحرمت اليمين من الحصول على غالبية. وقال خبير النزاعات المسلحة وعملية السلام في جامعة "إكسترنادو"، فريديريك ماسيه، إنه "ليس هناك تغييرات كبيرة بل تعديلات".

وأثار فوز المتشددين الهواجس حول مستقبل اتفاق السلام الذي وقعه الرئيس خوان مانويل سانتوس في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016. وقال سانتوس إن "الانتخابات كانت الأكثر أماناً والأكثر شفافية في تاريخ البلاد المعاصر"، معززاً بتخلي "فارك" عن التمرد المسلح وتحولها إلى حزب سياسي، والتزام حركة التمرد الأخرى "الجيش الوطني للتحرير" وقفاً لإطلاق النار من جانب واحد في هذه المناسبة.

ونصّ اتفاق السلام على أن تشغل "فارك" عشرة مقاعد في الكونغرس المقبل المؤلف من 280 مقعداً: خمسة في مجلس الشيوخ وخمسة في مجلس النواب. وقال بابلو كاتاتومبو، القيادي السابق في "فارك"، والذي ضَمنَ الفوز بمقعد في مجلس الشيوخ: "أنا أقترع للمرة الأولى في حياتي، وأنا أفعل ذلك من أجل السلام".

كما نصّ الاتفاق على نزع "فارك" السلاح من سبعة آلاف مقاتل من أجل الانخراط في الحياة السياسية، وإقرارها بارتكاب جرائم خلال الحرب ودفع التعويضات للضحايا. ويثير ذلك غضب الكثير من الكولومبيين، خصوصاً التيار اليميني، الذي تعهد بالفوز بالانتخابات الرئاسية وتعديل اتفاق السلام.



لكن قسماً كبيراً من الاتفاق تم تطبيقه بما في ذلك نزع سلاح المتمردين وتسريحهم. وقال محللون إن "وصول حكومة يمينية متشددة من شأنه وقف تطبيق ما تبقى من الاتفاق، بما في ذلك الإصلاح الزراعي والتسويات القضائية الخاصة التي تسمح للمتمردين التائبين بتفادي الدخول إلى السجن عبر دفع تعويضات". ورأى أحد الخبراء أن "مجرد عدم تطبيق ما تم توقيعه كاف ليكون هذا الاتفاق من دون تأثير، فعدم التوقيع سيكون استراتيجية أخبث من إعادة التفاوض على الاتفاق".

وسمحت النتائج الأخيرة لليمين بالتحضير القوي للانتخابات الرئاسية المقررة في مايو/ أيار المقبل، بعد اختيار الناخبين لمرشحي التيارين اليميني واليساري لهذه الانتخابات بموازاة الانتخابات التشريعية. ففاز عن اليمين السناتور إيفان دوكوي من حزب أوريبي بحصوله على أكثر من 2.7 ملايين صوت، أي نسبة 67 في المائة من المقترعين، وبالتالي سيقود المعارضة المتشددة لاتفاق السلام. في المقابل، فاز غوستافو بترو، الرئيس السابق لبلدية بوغوتا، والذي يطمح إلى أن يصبح أول رئيس يساري في كولومبيا التي يحكمها المحافظون تقليدياً، بحصوله على نحو مليوني صوت، أي ما نسبته 58 في المائة من المقترعين. وكانت الاستطلاعات توقعت فوز المحافظين المتشددين كأوريبي الذي يريد إلغاء اتفاق السلام في الانتخابات التشريعية، ليفوز بعدها أيضاً بالانتخابات الرئاسية.

ويغادر سانتوس الذي وقّع الاتفاق مع "فارك" في عام 2016 الرئاسة في أغسطس/ آب المقبل، بعد ولايتين رئاسيتين. وتجرى الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية في 27 مايو المقبل والثانية في 17 يونيو/ حزيران المقبل.

يذكر أن المرشحين غضبوا عندما نفدت بطاقات الاقتراع للانتخابات التمهيدية لأسباب متعلقة بالميزانية، وقد أعلنت النيابة أنها "ستفتح تحقيقاً بما حصل". وقال خوان كارلوس غاليندو، وهو أحد القيمين على العملية الانتخابية للصحافيين: "بسبب مشاكل مالية لم تطبع البطاقات كلها". وأضاف أنه "تمت طباعة 15 مليون بطاقة لـ36 مليون ناخب، وتمّت الموافقة على استخدام البطاقات المصوّرة في مراكز الاقتراع التي نفدت فيها البطاقات". من جهته، قال وزير المالية ماوريسيو كارديناس، الذي تدير وزارته ميزانية الانتخابات، إنه "تمت طباعة البطاقات استناداً إلى سجلات الناخبين في كولومبيا، كون نسبة الامتناع عن التصويت تبلغ عادة نحو 60 في المائة".
(العربي الجديد، فرانس برس)



دلالات