ووفقاً لمجمل الأحداث التي راجعها "العربي الجديد"، على مدى عام 2018، فقد كان الحدث الأبرز خلال يناير/كانون الثاني، هو التصعيد العسكري لقوات ما يُعرف بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، المدعوم من الإمارات والذي يطالب بالانفصال، في عدن، للمطالبة بإسقاط الحكومة الشرعية، التي كانت خلافاتها مع أبوظبي قد بدأت بالخروج إلى العلن.
وبدأ التصعيد بمهلة أعلنها اجتماع للقيادات العسكرية الانفصالية، تحت ما يسمى اجتماع "المقاومة الجنوبية"، للرئيس عبدربه منصور هادي لإقالة حكومة أحمد عبيد بن دغر، ثم ما لبثت الأزمة أن تطورت إلى مواجهات بين القوات الموالية لـ"الانتقالي" وبين قوات الحرس الرئاسي، وحاولت الأولى إسقاط عدن عسكرياً، غير أن الاشتباكات توقفت بتدخّل وساطة سعودية، بعد اقتراب الانفصاليين من مقر إقامة رئيس الحكومة في قصر المعاشيق، وقتل العشرات خلال المواجهات.
تصاعد أزمة الشرعية - الإمارات
لم تكن أحداث يناير في عدن، سوى حلقة من خلافات الحكومة الشرعية مع الإمارات التي تتولى واجهة نفوذ التحالف في المناطق الجنوبية لليمن، وأنشأت قوات عسكرية وأمنية موالية لها، أبرزها الحزام الأمني في عدن ومحيطها. وخلال الأزمة في المدينة، قال رئيس الوزراء السابق بن دغر، إن الإمارات هي صاحبت القرار الأول في عدن، في تلميح إلى مسؤوليتها عن الأعمال التي شهدتها المدينة.
أزمة سقطرى
في النصف الأول من عام 2018، انتقلت أزمة الشرعية - الإمارات من التسريبات إلى التصريحات الرسمية، إذ اتهم وزير النقل، صالح الجبواني، أبوظبي، في مارس/آذار2018، بالعمل على تقويض الحكومة الشرعية، ودعم إنشاء جيوش مناطقية وقبلية خارجة عن الحكومة. كما أطلق وزير الداخلية، أحمد الميسري، تصريحات صحافية، تتهم أبوظبي بالمسؤولية عن عدم عودة الرئيس إلى بلاده، وبقائه في العاصمة السعودية الرياض، منذ سنوات.
ووصلت الأزمة ذروتها، في جزيرة سقطرى الاستراتيجية اليمنية، أواخر إبريل/نيسان ومطلع مايو/أيار، حيث قامت الإمارات بإرسال قوات عسكرية لاحتلال ميناء ومطار المدينة، أثناء تواجد رئيس الحكومة على رأس وفد ضم العديد من الوزراء. وعلى إثر التحرك العسكري الإماراتي المستفز، أعلنت الحكومة رسمياً، رفضها هذه التحركات، وقدمت شكوى رسمية إلى مجلس الأمن الدولي، ترفض التصرف الإماراتي غير المبرر، في محافظة يمنية أبعد ما تكون عن الحرب.
وعلى إثر أزمة سقطرى والفضيحة التي وقع فيها الجانب الإماراتي، شرعت أبوظبي، اعتباراً من أواخر مايو، في سياسة جديدة، حاولت خلالها تخفيف أزمتها مع الشرعية، ووجهت دعوة إلى وزير الداخلية اليمني أحمد الميسري لزيارة أبوظبي. وفي وقتٍ لاحق، تمت دعوة الرئيس هادي بزيارة رسمية إلى العاصمة الإماراتية، حيث التقى ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، بعد أن كانت الأزمة بينهما وصلت حدوداً غير مسبوقة.
تعيين مارتن غريفيث
التطور السياسي الأهم في الأشهر الأولى من عام 2018، كان إعلان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، تعيين البريطاني مارتن غريفيث، مبعوثاً إلى اليمن، خلفاً للموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد، في فبراير/شباط 2018. وفي الشهر الذي تلاه دشن غريفيث مهامه رسمياً بجولات مكوكية بين صنعاء والرياض وعواصم أخرى في المنطقة، وعُرف بتمتعه بدعم دولي قوي، مكنه من فرض التهدئة على حساب التصعيد العسكري أكثر من مرة، خصوصاً في مدينة الحديدة، وصولاً إلى المشاورات التي رعاها في ديسمبر/كانون الأول الجاري.
مقتل الصماد ومعركة الحديدة
تمثّل العملية العسكرية للقوات الحكومية والمدعومة من أبوظبي صوب مدينة الحديدة، التطور المحوري الأهم، في عام 2018، واستبق بحدث غير مسبوق في تاريخ الحرب في البلاد، تمثل في مقتل رئيس ما يُسمى بـ"المجلس السياسي الأعلى"، للحوثيين، صالح الصماد، والذي كان بمثابة "الرئيس" في سلطة "الأمر الواقع" الحوثية في صنعاء، وقتل في غارة جوية أثناء تواجده في الحديدة، في الـ19 من إبريل/نيسان، كأرفع قيادي حوثي يقتل في اليمن منذ تصاعد الحرب قبل سنوات.
في غضون ذلك، مثّل التصعيد باتجاه الحديدة، الحدث المحوري منذ يونيو/حزيران الماضي، إذ تمكنت القوات الحكومية والمدعومة من التحالف بواجهته الإماراتية، من التقدم من الأجزاء الجنوبية للساحل الغربي صوب مديريات جديدة في الحديدة، وصولاً إلى أطراف المدينة، حيث يقع المطار، وحتى المدخل الشرقي للمدينة، الطريق الرئيسي بين الحديدة وصنعاء. وتدخلت جهود دولية أكثر من مرة، لفرض التهدئة ووقف العمليات العسكرية، مع التهديد الذي شكلته معارك الحديدة على خطوط الإمدادات بالمواد الغذائية والمساعدات الإنسانية الواصلة عبر ميناء الحديدة.
إقالة بن دغر وتعيين معين عبد الملك
من أبرز التطورات السياسية التي شهدها اليمن، في عام 2018، إقالة الرئيس اليمني هادي لرئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر، بقرار تعمّد الإدانة وأعلن إحالته إلى "التحقيق"، منتصف أكتوبر/تشرين الأول، لينهي مشواره الذي بدأ في إبريل 2016، وعُين معين عبد الملك خلفاً له، وجاءت الإقالة بعد الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد على نحو غير مسبوق، نتيجة انهيار أسعار العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، وما رافقها من احتجاجات في المدن الجنوبية على نحو خاص، رفعت شعارات ضد التحالف السعودي الإماراتي، وطالبت برحيله، في وقتٍ شهدت فيه أسعار العملة، تحسناً نسبياً في وقتٍ لاحق، في ظل حكومة عبد الملك، الذي أظهر علاقة جيدة مع التحالف خلافاً لسلفه.
استئناف المشاورات والقرار 2451
في مقدمة التحولات المحورية التي شهدها اليمن في عام 2018، استئناف مشاورات السلام للمرة الأولى منذ اختتام محادثات الكويت، في أغسطس/آب. وفي السياق، نجح المبعوث الدولي في التحضير لجولة مشاورات جنيف (3)، في السادس من سبتمبر/أيلول الماضي، وفشلت في الانعقاد قبل أن تبدأ، بسبب تعذّر حضور وفد الحوثيين. وواصل غريفيث جهوده، مشمولاً بدعم غير مسبوق من المجتمع الدولي، بما في ذلك بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، ليتمكن من جلب الأطراف إلى المشاركة في مشاورات السويد التي انعقدت من السادس وحتى الثالث عشر من الشهر الجاري، بمشاركة وفدي الحكومة والحوثيين، وخرجت باتفاقات أبرزها اتفاق الحديدة، الذي توقفت بموجبه العمليات العسكرية، ونشرت الأمم المتحدة مراقبين تابعين لها. كما اتفق الطرفان على آلية لتبادل شامل للأسرى والمعتقلين من الطرفين، على أن تُستأنف المفاوضات في يناير/كانون الثاني القادم.
تكللت الجهود السياسية، بصدور قرار دولي وهو القرار 2451، الذي قدمته بريطانيا إلى مجلس الأمن الدولي، وأقر اتفاقات السويد، وشدد على تنفيذ مضامينها، مع التركيز في قضية الحديدة، التي كان تشكيل لجنة إعادة الانتشار من الطرفين وبرئاسة الأمم المتحدة ممثلة في الجنرال الهولندي باتريك كاميرت، أبرزها مقتضياتها. ويتواجد الأخير حالياً في المدينة للإشراف على مختلف الترتيبات المحددة باتفاق استوكهولم، وتلزم الطرفين بسحب القوات العسكرية خارج مدينة الحديدة وموانئها (الحديدة، الصليف، رأس عيسى)، في مقابل منح الأمم المتحدة دوراً في إدارة الميناء.
الجدير بالذكر، أن وقف معركة الحديدة، بما تمثله من أهمية مصيرية بالنسبة للطرفين، فضلاً عن التأثيرات المتعلقة بخطوط الإمداد، يمثّل تحولاً محورياً يضع البلاد أمام معطيات جديدة، تقدم فيها المسار السياسي على حساب العسكري. غير أن تعقيدات الأزمة اليمنية، اقتصادياً وإنسانياً وسياسياً وعلى مختلف الصعد، وصولاً إلى ما يرتبط بها من تدخلات إقليمية، تجعل الوضع مفتوحاً على كافة الاحتمالات القابلة للمفاجآت، بما فيها تحقيق المزيد من التقدم السياسي أو عودة التصعيد.