دخلت عملية البصرة الأمنية التي أطلقتها بغداد لفرض الأمن بالمحافظة الجنوبية العراقية المطلّة على مياه الخليج العربي، أسبوعها الثاني، محققة إنجازات كبيرة على مستوى تفكيك شبكات الجريمة المنظمة وضرب عصابات تهريب المخدرات وسرقة النفط الخام وتهريبه، وسط ترحيب كبير من قبل أهالي البصرة بالعملية، التي دفعت بها الحكومة أكثر من 20 ألف عنصر أمني بهدف تثبيت الاستقرار والقضاء على الجريمة المنظمة، بناءً على مناشدة من حكومة البصرة المحلية لرئيس الوزراء حيدر العبادي.
ووفقا لمسؤولين عراقيين محليين في البصرة فإن "الحملة الأمنية تحقق نجاحاً كبيراً حتى الآن، ونجحت في إنجاز نحو 20 في المائة من أهدافها، وما زالت متواصلة مع انخفاض في معدل الجرائم وتوقف النزاعات القبلية بشكل كامل منذ بدء العملية".
وتكاثرت المشاكل في مدينة البصرة، ذات الثلاثة ملايين نسمة، بفعل تفشي الفقر وتردّي الخدمات والنزاعات العشائرية بين القبائل المتعددة هناك، التي استخدمت فيها الأسلحة المتوسطة والثقيلة. كما برزت مشكلة جديدة متمثلة بلجوء آلاف المطلوبين للقضاء العراقي من مناطق وبلدات مجاورة إليها.
في هذا السياق، أكدت مصادر مسؤولة في الحكومة المحلية للبصرة: "وجود أكثر من سبعة آلاف وافد مطلوب للقضاء العراقي متواجد في البصرة، في حين تجاهلت الحكومة العراقية التعاطي مع ملف الوافدين على اعتبارهم أصواتاً انتخابية". والبصرة هي رئة العراق الاقتصادية، بسبعة منافذ حدودية و80 في المائة من اقتصاد العراق قائم عليها، بفعل وجود أكثر من ثلث احتياطي النفط العراقي فيها.
وقال ضابط في شرطة البصرة، لـ"العربي الجديد"، إن "الآلاف من المطلوبين للقضاء من أبناء محافظات النجف وكربلاء وذي قار والمناطق القريبة من البصرة، عليهم أحكام قضائية بتهم جنائية بعضها يتعلق بالقتل والسرقة والسطو المسلح والاتجار بالمخدرات وغيرها من الجرائم، ويلجؤون إلى المدينة للتخفي في أحيائها الواسعة". وأضاف أن "هذا الأمر يسبّب قلقاً لدى الأجهزة الامنية والأهالي"، منوّهاً إلى أنه "لا توجد احصائية دقيقة عن أعداد الوافدين المطلوبين للعدالة، لكن يمكن التأكيد أنهم أكثر من سبعة آلاف". ولفت إلى أن "القوات الأمنية مستمرة بتعقبهم لغرض الإمساك بهم".
وأشار الضابط إلى أن "القوات العسكرية المحلية تمكنت خلال الأيام الماضية من إلقاء القبض على 50 مطلوباً منهم، خلال الحملة العسكرية والأمنية المستمرة منذ أسبوع بأمر من بغداد. وأثناء التحقيق معهم تم اكتشاف تفاصيل جديدة ومعلومات تتعلق بجرائم ارهاب، وبعضهم الآخر متعاون مع عصابات منظمة". وتابع أن "غالبية الهاربين من مناطقهم واللاجئين إلى البصرة، يسكنون في مناطق مفتوحة وأقضية ونواح كبيرة قياساً بغيرها، كيلا يتم رصدهم بشكل واضح، لذلك فإن أغلبهم منتشرون في منطقتي الزبير وأبو الخصيب".
مع الإشارة إلى أن إدارة البصرة، كانت قد أعلنت في سبتمبر/ أيلول الماضي، عن اعتمادها نظام الكفيل للوافدين إليها من بقية المحافظات، فلا يمكن لمن هو خارج المدينة الدخول إليها الا بضمانة أحد البصريين. لكن مصادر محلية أفادت لـ"العربي الجديد"، بأن "نظام الكفيل لم يُفعّل، وليس له وجود، إلا في الإعلام". كما أكد المجلس المحلي في البصرة، وجود أكثر من 47 ألف وحدة سكنية متعدية على أملاك الدولة، ومن ضمنها نسبة 20 في المائة من الهاربين من مشاكل أمنية وقضائية في محافظاتهم.
وقال عضو المجلس نشأت المنصوري، لـ"العربي الجديد"، إن "الهجرة غير المنظمة إلى المدينة انعكست سلباً على المستوى الأمني والاقتصادي، بسبب وفود نسبة كبيرة من الهاربين بعد تنفيذ جرائم في مناطق معينة والاستقرار والتخفي بالبصرة"، مبيناً أن "المدينة تعد مصدرا يجذب الكثيرين، فهي تتمتع بوجود فرص عمل كثيرة، وبالإضافة للشركات الأهلية العاملة بالنفط والتجارة البحرية والنقل، هناك دائماً حاجة إلى عمال إضافيين".
وأضاف أن "الهاربين يسكنون حالياً في الأحياء الجديدة، التي ظهرت بعد 2003"، مشيراً إلى أن "الحكومة العراقية لا تتعامل بجدية مع هذا الملف الخطير، لأنها تخشى على مصالحها، فهي تعتبر هؤلاء المخالفين والمتجاوزين والمطلوبين للعدالة أصواتاً انتخابية، تستفيد منهم خلال الفترة المقبلة".
وكشف المجلس المحلي عن "صعوبة السيطرة على سلاح العشائر وعدم قدرة أي قوة عسكرية للسيطرة عليه، لوجود عناصر أمنية ذات ميول قبلية تُخبر رؤساء وشيوخ العشائر بأن القوات الأمنية ذاهبة إلى نزع سلاحهم بالقوة مما يؤدي إلى قيامهم بإخفائه".
من جانبه، أكد النائب في البرلمان عن لجنة الأمن والدفاع محمد الكربولي، أن "الكثير من العشائر الجنوبية والأسر التي تعتمد الأعراف والنُظم القبلية في تسيير أمورها، تعمل بمصطلح (الجلوة) والذي يعني إجلاء المنتمي لها، إذا أخطأ في المدينة أو ارتكب جريمة، بل وحتى إذا صدر أمر قضائي بحقه، ليتم تهريبه إلى منطقة أخرى منعا لاعتقاله".
وقال الكربولي في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "الخوف والاحتكام للأعراف القبلية في جنوب العراق أكثر من القانون، هو أمر مرعب، ويفضي لنتائج وخيمة على المجتمع الجنوبي"، مشيراً إلى أن "القوات الأمنية أحياناً لا تستطيع اعتقال العديد من المطلوبين بسبب نفوذ وقوة العشائر". ولفت إلى أن "هجرة المطلوبين إلى البصرة هي للابتعاد عن القوات الأمنية، لكن هذا الأمر لن ينقذهم من الخلاص من قوة القانون، فالقوات العراقية تستطيع إلقاء القبض على المطلوبين حتى وان كانوا في مناطق غير مناطقهم".