13 نوفمبر 2024
الهند نحو أكبر فاشية في العالم
أقرّ البرلمان الهندي، بداية شهر ديسمبر/ كانون الأول الحالي، تعديلاً جديداً لقانون الجنسية، يتيح للاجئين الفارّين من الحروب والاضطهاد والأزمات في أفغانستان وبنغلاديش وباكستان، الحق في الحصول على الجنسية الهندية، لكنه يستثني المسلمين، ما أدّى إلى اندلاع احتجاجاتٍ داميةٍ وحملة قمع وحشية ضد كل من اعترض على القانون. وعكست موجة القمع التي شهدتها البلاد تنامي التعصّب الموجه نحو الأقليات، وخصوصا السكان المسلمين الذين يشكلون حوالي 14% من سكان البلاد البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة.
وعلى الرغم من محاولات رئيس الوزراء الهندي، ناريندار مودي، طمأنة المتظاهرين، إلا أن المظاهرات التي تخرج في أكثر من مدينة في الهند تطالب بإلغاء هذا القانون بشكل كامل، ليس فقط لأنه عنصري، ويغذّي صراع القوميات المتعدّدة التي تتكون منها الهند، ولكن أيضاً لأنه يدفع إلى التشكيك في القيم التي قامت عليها الهند التي توصف بأنها "أكبر ديمقراطية في العالم". أما الأقلية المسلمة الكبيرة فترى أن القانون الجديد يستهدفها مباشرة، ويزيد من تهميشها، ويؤجّج موجة التعصب الموجهة نحو الأقليات، في بلدٍ يمنح مزيدا من الحقوق للأغلبية الهندوسية، ويفسح المجال واسعا لمزيد من التمييز والاضطهاد ضد الأقليات الأخرى، وخصوصا المسلمة منها.
يحمل القانون الجديد بصمة رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، وحزبه بهارتيا جاناتا، المعروف بتعصّبه للقومية الهندوسية، وبمواقفه المعادية للمسلمين، منذ كان حاكما لولاية غوجارات بداية الألفية الحالية، وشهدت اضطراباتٍ قتل فيها أكثر من ألف شخص، أغلبهم من المسلمين فيما باتت تعرف بـ "مذبحة غوجارات"، ومع ذلك رفض تقديم أي اعتذار عما جرى أو عن التصريحات العنصرية التي صدرت عنه، وشبّه فيها المسلمين الذين سقطوا جرّاء أعمال عنفٍ
قام بها هندوس عام 2013 بالجراء التي تدهسها المركبات في الشوارع! ومنذ توليه رئاسة وزراء الهند عام 2014، شهدت البلاد تصاعد موجات التمييز لصالح الأغلبية الهندوسية ضد الأقليات الأخرى، في مجالات الحكم وفي الأماكن العامة. كما أصبحت الهند، تحت حكمه، تتّجه نحو الحكم الاستبدادي القمعي الذي يلجأ إلى جميع أساليب القمع والتخويف والترهيب ضد معارضيه. وحتى على المستوى الاقتصادي الذي وعد بتحسينه خلال حملته الانتخابية، معتمدا على تجربته عندما كان حاكما لولاية غوجارات، فقد فشل في الرفع من نسبة نموه، وباتت الهند اليوم في عهده على حافّة انهيار اقتصادي يهدّد ديمقراطيتها وتماسكها السياسي والاجتماعي.
وثمّة من المراقبين من يعتبرون أن الأزمة الحالية التي أثارها قانون الجنسية المثير للجدل إنما أثيرت فقط للتغطية على أزمة أكبر، هي الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الهند، فالاقتصاد الذي كان يعدّ من أسرع اقتصاديات العالم نموا يمرّ الآن بواحدةٍ من أسوأ لحظاته، ويعرف تباطؤا ملحوظا في نموّه جعل كل مؤشرات قطاعاته قريبةً من المنطقة السلبية، وعلى حافّة مواجهة أكبر أزمةٍ اقتصاديةٍ تشهدها شبه القارّة الهندية، ففي ظل سنوات حكم ناريندرا مودي، بلغت البطالة أعلى مستوى لها خلال أربعة عقود، وانحدر نحو 30 مليون هندي تحت خط الفقر الرسمي، وتضخّمت أسعار المواد الغذائية الأساسية بشكل مهول. ولكن، ليس فقط الاقتصاد
الذي وعد مودي بإنقاذه وحده الذي يواجه أكبر أزمة في عهده، وإنما ديمقراطية الهند كلها أصبحت في خطر إذا استمر على نهج سياساته نفسها. إلى درجة أن محللين باتوا يحذرون من عودة شبح سنوات القمع التي عاشتها الهند في منتصف سبعينات القرن الماضي، عندما أعلنت رئيسة الوزراء السابقة، أنديرا غاندي، حالة الطوارئ، وعطلت أحكام الدستور، وزجّت آلافا من معارضيها في السجون، وفرضت الرقابة على الصحف، وسنّت نظاما دكتاتورياً دام من 1975 حتى 1977، ارتكبت خلالها انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان.
ويكاد السيناريو نفسه يتكرّر اليوم، منذ إعادة انتخاب مودي وحزبه، بهارتيا جاناتا، القومي الهندوسي المتشدّد، في انتخابات 2019 بأغلبيةٍ ساحقةٍ أكبر من التي حصل عليها عام 2014، على الرغم من ارتفاع نسبة البطالة وتباطؤ نمو الاقتصاد وانحسار إيجاد الوظائف لملايين الهنود الوافدين على سوق العمل كل شهر. ولصرف الناس عن معاناتهم اليومية جرّاء وضع اقتصادي صعب. وعلى غرار كل الدكتاتوريات، اختار حزب مودي إثارة النعرات القومية في بلدٍ متعدّد القوميات والديانات، وتم استهداف المسلمين على اعتبار أنهم الحلقة الأضعف، يسهل تبرير قمعهم أمام الرأي العام العالمي باستعمال مبرّرات محاربة الإرهاب والتشدّد الإسلامي التي تستعملها أنظمة دول إسلامية لقمع شعوبها.
ولسوء الحظ، منذ الفوز الجديد والساحق لمودي وحزبه، بات فيروس التعصّب يجتاح الهند،
ويهدّد نسيجها الاجتماعي بالتفكك. وطوال فترة حكمه منذ 2014، شجع مودي على سن قوانين وتشريعات تميّز بشكل واضح ضد المسلمين، وأعاد كتابة كتب التاريخ في المناهج التعليمية ليبرز الإنجازات الهندوسية على حساب باقي القوميات الهندية الأخرى. وفي خطابه السياسي، كرس النظرة إلى المسلمين أنهم مجرّد "طابور خامس"، يهدد كيان الأمة الهندوسية العظيمة! وليس غريبا أن جل الأنظمة الفاشية تبدأ حكمها بالتشكيك في وطنية معارضيها وخصومها، ووصفهم "خونة" و"متسلّلين".
وإذا كان من فضلٍ لموجة العنف الجديدة التي أثارها قانون الجنسية الحالي، فإنها سلطت الضوء على السياسات العنصرية والفاشية لمودي وحزبه وحكومته، لأن الهند، طوال السنوات الست الماضية شهدت زيادة غير مسبوقة في جرائم الكراهية ضد الأقليات، وخصوصا المسلمين، ولكن ناسا قليلين سمعوا عنها، بلغت إلى حد إعدام هنود مسلمين فقط، للاشتباه أن في ثلاجاتهم لحم بقر! وبعيدا عن معاقبة مرتكبي الجريمة، تم تكريمهم، ووصف الحادث بأنه مجرّد "خطأ ارتكبه أطفال"، فيما فتح تحقيق ضد أسرة الضحايا المسلمين بتهمة قتل بقرة!
لا يمكن وصف ما تشهده اليوم الهند بأنها مجرّد أعمال عنف، وإنما هي سياسية عنصرية ممنهجة، ذات أهداف خطيرة تستهدف ملايين المسلمين، وتؤسس لواحدةٍ من أبشع الأنظمة الفاشية التي يسعى مودي، وحزبه العنصري المتشدّد، إلى فرضها، لتفكيك أكبر ديمقراطية في العالم من الداخل، لبسط نفوذه على شبه القارة الهندية. ولكن ما نجح فيه مودي أنه وضع بلاده في حربٍ مفتوحة مع نفسها بين الهندوس والمسلمين، وهو ما يهدّد بتفجيرها من الداخل، لأن الهند أشبه ببرميل بارود محشوّ بكل المكونات سريعة الاشتعال والقابلة للانفجار في كل لحظة. والهند التي كان يُضرب بها المثل بأنها أكبر ديمقراطية في العالم دفعها مودي وحزبه نحو أسوأ منحدر سيجعل منها أكبر فاشيةٍ معاصرة.
يحمل القانون الجديد بصمة رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، وحزبه بهارتيا جاناتا، المعروف بتعصّبه للقومية الهندوسية، وبمواقفه المعادية للمسلمين، منذ كان حاكما لولاية غوجارات بداية الألفية الحالية، وشهدت اضطراباتٍ قتل فيها أكثر من ألف شخص، أغلبهم من المسلمين فيما باتت تعرف بـ "مذبحة غوجارات"، ومع ذلك رفض تقديم أي اعتذار عما جرى أو عن التصريحات العنصرية التي صدرت عنه، وشبّه فيها المسلمين الذين سقطوا جرّاء أعمال عنفٍ
وثمّة من المراقبين من يعتبرون أن الأزمة الحالية التي أثارها قانون الجنسية المثير للجدل إنما أثيرت فقط للتغطية على أزمة أكبر، هي الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الهند، فالاقتصاد الذي كان يعدّ من أسرع اقتصاديات العالم نموا يمرّ الآن بواحدةٍ من أسوأ لحظاته، ويعرف تباطؤا ملحوظا في نموّه جعل كل مؤشرات قطاعاته قريبةً من المنطقة السلبية، وعلى حافّة مواجهة أكبر أزمةٍ اقتصاديةٍ تشهدها شبه القارّة الهندية، ففي ظل سنوات حكم ناريندرا مودي، بلغت البطالة أعلى مستوى لها خلال أربعة عقود، وانحدر نحو 30 مليون هندي تحت خط الفقر الرسمي، وتضخّمت أسعار المواد الغذائية الأساسية بشكل مهول. ولكن، ليس فقط الاقتصاد
ويكاد السيناريو نفسه يتكرّر اليوم، منذ إعادة انتخاب مودي وحزبه، بهارتيا جاناتا، القومي الهندوسي المتشدّد، في انتخابات 2019 بأغلبيةٍ ساحقةٍ أكبر من التي حصل عليها عام 2014، على الرغم من ارتفاع نسبة البطالة وتباطؤ نمو الاقتصاد وانحسار إيجاد الوظائف لملايين الهنود الوافدين على سوق العمل كل شهر. ولصرف الناس عن معاناتهم اليومية جرّاء وضع اقتصادي صعب. وعلى غرار كل الدكتاتوريات، اختار حزب مودي إثارة النعرات القومية في بلدٍ متعدّد القوميات والديانات، وتم استهداف المسلمين على اعتبار أنهم الحلقة الأضعف، يسهل تبرير قمعهم أمام الرأي العام العالمي باستعمال مبرّرات محاربة الإرهاب والتشدّد الإسلامي التي تستعملها أنظمة دول إسلامية لقمع شعوبها.
ولسوء الحظ، منذ الفوز الجديد والساحق لمودي وحزبه، بات فيروس التعصّب يجتاح الهند،
وإذا كان من فضلٍ لموجة العنف الجديدة التي أثارها قانون الجنسية الحالي، فإنها سلطت الضوء على السياسات العنصرية والفاشية لمودي وحزبه وحكومته، لأن الهند، طوال السنوات الست الماضية شهدت زيادة غير مسبوقة في جرائم الكراهية ضد الأقليات، وخصوصا المسلمين، ولكن ناسا قليلين سمعوا عنها، بلغت إلى حد إعدام هنود مسلمين فقط، للاشتباه أن في ثلاجاتهم لحم بقر! وبعيدا عن معاقبة مرتكبي الجريمة، تم تكريمهم، ووصف الحادث بأنه مجرّد "خطأ ارتكبه أطفال"، فيما فتح تحقيق ضد أسرة الضحايا المسلمين بتهمة قتل بقرة!
لا يمكن وصف ما تشهده اليوم الهند بأنها مجرّد أعمال عنف، وإنما هي سياسية عنصرية ممنهجة، ذات أهداف خطيرة تستهدف ملايين المسلمين، وتؤسس لواحدةٍ من أبشع الأنظمة الفاشية التي يسعى مودي، وحزبه العنصري المتشدّد، إلى فرضها، لتفكيك أكبر ديمقراطية في العالم من الداخل، لبسط نفوذه على شبه القارة الهندية. ولكن ما نجح فيه مودي أنه وضع بلاده في حربٍ مفتوحة مع نفسها بين الهندوس والمسلمين، وهو ما يهدّد بتفجيرها من الداخل، لأن الهند أشبه ببرميل بارود محشوّ بكل المكونات سريعة الاشتعال والقابلة للانفجار في كل لحظة. والهند التي كان يُضرب بها المثل بأنها أكبر ديمقراطية في العالم دفعها مودي وحزبه نحو أسوأ منحدر سيجعل منها أكبر فاشيةٍ معاصرة.