28 ديسمبر 2021
الهبّة الشعبية والمأزق الفلسطيني
ما كان ممكناً الخروج بأي نتائج إيجابية من لقاء الرئيس الأميركي، باراك أوباما، برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يوم الإثنين التاسع من الشهر الجاري، إزاء الوضع الفلسطيني، ورهانات نخبته السياسية على استئناف المفاوضات، وغيرها من مسائل وقضايا شائكة، تدخل في نطاق العلاقات البينية بين السلطة الوطنية الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، ففي ظل أوضاع المنطقة، وتعقيدات الصراعات الضارية فيها، لم ينقطع سيل الرهانات الفلسطينية على تحريك الجمود المزمن الذي طال أكثر مما يجب، بإرادة الحكومة الإسرائيلية وتوجهاتها التي باتت أكثر من واضحة، لإدارة الصراع، وليس لإيجاد حلول له، وعلى الرغم من استمرار الهبة الشعبية وتواصلها، بالترافق مع أشكال كفاحية أخرى، ما زال سيل الرهانات النخبوية يواصل الإيغال في دروب الجدب السياسي، وهو يواصل، اليوم، وربما في الغد؛ سيواصل جريانه في واد غير ذي زرع.
كشفت سنوات ما بعد "أوسلو"، خصوصاً في سنوات حكم نتنياهو وليكوده، وتحالفه اليميني المتطرف، أن الأكاذيب وعدم المصداقية الإسرائيلية، والرهانات الفلسطينية المتواصلة، ما كان لها إلا أن تنتج أنواعاً عديدة من العدم، الناتجة من جدب سياسي معتق، واظب الفلسطينيون على التمسك بأهداب الرهانات المستمرة عليه، عله ينتج بعض الأمنيات غير الواقعية، وما هو في البال من أوهام انتقال اليمين الإسرائيلي المتطرف من حال الاستعمار الاستيطاني والتعصب والعنصرية والآبارتهايد، إلى نوع مما يمكن تسميتها "حالاً ديغولية"، أو إلى نوع من حال "الحل الانتقالي" الذي فرضته نضالات السود في جنوب إفريقيا وروديسيا، بدعم عالمي، كان واضحا وفعالا ومجديا.
إن الحديث عن "خطوات لبناء الثقة" واتخاذ "إجراءات لتسهيل حياة الفلسطينيين"، وكما اتضحت، وفي أكثر من مرة، إنها ليست أكثر من لغو فارغ، لا يمكن التعاطي معه بجدية، كما هو حال "حل الدولتين" الذي ورد في خطاب "بار إيلان"، فلا الإسرائيلي، ولا الأميركي، جاد في هذا الشأن، وإلا لكانت العملية السياسية قد أثمرت جدية في المفاوضات، إلا أن هذه الأخيرة ما زالت تراوح مكانها، منذ كان من المفترض أن تبدأ استحقاقات "أوسلو" بالاشتغال على تنفيذ الاتفاق، إلا أن الشروط الإسرائيلية والمراوغات والمماطلات وتغيير الوقائع على الأرض، نسفت، وما تزال تنسف، كل إمكانية للاتفاق أو للتقريب بين الطرفين.
وها هو نتنياهو وائتلافه اليميني المتطرف يواصل تشبثه بـ "الحل البلدي"، أي بنوع من أنواع الحكم الذاتي الذي يبقي كامل المناطق الفلسطينية والاقتصاد والسكان تحت الاحتلال، على الرغم من كذبة "السلام الاقتصادي"، ومراوغات "حل الدولتين"، والخشية من "دولة ثنائية القومية"، تشبثاً بـ "الدولة الواحدة" الإسرائيلية؛ انحيازاً إلى ما تسمى "دولة الشعب اليهودي"، تلك الدولة التلمودية أو التوراتية، كما آمن ويؤمن بها عتاة الصهاينة من رواد الاستيطان، وأتباع اليمين المتطرف، أولئك الذين آل إليهم كيان "الدولة الإسرائيلية" بمؤسساتها، وهم الذين يقودون اليوم سفينة الائتلاف الحكومي.
في آفاق الحل السياسي، ومعطياته الغائمة، والتوتر المتزايد، يسود عجز يكاد يكون عاماً لدى
كامل أطراف الصراع وإدارته، في ظل احتكار أميركي، يكاد هو الآخر يكون عاجزاً عن إحداث أي اختراق في جدار المفاوضات، لا سيما وقد جرى ركنها جانباً، كما لم تستطع الإدارة الأميركية إحداث حالة اختراق في مسار العلاقات التي باتت معقدة مع إسرائيل، خصوصاً في أعقاب توقيع الاتفاق النووي ومصادقة الكونغرس الأميركي عليه، على الضد من الموقف الإسرائيلي الداعي إلى رفضه.
وعليه، فإن مسار الوساطة الأميركية، وقد تعثر بفعل جمود العملية التفاوضية، كما بفعل اضطراب العلاقة الأميركية – الإسرائيلية، قد لا يشهد أي تطورات إيجابية في الفترة المتبقية لأوباما في البيت الأبيض. الأمر الذي يرتب على علاقة الاحتكار الأميركي بالانحياز لإسرائيل، أضراراً كبيرة، سوف لن تنعكس إيجاباً، لا على الوضع الوطني الفلسطيني، ولا على عملية المفاوضات المجهضة، وبالتالي، ستبقى التسوية السياسية على المسار الفلسطيني رهينة الإرادات والإدارات الإقليمية والدولية المتضاربة والمتناقضة في المنطقة، لا سيما إزاء ما يجري في سورية، وقد تحولت إلى مركز الجذب الرئيس للمزيد من أنواع الصراعات الضارية والمتداخلة محليا وإقليميا ودوليا.
لهذا كله، وكنتاج للأسباب الموجبة، وفي ظل وضع فلسطيني بائس، وبسبب الانحياز الأميركي الجائر، وتمسكه بجوهر المواقف الإسرائيلية والدفاع عنها، وحماية للأمن الإسرائيلي الذي يعتبر بمثابة "بقرة مقدسة" لاستراتيجية الأمن القومي الأميركي، ينبغي السعي في اتجاه توسيع دائرة الوساطات التي قد تجري، للتأسيس لرعاية مفاوضات جديدة، لا يقف الأميركيون، وحدهم من دون غيرهم من دول العالم، في مقدمة الرعاة، فمثلما اتجهت قضايا عديدة إلى تطلب مجموعة من الرعاة والوسطاء، للدفع بمسار الحلول الممكنة للتحقق، من قبيل بحث الملف السوري على طاولة مؤتمر فيينا، بمشاركة مجموعة من الدول المعنية، ومن قبله كان قد اتجه الملف النووي الإيراني إلى رعاية مفاوضاته، والإشراف عليها والمساهمة فيها، إلى إشراك عدد من الدول المعنية بإيجاد حلول سلمية للنزاعات والصراعات الكونية.
تأسيساً على هذا، ليس أولى من القضية الفلسطينية بمثل هذا "الإجماع" على ضرورة إيجاد "حل سياسي" متفق عليه بين مجموعة أطراف الوضعين، الإقليمي والدولي، بدون ما انحياز إلى الجانب الإسرائيلي، ومع الأخذ بالاعتبار عدالة القضية الوطنية الفلسطينية، والانحياز لسردياتها الأكثر إقناعا وواقعية، تطلباً لعدل مترع بمشروعية الكفاح الوطني.
من دون ذلك، ستبقى الهبة الشعبية وحال الانتفاض، والمقاومة الشعبية والعمليات الفردية المحدودة، كما العمليات المسلحة، البرنامج الأوضح والمعتمد شعبياً في الوقت الراهن، والأسلوب الجماهيري الوحيد المعزول لمقاومة الاحتلال، فيما الحركة الدبلوماسية الرسمية للسلطة تدور في حلقة مفرغة إقليمياً ودولياً، وعاجزة عن تحقيق أي اختراق، في مسار مفاوضات محكومة لمزاج إسرائيلي عاجز بطبعه، وبالأساس يفضل "الستاتيك" التفاوضي على الحراك، بفعل رضوخه لتطلبات قوى اليمين المتطرف من المستوطنين وعتاة الصهاينة المتعصبين الذين التزموا ويلتزمون، وبتغوّل واضح، حيثيات المشروع الصهيوني، من دون تعديل، في وقت يشهد المشروع الوطني الفلسطيني تراجعاتٍ غير تكتيكية، علاوة على أنها غير مؤطرة في برنامج وطني واضح، وهنا يكمن المأزق القيادي الفلسطيني.
كشفت سنوات ما بعد "أوسلو"، خصوصاً في سنوات حكم نتنياهو وليكوده، وتحالفه اليميني المتطرف، أن الأكاذيب وعدم المصداقية الإسرائيلية، والرهانات الفلسطينية المتواصلة، ما كان لها إلا أن تنتج أنواعاً عديدة من العدم، الناتجة من جدب سياسي معتق، واظب الفلسطينيون على التمسك بأهداب الرهانات المستمرة عليه، عله ينتج بعض الأمنيات غير الواقعية، وما هو في البال من أوهام انتقال اليمين الإسرائيلي المتطرف من حال الاستعمار الاستيطاني والتعصب والعنصرية والآبارتهايد، إلى نوع مما يمكن تسميتها "حالاً ديغولية"، أو إلى نوع من حال "الحل الانتقالي" الذي فرضته نضالات السود في جنوب إفريقيا وروديسيا، بدعم عالمي، كان واضحا وفعالا ومجديا.
إن الحديث عن "خطوات لبناء الثقة" واتخاذ "إجراءات لتسهيل حياة الفلسطينيين"، وكما اتضحت، وفي أكثر من مرة، إنها ليست أكثر من لغو فارغ، لا يمكن التعاطي معه بجدية، كما هو حال "حل الدولتين" الذي ورد في خطاب "بار إيلان"، فلا الإسرائيلي، ولا الأميركي، جاد في هذا الشأن، وإلا لكانت العملية السياسية قد أثمرت جدية في المفاوضات، إلا أن هذه الأخيرة ما زالت تراوح مكانها، منذ كان من المفترض أن تبدأ استحقاقات "أوسلو" بالاشتغال على تنفيذ الاتفاق، إلا أن الشروط الإسرائيلية والمراوغات والمماطلات وتغيير الوقائع على الأرض، نسفت، وما تزال تنسف، كل إمكانية للاتفاق أو للتقريب بين الطرفين.
وها هو نتنياهو وائتلافه اليميني المتطرف يواصل تشبثه بـ "الحل البلدي"، أي بنوع من أنواع الحكم الذاتي الذي يبقي كامل المناطق الفلسطينية والاقتصاد والسكان تحت الاحتلال، على الرغم من كذبة "السلام الاقتصادي"، ومراوغات "حل الدولتين"، والخشية من "دولة ثنائية القومية"، تشبثاً بـ "الدولة الواحدة" الإسرائيلية؛ انحيازاً إلى ما تسمى "دولة الشعب اليهودي"، تلك الدولة التلمودية أو التوراتية، كما آمن ويؤمن بها عتاة الصهاينة من رواد الاستيطان، وأتباع اليمين المتطرف، أولئك الذين آل إليهم كيان "الدولة الإسرائيلية" بمؤسساتها، وهم الذين يقودون اليوم سفينة الائتلاف الحكومي.
في آفاق الحل السياسي، ومعطياته الغائمة، والتوتر المتزايد، يسود عجز يكاد يكون عاماً لدى
وعليه، فإن مسار الوساطة الأميركية، وقد تعثر بفعل جمود العملية التفاوضية، كما بفعل اضطراب العلاقة الأميركية – الإسرائيلية، قد لا يشهد أي تطورات إيجابية في الفترة المتبقية لأوباما في البيت الأبيض. الأمر الذي يرتب على علاقة الاحتكار الأميركي بالانحياز لإسرائيل، أضراراً كبيرة، سوف لن تنعكس إيجاباً، لا على الوضع الوطني الفلسطيني، ولا على عملية المفاوضات المجهضة، وبالتالي، ستبقى التسوية السياسية على المسار الفلسطيني رهينة الإرادات والإدارات الإقليمية والدولية المتضاربة والمتناقضة في المنطقة، لا سيما إزاء ما يجري في سورية، وقد تحولت إلى مركز الجذب الرئيس للمزيد من أنواع الصراعات الضارية والمتداخلة محليا وإقليميا ودوليا.
لهذا كله، وكنتاج للأسباب الموجبة، وفي ظل وضع فلسطيني بائس، وبسبب الانحياز الأميركي الجائر، وتمسكه بجوهر المواقف الإسرائيلية والدفاع عنها، وحماية للأمن الإسرائيلي الذي يعتبر بمثابة "بقرة مقدسة" لاستراتيجية الأمن القومي الأميركي، ينبغي السعي في اتجاه توسيع دائرة الوساطات التي قد تجري، للتأسيس لرعاية مفاوضات جديدة، لا يقف الأميركيون، وحدهم من دون غيرهم من دول العالم، في مقدمة الرعاة، فمثلما اتجهت قضايا عديدة إلى تطلب مجموعة من الرعاة والوسطاء، للدفع بمسار الحلول الممكنة للتحقق، من قبيل بحث الملف السوري على طاولة مؤتمر فيينا، بمشاركة مجموعة من الدول المعنية، ومن قبله كان قد اتجه الملف النووي الإيراني إلى رعاية مفاوضاته، والإشراف عليها والمساهمة فيها، إلى إشراك عدد من الدول المعنية بإيجاد حلول سلمية للنزاعات والصراعات الكونية.
تأسيساً على هذا، ليس أولى من القضية الفلسطينية بمثل هذا "الإجماع" على ضرورة إيجاد "حل سياسي" متفق عليه بين مجموعة أطراف الوضعين، الإقليمي والدولي، بدون ما انحياز إلى الجانب الإسرائيلي، ومع الأخذ بالاعتبار عدالة القضية الوطنية الفلسطينية، والانحياز لسردياتها الأكثر إقناعا وواقعية، تطلباً لعدل مترع بمشروعية الكفاح الوطني.
من دون ذلك، ستبقى الهبة الشعبية وحال الانتفاض، والمقاومة الشعبية والعمليات الفردية المحدودة، كما العمليات المسلحة، البرنامج الأوضح والمعتمد شعبياً في الوقت الراهن، والأسلوب الجماهيري الوحيد المعزول لمقاومة الاحتلال، فيما الحركة الدبلوماسية الرسمية للسلطة تدور في حلقة مفرغة إقليمياً ودولياً، وعاجزة عن تحقيق أي اختراق، في مسار مفاوضات محكومة لمزاج إسرائيلي عاجز بطبعه، وبالأساس يفضل "الستاتيك" التفاوضي على الحراك، بفعل رضوخه لتطلبات قوى اليمين المتطرف من المستوطنين وعتاة الصهاينة المتعصبين الذين التزموا ويلتزمون، وبتغوّل واضح، حيثيات المشروع الصهيوني، من دون تعديل، في وقت يشهد المشروع الوطني الفلسطيني تراجعاتٍ غير تكتيكية، علاوة على أنها غير مؤطرة في برنامج وطني واضح، وهنا يكمن المأزق القيادي الفلسطيني.