النفق الراجع... "تفريعات سرية" تغرق غزة بالمخدرات المهربة

غزة
الصحافي محمد الجمل
محمد الجمل
صحافي فلسطيني، يكتب لقسم التحقيقات في "العربي الجديد" من غزة.
16 أكتوبر 2017
F9E28E30-BDDB-4ACF-B74A-98E4AD4138C4
+ الخط -

قبل عامين، رصدت شرطة مكافحة المخدرات في غزة، تزايد كميات المخدرات المهربة إلى القطاع المحاصر ما أدى إلى انخفاض أسعار بيعها للمدمنين والمتعاطين، على الرغم من إغلاق الأنفاق وسيلة تهريب أقراص الترامادول والحشيش الأساسية من شبه جزيرة سيناء المصرية، كما يقول الرائد وائل عواجة، مسؤول الإعلام والتوعية في شرطة مكافحة المخدرات بمحافظة رفح جنوبي القطاع.

ولم تتوصل الشرطة إلى سر تزايد المخدرات المعروضة إلا بعد ضبط أول حالة من "النفق الراجع"، أو "التفريعة السرية"، كما أوضح عواجة، الذي ذكر أن المهربين لجأوا إلى وسيلة مستحدثة، عبارة عن أنفاق جانبية جديدة متفرعة من نفق قديم ومهجور، يحفر مالكه فتحة صغيرة داخل مساره، ثم يبدأ بالحفر في مسار مواز تحت الأرض، حتى يتجاوز نقاط التفتيش، ويصل إلى منطقة تبعد عن الحدود مسافة قد تصل إلى كيلومتر أو تزيد، ويخرج من فتحة أخرى لـ"التفريعة السرية" تنتهي داخل منزل أو محل مهجور.


ضبط 25 نفقاً راجعاً

منذ بداية عام 2016 وحتى أغسطس/آب الماضي، ضبطت شرطة مكافحة المخدرات، بالتعاون مع هيئة الحدود التابعة للإدارة العامة للشؤون العسكرية في وزارة الداخلية والأمن الوطني 25 نفقا راجعا، بينما بلغت إجمالي كميات المخدرات التي ضبطت منذ بداية عام 2017 حتى نهاية آب/أغسطس، 2500 فرش حشيش و1.5 مليون حبة ترامادول، 80% منها هربت عبر الأنفاق الراجعة، بينما تبلغ الكمية التي ضبطت في الربع الأول من العام ذاته 400 ألف حبة مخدرة و1250 فرش حشيش، وهي كمية تفوق ما ضبط طوال العام 2016، إذ لم تتجاوز الكمية المضبوطة 380 ألف حبة ترامادول و1150 فرش حشيش، بحسب إحصائيات شرطة المكافحة، وإفادة من الناطق باسم وزارة الداخلية في غزة إياد البزم.

واقتصرت الكميات التي ضبطت طوال أعوام 2013 و2014 و2015 على مليون حبة ترامادول و1300 فرش حشيش، وفق المصدر ذاته.



دقة الحفر

تحتاج الأنفاق الراجعة إلى دقة وخبرة كبيرتين في عملية الحفر بحسب إفادة العشريني محمد صلاح الدين، الذي سبق له العمل في الأنفاق التجارية، من أجل تصميم مسار جديد مخفي عن عيون أجهزة الأمن ولا ينهار فوق رؤوس المهربين، وهو ما يؤكده مصدر أمني مطلع في أمن الحدود يعمل على الحدود الفلسطينية المصرية، قائلا لـ"العربي الجديد": "رغم إغلاق أكثر من 97% من الأنفاق مع مصر، وتراجع ظاهرة التهريب عبر الأنفاق، إلا أن هناك من يتتبع مسارات الأنفاق المهجورة لحفر أنفاق راجعة داخلها، في ظاهرة تشكل أكبر تحد يواجه الشرطة، بعد محاصرة طرق التهريب القديمة التي كانت تتم عبر البحر، أو عبر إخفاء السموم وسط البضائع التي كانت تهرب يومياً، كما يقول المصدر الذي أخفى هويته، لكونه غير مصرح له بالحديث مع الإعلام.

وعمل الشاب صلاح الدين لمدة عام ضمن طاقم نفق تجاري، ولم يكن يدري أن مالكه حفر تفريعة سرية داخله، إلا بعد مداهمة من قوات الشرطة وأمن الحدود للنفق والذين تمكنوا من كشف نفق راجع مخصص لتهريب المخدرات، تم إخفاء مدخله، خلف أحجار بناء تستخدم لحماية جسم النفق من الانهيارات الترابية.

وحسب عواجة فإن المخدرات التي يدخلها المهرب إلى التفريعة السرية، يتم سحبها عبر أسلاك معدنية سميكة تثبت في جسم النفق وتربط بها حاويات بلاستيكية كبيرة يطلق عليها "شياطة"، ويتم سحب البضائع الموضوعة فيها بواسطة "مواتير ستاي" عالية القدرة، وهو نظام يشبه ما يعمل به في مناجم الفحم، لكن بدون سكة حديدية.


جولة داخل نفق راجع

على عمق 14 مترا تحت الأرض وثق معد التحقيق كيفية تصميم وحفر الأنفاق الراجعة، بصحبة ضابط في أمن الحدود، عاين برفقته نفقا راجعا متفرعا من آخر مهجور، وبدت البئر المؤدية إليه دائرية، جوانبها مبنية من "الطوب المسلح"، في المنتصف منها حبل يستخدم للنزول إلى النفق عبر ماكينة سحب "ستاي"، في عملية تشبه طريقة عمل المصعد الكهربائي، ولا تزيد عرض وارتفاع النفق عن 120 سنتيمتراً، وفق ضابط أمن الحدود والذي لفت إلى أحد أغرب الضبطيات كانت لنفق راجع أقيمت فتحته في مطبخ منزل يقع جنوب مدينة رفح، أسفل حوض يستخدم لجلي الأواني، وكان مالكه يعمد إلى تحريكه حتى تظهر الفتحة السرية المؤيدة إلى النفق ويخرج منها المخدرات، بينما اكتشفت فتحة نفق راجع آخر في منطقة مجاورة أسفل شواية، وثالث تحت جذع نخلة ميتة في منزل مهجور.


تهريب سجائر

تستخدم الأنفاق الراجعة في تهريب السجائر إلى قطاع غزة، كما يؤكد تاجر السجائر المصرية المهربة أحمد ناصر الذي يعمل في بيع السجائر بالأسواق الأسبوعية الشعبية المخصصة لبيع البضائع المصرية المهربة في رفح وخان يونس جنوب القطاع.

ويستغل المهربون الضرائب المقررة على علب السجائر والتي تترواح بين 5 شيكلات و7 شيكلات (دولاران)، ما يجعل سعر العلبة يصل إلى 18 شيكلا (5 دولارات أميركية)، لكن في حال أدخلت عبر النفق الراجع ولم تمر على الجمارك، يبيعها التاجر بنفس سعر المجمركة أو أقل بقليل، والعائدات كلها في جيبه وفقا لإفادة ناصر.



عقوبات مغلظة

تعمل الشرطة الفلسطينية على مواجهة المهربين ممن يستخدمون الأنفاق الراجعة، "الأمر الذي أدى إلى تراجع كميات السموم المروجة في قطاع غزة، بعد النجاحات التي تحققت في محاربة الظاهرة، كما يقول الناطق باسم الشرطة في غزة المقدم أيمن البطنيجي، وانعكس تراجع الكميات على ارتفاع سعر شريط ترامادول "10 حبات" من عيار 225 ملغراماً من 40 شيكلا (11 دولاراً) في عام 2013، إلى 300 شيكل حاليا (85 دولاراً)، وفق لإفادة متعاطين.

ويواجه مالك النفق الراجع تهمة جلب المخدرات في حال ضبطت في النفق الراجع أو الأصلي، وفي حال كانت المخدرات مملوكة لتاجر آخر يواجه تهمة الاتجار، وفي حال كانت المخدرات مملوكة لمالك النفق توجه له التهمتان معا، لكن تبقى تهمة الجلب على رأس القضية، كما يوضح الرائد وائل عواجة، والتهمتان متقاربتان في العقوبة، وفق الدكتور تامر القاضي أستاذ القانون الجنائي بكلية القانون في جامعة فلسطين بغزة، إذ تنص المادة 27 من قانون رقم 7 لسنة 2013 "قانون المخدرات"على أنه "مع عدم الإخلال بعقوبة أشد ينص عليها قانون آخر، يعاقب بالسجن من ثلاث سنوات إلى خمسة عشر عاماً وغرامة من 5-20 ألف دينار أردني كل من يقوم باستيراد أي نوع من المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية أو شرائها أو إنتاجها أو صنعها أو حيازتها"، كما تنص المادة 28 من قانون المخدرات السابق، والذي أقره المجلس التشريعي في غزة عام 2013، وبدأ العمل به مطلع عام 2017 على أنه "يعاقب بالسجن من 15 عاماً إلى السجن المؤبد وغرامة مالية من 20-40 ألف دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانونيا في أي من الحالات الآتية: "الاتجار في المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، واقتران جريمة الاتجار بجريمة أخرى ويشمل ذلك تهريب الأسلحة والأموال أو أن يشترك في ارتكابها أشخاص من أكثر من دولة واحدة"، بينما تنص المادة 29 من نفس القانون على أنه يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد وغرامة مالية من 20-60 ألف دينار أردني أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانونيا، كل من يرتكب جريمة الاتجار بالمواد المخدرة والمؤثرات العقلية، وذكر المشرع جملة من الأمور تستوجب تلك العقوبة من بينها وقوع الجرم في إحدى دور العبادة، أو مؤسسات صحية أو تعليمية أو مؤسسات مدنية عامة، أو إذا استخدم المجرم خلال جريمته سلاحا ناريا، أو العودة لارتكاب أي من الجرائم المذكورة في المادة 28 من هذا القانون.



ويعد القانون السابق تطورا إيجابيا من وجهة نظر الدكتور تامر القاضي، خاصة بعد شيوع ظاهرة تهريب المخدرات، وابتكار طرق جديدة، كالأنفاق الراجعة، في ظل أن القانون السابق المعمول به في غزة مصري قديم منذ عام 1961، وتشوبه نواقص، قائلا "على سبيل المثال لم يرد ذكر عقار ترامادول، لذلك لم تكن هناك أحكام رادعة، وجاء القانون الفلسطيني الجديد متناسقاً مع قانون الإجراءات الجزائية، ويشكل حالة جيدة على طريق مكافحة هذه الآفة".

وتم إصدار خمسة أحكام إعدام بحق كبار التجار والمروجين لم ينفّذ أي منها، وما زالت جميعها في مرحلة الاستئناف وفق القانون الجديد، يترافع في إحداها الدكتور القاضي، إضافة إلى عدد آخر من الأحكام العالية ما بين 15 عاماً ومؤبد، كما يقول القاضي موضحا أنه عقب صدور القانون صدر قرار حكومي بإحالة كل من يتم ضبطه ومعه أكثر من 5000 حبة ترامادول أو خمسة فروش حشيش للقضاء العسكري، على اعتبار أن التهريب يتم من منطقة حدودية عسكرية، ويعرّض أمن البلد للخطر، لكن الدكتور القاضي انتقد إحالة المدنيين إلى القضاء العسكري لمخالفة ذلك لنصوص القانون الأساسي الفلسطيني، قائلا "على الرغم من تصاعد الظاهرة، لكن القانون الأساسي لا يسمح بمحاكمة عسكرية للمدنيين".

دلالات

ذات صلة

الصورة
مسيرة في شوارع واشنطن بالأكفان من أجل النساء في غزة - 17 - 10 - 2024

مجتمع

شهدت واشنطن موكباً جنائزياً ومسيرة تضامنية مع النساء في غزة، جابت شوارع العاصمة وصولاً إلى البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية
الصورة
تجمّع عسكري إسرائيلي على حدود لبنان، 30 سبتمبر 2024 (إريك مارمور/Getty)

سياسة

بعد عام على فتح الجبهة اللبنانية تحوّل لبنان من معركة إسناد غزة، إلى الحرب الشاملة، بفعل الاعتداءات الإسرائيلية المتلاحقة، التي بدأت في 23 سبتمبر الماضي.
الصورة
مسرة في جامعة جورج واشنطن دعماً لفلسطين/22 أغسطس 2024(Getty)

سياسة

خرجت مسيرة احتجاجية في شوارع واشنطن، اليوم الأربعاء، تنديداً باستمرار العدوان الإسرائيلي على الضفة الغربية وغزة.
الصورة
أطفال يحملون غالونات لتعبئتها بمياه الشرب في رفح، 25 يونيو 2024 (إياد بابا/فرانس برس)

سياسة

أمر ضباط في جيش الاحتلال الاسرائيلي بتفجير خزان مياه للشرب في مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة، وهو ما يُعتبر انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي.