معرة النعمان ونقطة صرمان
واستمرت أمس الإثنين الاشتباكات في محافظة إدلب بين قوات النظام والمليشيات المساندة لها من جهة، وبين فصائل المعارضة السورية من جهة ثانية، في ظلّ قصفٍ جوي روسي مكثف، طاول خصوصاً مدينة معرة النعمان وبلدة جرجناز وقريتي دير شرقي ودير غربي. كما استهدفت قوات النظام محيط بلدة أورم الكبرى في ريف حلب الغربي، ومناطق أخرى في ريفي إدلب الجنوبي والشرقي.
وأفادت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" بأن قوات النظام دخلت أمس إلى قرى وبلدات فعلول وخربة معراتة والحديتي وتحتايا وبابولين وكفرباسين في ريف إدلب الجنوبي والجنوبي الشرقي، بعد اشتباكات مع فصائل المعارضة و"هيئة تحرير الشام". وأوضحت المصادر أن القصف الجوي والمدفعي المكثف من قوات النظام على تلك القرى، أجبر فصائل المعارضة و"تحرير الشام" على الانسحاب منها، مشيرة إلى أن عمليات القصف تركزت أمس على قرى وبلدات جرجناز وتلمنس والغدفة والدير الشرقي بريف إدلب الجنوبي. ومع هذا التقدم، يرتفع عدد القرى التي باتت تحت سيطرة النظام إلى أكثر من 35 قرية، وذلك منذ بداية تقدمه الأخير نهاية الأسبوع الماضي.
وكانت قوات النظام حققت أول من أمس الأحد تقدماً في ريف مدينة معرة النعمان الجنوبي الشرقي، حيث باتت على مسافة كيلومترات قليلة من هذه المدينة. وذكرت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام، أمس، أن قواته تقترب من هذه المدينة، وأنه لم تعد تفصلها عنها سوى كيلومترات قليلة. ونقلت الصحيفة عن مصدرٍ ميداني في قوات النظام تأكيده سيطرة هذه القوات الأحد على قرى ومناطق جديدة في مسرح عملياتها في الريف الشرقي لمعرة النعمان، وهي قرى ومزارع الحراكي والقراطي والبرج وفروان وتحتايا وتل الحمصي والبستان وأبو شرجي ومعيصرونة وكرسنتي في ريفي إدلب الجنوبي الشرقي والشرقي. وأشار المصدر إلى أن سياسة السيطرة على التلال الحاكمة المشرفة على معاقل فصائل المعارضة في ريف المعرة الشرقي، إضافةً إلى سياسة القضم التدريجي وتسريع وتيرة المعارك والهجمات البرية، مكّنت قوات النظام من التقدم السريع نحو المدينة والطريق الدولية بين حماة وحلب، مشيراً إلى أن هذه الطريق "هي هدف عملية الجيش العسكرية الراهنة لتنفيذ أحد بنود اتفاق سوتشي" الخاص بإدلب بين روسيا وتركيا. وذكر المصدر أن قوات النظام "سيطرت خلال الأيام الثلاثة الماضية على أكثر من 33 قرية وتلة (حصيلة أول من أمس) في الريف الشرقي للمعرة في محوري شرق وجنوب شرق إدلب، لتصبح على بعد أربعة كيلومترات من بلدة جرجناز، مفتاح معرة النعمان من الشرق مع بلدة تل منس".
يذكر أن حصيلة ضحايا القصف من قوات النظام السوري وروسيا على ريف إدلب أول من أمس الأحد، بلغت 22 قتيلاً على الأقل، فضلاً عن إصابة سبعة أشخاص، بينهم نساء وأطفال، بحسب ما أكدت مصادر لـ"العربي الجديد".
وفي إطار الحرب النفسية الذي يشنها النظام على محافظة إدلب، روّج بعض مناصريه عن وجود مفاوضات بين قواته وفصائل المعارضة، لتسليم معرة النعمان وفق اتفاق شبيه باتفاق الجنوب السوري. لكن المتحدث باسم "الجبهة الوطنية للتحرير"، وهي أكبر تجمع للمعارضة السورية المسلحة في إدلب، ناجي مصطفى، نفى في تصريحات صحافية أدلى بها أمس، وجود أي نيّة لدى هذه الفصائل لعقد اتفاقات مع النظام. وأكد أن "المعارك مع قوات النظام وحلفائها في محاور ريفي إدلب الشرقي والجنوبي لا تزال مستمرة، وهي على أشدها، ولا يوجد أي مفاوضات من أي نوع مع النظام".
من جهته، نقل موقع "بلدي نيوز" الإخباري عن مصدر عسكري في فصائل المعارضة تأكيده أن قوات النظام حاصرت نقطة المراقبة التركية الثامنة المتمركزة في بلدة الصرمان في ريف معرة النعمان الشرقي، عقب سيطرتها منتصف ليل الأحد-الإثنين على عدد من القرى في ريف إدلب الجنوبي الشرقي. وتعد نقطة المراقبة في صرمان النقطة التركية الثانية التي تحاصرها قوات النظام، بعدما كانت حاصرت واحدة متمركزة في مدينة مورك بريف حماة الشمالي في أغسطس/آب الماضي. ولا يزال الجيش التركي يحتفظ بـ12 نقطة مراقبة في محيط محافظة إدلب وفق التفاهمات التركية – الروسية، والتي أثبتت التطورات العسكرية الجارية فقدانها لأي قيمة، لأنها لم تستطع ردع النظام الذي استهدف أكثر من نقطة تركية خلال حملته العسكرية الأولى في مايو/أيار الماضي.
حراك تركي
سياسياً، تسعى تركيا لمنع اتساع نطاق الصدام في الشمال الغربي من سورية، ما من شأنه تعميق المأساة الإنسانية في هذه المنطقة، والتي بدأت ترتسم معالمها مع نزوح عشرات الآلاف من المدنيين إلى الحدود السورية – التركية، في ظلّ ظروف إنسانية صعبة، تكاد تلمس حدود الكارثة. وفي هذا الإطار، بدأ وفد تركي أمس بإجراء مفاوضات في موسكو مع المسؤولين الروس، في محاولة للتوصل إلى تفاهم جديد، ربما قد ينهي العمل باتفاق سوتشي المبرم في سبتمبر/أيلول 2018 أو يعمل على تكريسه بشكل أفضل. وذكرت وكالة "الأناضول" التركية الرسمية أن الوفد يترأسه نائب وزير الخارجية سدات أونال، ومن المنتظر إجراؤه مباحثات مع المسؤولين الروس، حول ملفي سورية وليبيا. كما من المقرر تناول التحضيرات للزيارة المخططة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى تركيا، في الثامن من يناير/كانون الثاني المقبل.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، شدد أول من أمس الأحد، على أن بلاده لا يمكن أن تتحمل بمفردها عبء موجة هجرة جديدة من إدلب السورية، مؤكداً مواصلة أنقرة بذل قصارى جهدها للتواصل مع موسكو بهدف إنهاء الهجمات التي تتعرض لها المحافظة. وقال إن "أكثر من 80 ألفاً من أشقائنا في إدلب بدأوا التوجه باتجاه حدودنا، وهذا وضع لا يمكن لتركيا أن تتحمل عبئه بمفردها". وشدّد الرئيس التركي على أن بلاده "ستحدد خطواتها بناء على النتيجة التي ستتمخض عنها مباحثات الوفد التركي"، مشيراً إلى أن انعكاسات ضغوط موجة الهجرة نحو تركيا ستؤثر على جميع البلدان الأوروبية، وخصوصاً اليونان، وموضحاً أنه في هذه الحالة "لا مهرب من تكرار مشاهد الهجرة إلى أوروبا" التي حصلت قبل اتفاقية مكافحة الهجرة بين تركيا والاتحاد الأوروبي في 18 مارس/آذار 2016.
ولطالما اعتادت أنقرة على التلويح بورقة اللاجئين من أجل دفع الغرب للتدخل لدى الروس لإيقاف التصعيد، حيث يهدد الأتراك على الدوام بالسماح بتدفق موجات اللاجئين عبر البحر الأبيض المتوسط باتجاه أوروبا، في حال عدم تدخل الأوروبيين لدى موسكو لإيقاف الأعمال القتالية.
وكان لافتاً أمس تزامن زيارة الوفد التركي مع أخرى يقوم بها وزير خارجية النظام السوري، وليد المعلم، إلى موسكو، على رأس وفد، حيث من المقرر أن يكون هدفها مناقشة العملية السياسية وعمل اللجنة الدستورية في جنيف، إلى جانب التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين. ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية للأنباء أمس، عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، تأكيده خلال استقباله المعلم، على ضرورة الحل السياسي للأزمة السورية وفق القرار الأممي 2254. وأضاف أنه ينبغي على المجتمع الدولي المساعدة في عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم. من جهته، قال وزير خارجية النظام إن سورية "تتعرض لعدوان تركي مستمر وسرقة نفطها من قبل الولايات المتحدة"، مضيفاً أن "التآمر الأميركي التركي الإسرائيلي مستمر على سورية لعرقلة جهودها في محاربة الإرهاب".