النظام يعاقب مدنيي حي الوعر: حصار يهدد بكارثة إنسانية

15 مايو 2016
يعيش نحو 100 ألف مدني في الحي (الأناضول)
+ الخط -
تلوح كارثة إنسانية في وسط سورية، بعد مرور أكثر من شهرين على الحصار الذي يفرضه النظام السوري والمليشيات الموالية له، على حي الوعر في مدينة حمص، مع غياب أي دور فاعل للمجتمع الدولي، الذي يشاهد استمرار النظام في سياسة "الجوع أو الركوع" التي يعتمدها منذ عدة سنوات في إطار محاولاته السيطرة على المدن والبلدات الثائرة، وهي سياسة أدت إلى حدوث كوارث إنسانية ظلت لفترة طويلة حديث العالم الذي لم تتحرك مؤسساته حتى الآن للحيلولة دون وقوع كوارث أخرى تؤدي إلى قتل المدنيين جوعاً ومرضاً.
حي الوعر الذي يُعدّ آخر معقل للمعارضة السورية في مدينة حمص التي توصف بكونها "عاصمة الثورة السورية"، و"أم الشهداء"، سجّل أول حالة وفاة نتيجة قلة الغذاء والدواء، إذ ذكر مركز حمص الإعلامي أن الطفلة لميس العيسى التي لم يتجاوز عمرها السبعة شهور، توفيت في الحي منذ يومين بسبب عدم وجود عناية طبية، ونقص في الغذاء، وهو أمر يهدد حياة آلاف المدنيين المحاصرين في الحي.
ويعاني نحو 100 ألف مدني في الحي، من حصار مطبق دخل شهره الثالث، بعد تعليق تنفيذ اتفاق "الهدنة" الذي وقّعته المعارضة مع قوات النظام وبرعاية أممية، إذ ضرب النظام بعرض الحائط بكل تعهداته في الاتفاق. وأطلق ناشطون حملات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو إلى انقاذ المحاصرين في الحي، وذلك من خلال عدة وسوم أبرزها: #‏أنقذوا_الوعر، و#‏الوعر_تموت_جوعاً، محذرين من "مضايا ثانية" في وسط سورية، وسط إهمال وعدم اكتراث من قبل المجتمع الدولي.
وقال الناشط الاعلامي بيبرس التلاوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الحصار المطبق على الحي دخل يومه السابع والستين، حيث يمنع نظام الأسد دخول كامل المواد الغذائية وعلى رأسها مادة الخبز والدواء، مشيراً إلى نفاد المواد الغذائية بالكامل، وفقدان أغلب أنواع الأدوية الضرورية.
وكانت قوات النظام بدأت بحصار حي الوعر بشكل جزئي أواخر عام 2013، بعد أن أصبح قبلة للنازحين من أحياء حمص الأخرى التي تعرضت لحملات عسكرية متلاحقة أدت إلى تدمير عدد من أحياء المدينة القديمة، والسيطرة على مجمل المدينة، باستثناء الوعر، في مايو/أيار من عام 2014، إثر انسحاب مقاتلي المعارضة بعد تسوية أنهت عامين من الحصار المطبق.
ووقّع أهالي حي الوعر في بداية نوفمبر/كانون الأول من العام الفائت، اتفاقاً مع النظام برعاية أممية إثر مفاوضات دامت لعدة شهور، نُفذ على ثلاث مراحل، تضمّن خروج عدد من المسلحين الرافضين للاتفاق من الحي إلى الشمال السوري مع عائلاتهم، وإطلاق سراح معتقلين يحتجزهم النظام، وعودة النازحين إلى الحي، وتسهيل عمل اللجان الاغاثية.


وذكر ناشطو الحي في بيان وزعوه على وسائل الإعلام وتلقت "العربي الجديد" نسخة منه، أن المحاصرين في الحي يعانون من وضع إنساني ومعيشي وطبي كارثي، مشيرين إلى أن قوات النظام قامت بمنع إدخال المواد الغذائية والخبز والطحين بشكل كامل بعد تجميد اتفاق الهدنة، وقطع التيار الكهربائي، ومنع إدخال المحروقات، والأدوية والمواد والمعدات الطبية.
وأشار الناشطون في البيان إلى أنه تم تسجيل عدة حالات لتشوّه أجنة بعد تناول الحوامل لأدوية منتهية الصلاحية، ونفاد كافة الأدوية الضرورية مثل أدوية الالتهابات، موضحين أنه تم تسجيل حوالي 300 حالة جفاف، وفقر دم بين الأطفال بسبب سوء التغذية، لافتين إلى أن هناك نقصاً بالأطباء، خصوصاً في اختصاصات الأمراض المزمنة، إذ قام النظام بمنع دخول الأطباء، والطواقم الطبية والجرعات اللازمة لأمراض الكلى والسرطان والقلب والسكري والضغط، مشيرين إلى وجود نحو 1500 حالة مرضية بحاجة لعلاج طبي، وبشكل دائم.
وذكر ناشطو الوعر أن النظام لم ينفذ ما تعهّد به في اتفاق الهدنة، خصوصاً إطلاق سراح نحو 7365 معتقلاً من حمص كانت لجنة التفاوض قامت بتسليم أسمائهم ومكان وتاريخ اعتقالهم للنظام، ولم يتم إخراج أي معتقل منهم حتى الآن، مع استمرار المطالبة من قِبل النظام بإخراج مسلحي المعارضة من الحي، وتهجيرهم مع عوائلهم، وفق البيان.
وحذر عضو المجلس المحلي في مدينة حمص ناصر سعد الدين، من أن نُذر كارثة إنسانية بدأت بالظهور في حي الوعر نتيجة الحصار، مع منع النظام دخول أي شيء إلى الحي، في محاولة لثني الأهالي عن أحد شروط الاتفاق وهو ملف المعتقلين، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن النظام يصر على خروج مقاتلي المعارضة من دون التطرق إلى مصير آلاف المعتقلين في سجونه على مدى سنوات. ولفت سعد الدين إلى أن المنظمات الدولية لم تستجب للنداءات المتكررة من أجل فك الحصار عن الحي قبل أن تتكرر مأساة مضايا مرة أخرى في سورية.
وفي السياق نفسه، طالبت لجنة التفاوض في الحي، الأمم المتحدة كونها الطرف المراقب لاتفاقية حي الوعر، "بالقيام بدور أكبر، وأكثر فعالية في متابعة مجريات الأحداث في الحي، وبحث ومراقبة ما تم إنجازه من الاتفاق في مراحل سابقة لتبيان الأسباب الحقيقية لفشل الاتفاق، وإصدار بيان رسمي يوضح ذلك". كما طالبت اللجنة بـ"التعامل بالجدية اللازمة مع قضية التهجير القسري، والتغيير الديمغرافي الذي تتعرض له مدينة حمص".
ويربط مراقبون بين ما يجري في حي الوعر وبين محاولات النظام إفراغ حمص من سكانها الأصليين والتي نجحت إلى حد بعيد، إذ قام بتهجير عدد كبير منهم في داخل وخارج سورية. وتُعد حمص من أهم المدن الواقعة ضمن ما يُسمى "سورية المفيدة" التي بدأ النظام الترويج لها في الآونة الاخيرة كخيار أخير أمامه في حال فشله في القضاء على الثورة، أو الوصول لاتفاق سياسي يبقي رئيسه بشار الأسد في السلطة.