03 نوفمبر 2024
النظام السياسي التونسي مهدّد
أصبح الانتقال الديمقراطي في تونس مهددا أكثر من أي وقت مضى، والأزمة السياسية والاقتصادية تزداد حدة يوما بعد يوم، ما رفع من درجات القلق الجماعي لدى عموم التونسيين، بقطع النظر عن مواقعهم الاجتماعية، ومراتبهم العلمية والإدارية. ففي كل يوم، يستيقظ الناس على أخبار غريبة ومخيفة، كأنها نواقيس تنذر بنهايات غير مطمئنة. .. هذه عينات فقط لإدراك حجم المخاطر التي تهدد التجربة التونسية.
لا تزال الشبكة، التي قيل إن رجل الأعمال شفيق جراية يقودها، تكشف عن أسرار أشبه بما حصل في قصص المافيا الإيطالية. هذه الشبكة المتهمة بالتآمر على أمن الدولة، ومن آخر أخبارها اختفاء وزير الداخلية السابق، محمد الناجم الغرسلي، الذي رفض تسليم نفسه إلى القضاء.
في خطٍّ مواز تمت أخيرا إقالة كاتب الدولة للأمن الوطني لأسباب بقيت غامضة، وتسربت أخبار عن وجود خلافات حادة بين وزير الداخلية الحالي ورئيس الحكومة. ويجري حاليا تبادل تهم بين عدد من مكونات هذه الوزارة، حيث قامت بعض النقابات الأمنية بتصعيد مفاجئ، وعاد الحديث بقوة عن ضرورة إبعاد المؤسسة الأمنية عن التجاذبات السياسية. كما تسربت أخبار غير مؤكدة عن إجهاض "محاولة كانت تهدف إلى تغيير النظام بطرق غير عسكرية".
فجأة، قرّرت قيادة اتحاد الشغل إطلاق النار على رئيس الحكومة وفريقه، حيث طالب الأمين العام للاتحاد بتغيير عدد من الوزراء. وهو ما دعت إليه أيضا أحزاب مهمة، مثل نداء تونس الذي ينتمي إليه يوسف الشاهد.
دعا رئيس الجمهورية إلى اجتماع الموقعين على إعلان قرطاج الذين يفترض فيهم أن يكونوا الحزام السياسي للحكومة، لكن النقاش اتجه نحو تغيير الشاهد الذي تعرض للنقد حتى من قبل منظمة الأعراف. وفي الأخير اقترح السبسي تشكيل لجنة تتولى وضع الأولويات وتقترح أسماء لوزراء محتملين. وهكذا وجدت حكومة الشاهد نفسها بلا سند ينقذها من مصير مجهول. الاستثناء الوحيد هو حركة النهضة التي لا تزال تتمسك بالحكومة على الأقل إلى ما بعد الانتخابات البلدية. وهو ما جعل الاتحاد يعتبرها حكومة تصريف أعمال، فيرد عليه الشاهد بأنه لا يزال يتمتع بكل الصلاحيات، وأن التعديل غير وارد قبل الانتخابات البلدية، مؤكدا عزمه على القيام بالإصلاحات الكبرى خلال السنة الجارية، لإخراج الاقتصاد من عنق الزجاجة.
نكتفي بهذا القدر من الأحداث والأخبار التي جعلت المواطنين في حيرةٍ من أمرهم. ماذا يحدث؟ ومن يريد أن يدخل البلاد في دوامة عدم الاستقرار، وخصوصا أن المؤشرات الاقتصادية الأساسية تنذر بحلول كارثة غير مسبوقة في تاريخ البلاد؟
هنا عاد الجدل بشأن النظام السياسي الذي انبثق عن دستور 2014. هذا النظام الذي حال دون أن يحتكر أي طرف القرار السياسي، ما أدى إلى تقاسم السلطات وأوجد نوعا من التوازن، أدى، في النهاية، إلى تعثر الإرادة السياسية وعدم القدرة على تحميل المسؤولية بين شركاء السلطة التنفيذية. ولهذا، توجد اليوم رغبة لدى بعضهم، وخصوصا رئيس الجمهورية، في تقديم اقتراح يهدف إلى تعديل النظام، لكي يصبح رئاسيا بعد أن كان خلال السنوات الأخيرة شبه برلماني. وقد يفتح جدلا واسعا بشأن تغيير نظام الاقتراع الذي حال دون انفراد حزب واحد بالسلطة التنفيذية، من خلال حصوله على أغلبية، ولو ضعيفة داخل البرلمان.
فخلال صياغة الدستور، تمسكت حركة النهضة، من دون بقية الأحزاب، بأن يكون النظام البديل برلمانيا، كما هو الحال في معظم الديمقراطيات. وبرّرت ذلك بالتجربة التونسية التي جعلت من رئيس الدولة قوة قاهرة فوق بقية المؤسسات. لكن التجربة الحالية تضع البلاد أمام مخاطر حقيقية تحول دون الاستقرار السياسي الضروري.
هناك من يعتبر أن الأزمة ليست في النظام السياسي، وإنما في النخبة المتصارعة حتى الموت من أجل الانفراد بالقرار. لا أحد يستطيع أن يحكم، لأنه لا يملك جميع خيوط القرار. غير أنه في المقابل ما الذي يضمن أن لا يؤدي جمع الصلاحيات في جهة واحدة وقوية إلى استبداد جديد؟
لا تزال الشبكة، التي قيل إن رجل الأعمال شفيق جراية يقودها، تكشف عن أسرار أشبه بما حصل في قصص المافيا الإيطالية. هذه الشبكة المتهمة بالتآمر على أمن الدولة، ومن آخر أخبارها اختفاء وزير الداخلية السابق، محمد الناجم الغرسلي، الذي رفض تسليم نفسه إلى القضاء.
في خطٍّ مواز تمت أخيرا إقالة كاتب الدولة للأمن الوطني لأسباب بقيت غامضة، وتسربت أخبار عن وجود خلافات حادة بين وزير الداخلية الحالي ورئيس الحكومة. ويجري حاليا تبادل تهم بين عدد من مكونات هذه الوزارة، حيث قامت بعض النقابات الأمنية بتصعيد مفاجئ، وعاد الحديث بقوة عن ضرورة إبعاد المؤسسة الأمنية عن التجاذبات السياسية. كما تسربت أخبار غير مؤكدة عن إجهاض "محاولة كانت تهدف إلى تغيير النظام بطرق غير عسكرية".
فجأة، قرّرت قيادة اتحاد الشغل إطلاق النار على رئيس الحكومة وفريقه، حيث طالب الأمين العام للاتحاد بتغيير عدد من الوزراء. وهو ما دعت إليه أيضا أحزاب مهمة، مثل نداء تونس الذي ينتمي إليه يوسف الشاهد.
دعا رئيس الجمهورية إلى اجتماع الموقعين على إعلان قرطاج الذين يفترض فيهم أن يكونوا الحزام السياسي للحكومة، لكن النقاش اتجه نحو تغيير الشاهد الذي تعرض للنقد حتى من قبل منظمة الأعراف. وفي الأخير اقترح السبسي تشكيل لجنة تتولى وضع الأولويات وتقترح أسماء لوزراء محتملين. وهكذا وجدت حكومة الشاهد نفسها بلا سند ينقذها من مصير مجهول. الاستثناء الوحيد هو حركة النهضة التي لا تزال تتمسك بالحكومة على الأقل إلى ما بعد الانتخابات البلدية. وهو ما جعل الاتحاد يعتبرها حكومة تصريف أعمال، فيرد عليه الشاهد بأنه لا يزال يتمتع بكل الصلاحيات، وأن التعديل غير وارد قبل الانتخابات البلدية، مؤكدا عزمه على القيام بالإصلاحات الكبرى خلال السنة الجارية، لإخراج الاقتصاد من عنق الزجاجة.
نكتفي بهذا القدر من الأحداث والأخبار التي جعلت المواطنين في حيرةٍ من أمرهم. ماذا يحدث؟ ومن يريد أن يدخل البلاد في دوامة عدم الاستقرار، وخصوصا أن المؤشرات الاقتصادية الأساسية تنذر بحلول كارثة غير مسبوقة في تاريخ البلاد؟
هنا عاد الجدل بشأن النظام السياسي الذي انبثق عن دستور 2014. هذا النظام الذي حال دون أن يحتكر أي طرف القرار السياسي، ما أدى إلى تقاسم السلطات وأوجد نوعا من التوازن، أدى، في النهاية، إلى تعثر الإرادة السياسية وعدم القدرة على تحميل المسؤولية بين شركاء السلطة التنفيذية. ولهذا، توجد اليوم رغبة لدى بعضهم، وخصوصا رئيس الجمهورية، في تقديم اقتراح يهدف إلى تعديل النظام، لكي يصبح رئاسيا بعد أن كان خلال السنوات الأخيرة شبه برلماني. وقد يفتح جدلا واسعا بشأن تغيير نظام الاقتراع الذي حال دون انفراد حزب واحد بالسلطة التنفيذية، من خلال حصوله على أغلبية، ولو ضعيفة داخل البرلمان.
فخلال صياغة الدستور، تمسكت حركة النهضة، من دون بقية الأحزاب، بأن يكون النظام البديل برلمانيا، كما هو الحال في معظم الديمقراطيات. وبرّرت ذلك بالتجربة التونسية التي جعلت من رئيس الدولة قوة قاهرة فوق بقية المؤسسات. لكن التجربة الحالية تضع البلاد أمام مخاطر حقيقية تحول دون الاستقرار السياسي الضروري.
هناك من يعتبر أن الأزمة ليست في النظام السياسي، وإنما في النخبة المتصارعة حتى الموت من أجل الانفراد بالقرار. لا أحد يستطيع أن يحكم، لأنه لا يملك جميع خيوط القرار. غير أنه في المقابل ما الذي يضمن أن لا يؤدي جمع الصلاحيات في جهة واحدة وقوية إلى استبداد جديد؟