ما أن أعلن عن عودة نائبي الرئيس العراقي، نوري المالكي، وإياد علاوي، إلى منصبيهما بقرار قضائي صدر الشهر الماضي، حتى ظهرت تسريبات تشير إلى عقد اجتماعات سرية بينهما تهيئ لتشكيل جبهة مناوئة لرئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، خلال مرحلة ما بعد تحرير الموصل. وأكدت مصادر سياسية أن هذه الجبهة ستتشكل للحد من القرارات الخاطئة للأخير الذي ألغى مناصب نواب رئيس الجمهورية العام الماضي، وحرمهم من جميع امتيازاتهم. وأنهت سلسلة الاجتماعات الأخيرة التي عقدت نهاية الشهر الماضي، ومطلع الشهر الحالي، بين المالكي وعلاوي، ست سنوات من القطيعة بين الرجلين، بحسب مصدر سياسي في "التحالف الوطني" الحاكم.
وأضاف أن الاجتماعات الثنائية الأخيرة أسفرت عن اتفاق مبدئي على تشكيل جبهة تتولى تنسيق المواقف باتجاه تفعيل الدستور، وعدم السماح للعبادي بخرقه مرة أخرى، بحسب وصفهما.
وقال المصدر إن الاجتماعات جرت نتيجة وساطات قام بها نواب من "التحالف الوطني"، وبفضل جهود بذلت منذ أشهر. وبيّن أن مثل هذه الخطوة تضمن عدم تكرار القرارات التي وصفوها بالخاطئة للعبادي، وأبرزها قرار إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية، وهي مناصب كان يحتلها حتى عام 2015، كل من المالكي وعلاوي، إضافة إلى (رئيس مجلس النواب السابق) أسامة النجيفي. وأضاف المصدر أن "الطرفين اتفقا على ضرورة التخطيط الجدي لمرحلة ما بعد تحرير الموصل، التي تتطلب القيام بخطوات جريئة للحد من سلطات رئيس الوزراء، حتى وإن تطلب الأمر الدعوة لإجراء تعديلات دستورية"، مؤكداً أن المالكي تعهد بالحصول على دعم إيراني للجبهة الجديدة، مقابل قيام علاوي بالترويج لها في المحيط العربي والإقليمي.
يشار إلى أن العلاقة بين المالكي وعلاوي توترت بشكل كبير عام 2010، بعد وصف الأخير للمالكي بالدكتاتور، واتهامه بتزوير الانتخابات البرلمانية، نتيجة صدور قرار قضائي يمنح رئيس "ائتلاف دولة القانون" حق تشكيل الحكومة، مع أن "القائمة العراقية" برئاسة علاوي هي من تصدر نتائج الانتخابات.
ولم ينف علاوي لقاءه بالمالكي. وأكد أن رئيس "ائتلاف دولة القانون" زاره في منزله أخيراً، بعد عودته من العاصمة البريطانية لندن، مبيناً خلال مقابلة متلفزة أنه لا يؤمن بالعمل بالخفية. وسبق أن انتقد علاوي رئيس الوزراء الحالي، العام الماضي، حين اتخذ قراره بإقالة نواب رئيس الجمهورية. وأضاف في مقابلته: "قلت للعبادي إن عليه أن يحتكم للدستور في قراراته"، مؤكداً أن العبادي أجابه بأن قرار الإقالة جاء استجابة للمرجعية الدينية في محافظة النجف. وأشار إلى أنه لن يسمح "لولاة الأمور بالتعامل معنا، كما يتعاملون مع الخرفان"، على حد قوله، موضحاً أنه مع المضي بطريق الإصلاح، لكن وفقاً للدستور.
ودعا علاوي إلى تعديل العملية السياسية، وسلوك مسار المواطنة، من أجل النهوض بمشروع الدولة العابر للانتماءات العرقية والدينية والمذهبية والجهوية، مضيفاً في كلمته بمناسبة انطلاق مؤسسة "أنا مواطن" العراقية، أنه "آن الأوان للخروج من نفق الطائفية السياسية".
ويرصد كثيرون تغييراً مفاجئاً في خطاب علاوي، الذي انتقل من مهاجمة الأحزاب والتيارات الإسلامية، ووصفها بالتفرد والدكتاتورية، إلى الدعوة للخروج من الطائفية السياسية. وهو تحول يشير إلى وجود مشروع جديد قد يرى النور في العراق، خلال المرحلة المقبلة، بحسب أستاذ العلوم السياسية بجامعة بغداد، حسان العيداني، الذي أكد لـ"العربي الجديد"، أن مسألة ولادة جبهة جديدة بعد تحرير الموصل، تحولت من مجرد تسريبات سرية إلى أحاديث علنية.
"أمر مثير للريبة"
في هذا السياق، تحفّظ عضو "تحالف القوى العراقية"، محمد المشهداني، على لقاءات علاوي والمالكي، وما ينتج عنها. واعتبر المشهداني، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن اجتماع خصمين لدودين كالمالكي وعلاوي ضمن جبهة واحدة، أمر مثير للريبة. وتساءل "إذا كان علاوي يمثل التيار العلماني، والمالكي يمثل التيار الإسلامي الشيعي، فأين التيار الإسلامي السني، من هذه اللقاءات"؟ وتابع أن التجربة الديمقراطية في العراق بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، اثبتت أن البلاد تدار بالتوافق، وليس بالاجتماعات والمحاور السرية، معتبراً أن أي مشروع لا يحظى بموافقة المكونات الرئيسية سيكون مصيره الفشل.
يشار إلى أن المالكي يقود منذ أسابيع حراكاً سياسياً للترتيب لمرحلة ما بعد تحرير الموصل من سيطرة تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش). وكان أكد في وقت سابق، قيامه بمساعٍ تطمح للوصول إلى تسوية سياسية شاملة خلال مرحلة ما بعد "داعش"، مطالباً بتجاوز جميع الإشكاليات والخلافات التي نتجت عن المرحلة الماضية، عبر مصالحة ترتكز على أسس وطنية خالصة، ومنسجمة مع الاستحقاقات الانتخابية.