14 نوفمبر 2024
الملك يُحرج النّخب السياسية
مثل خطاب العاهل المغربي، محمد السادس، قبل أيام، إحراجاً للنخب السياسية المغربية بمختلف مكوناتها، على خلفية الانتخابات البلدية والجهوية التي ستجرى في الرابع من سبتمبر/ أيلول المقبل، والتي تكتسي أهمية بالغة بالنظر للسياق السياسي المختلف الذي تندرج فيه.
تحدث الملك عن "الثورة الجديدة" التي تشكلها هذه الانتخابات، في ضوء الجهوية المتقدمة، التي تنبني على تقسيم ترابي، يمنح للجهات صلاحيات واسعة ومختلفة، فيما يتعلق بتدبير الشأن المحلي، كما أكد أنها ستكون "حاسمة بالنسبة لمستقبل المغرب". وصف الاقتراع المقبل بأنه ثورة، يمكن اعتباره تطوراً لافتا في تعاطي المؤسسة الملكية مع اللحظة الانتخابية، قياسا إلى التجارب السابقة، وتعبيراً عن وعي ضمني بأهمية التحولات الحاصلة في محيط المغرب، وهي تحولات يبدو أن الأحزاب السياسية غير معنية بها تماما. فطريقة تدبيرها هذه اللحظة، سواء على مستوى آليات الترشيح ومنح التزكيات أو الخطاب السياسي للمرشحين وأسلوب تواصلهم مع الشارع، تبرز، بوضوح، أنها باتت عاجزة عن فهم ما يجري حولها وإدراكه، بسبب مشكلاتها التنظيمية واهتراء خطاباتها وافتقادها الحد الأدنى من الثقافة الانتخابية الحديثة. لا تريد هذه الأحزاب أن تفهم أن هناك واقعا جديدا تشكل بعد 2011، بصرف النظر عن المآلات التي اتخذتها الأحداث في بلدان الربيع العربي؛ واقع حمل معه تبخّرَ الهالة التي كانت تحيط برجال السياسة، ومنح المواطن، بفعل الإعلام الاجتماعي، هامشاً واسعاً للمعرفة والتفاعل والتواصل والنقد لم يكن متاحا من قبل.
ولأول مرة، تتحدث أعلى سلطة في المغرب عن ظاهرة العزوف الانتخابي التي لطالما أقلقت السلطة على امتداد التجارب السابقة. وحسب الملك، إذا "كان عدد من المواطنين لا يهتمون كثيراً بالانتخابات ولا يشاركون فيها، فلأن بعض المنتخبين لا يقومون بواجبهم، على الوجه المطلوب، بل إن من بينهم من لا يعرف حتى منتخبيه". يشكل هذا الكلام إحراجاً دالاً لمعظم الأحزاب التي تتحمل المسؤولية الكبرى في هذه الظاهرة. فعوض أن تقدم "مرشحين تتوفر فيهم شروط الكفاءة والمصداقية والحرص على خدمة الصالح العام"، تمنح ثقتها وتزكيتها لوجوه مكرورة ومشكوك في نزاهتها ورصيدها النضالي، بل إن بعضها متابَع أمام المحاكم في قضايا فساد ورشوة واستغلال النفوذ واتجار في المخدرات وتبديد المال العام، وهي، بهذا تضرب عرض الحائط بانتظارات الناخب المغربي الذي يتطلع إلى مجالس منتخبة نظيفة وقادرة على إحداث نقلة نوعية في التفاعل مع مشكلاته اليومية. ومن هنا، ندرك أبعاد الاستياء الكبير الذي عبرت عنه قطاعات واسعة من الرأي العام حيال سلوك معظم هذه الأحزاب في تدبيرها الاقتراعَ المقبل، والتي اعتبرت أن طريقة اختيار هذه الأخيرة وانتقائها مرشحيها سلوك غير مقبول، يعبر عن تعال واستفزاز واضحيْن، وعن الضحالة الأخلاقية والسياسية لنخبٍ لا يهمها غير خدمة مصالحها، والبقاء في مواقع السلطة بأي ثمن، وهو ما رأى فيه كثيرون سببا كافيا يجعلهم يلزمون بيوتهم يوم الاقتراع.
رسالة أخرى وجهها الملك إلى هذه النخب، وللحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية الإسلامي منذ أربع سنوات. فحين يؤكد على ضرورة عدم الخلط بين عمل المجالس المنتخبة والحكومة، وعلى أن الأخيرة "مسؤولة، تحت سلطة رئيسها، عن ضمان تنفيذ القوانين، وعن وضع السياسات العمومية والمخططات القطاعية في مختلف المجالات"، ألا يثير ذلك من جديد النقاش حول تنزيل الدستور الجديد الذي تم إقراره في يوليو/ تموز من عام 2011، ويضع الكرة، بالتالي، في مرمى رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، الذي ظل منشغلاً، طوال الأعوام الفائتة، ببناء جسور الثقة بينه وبين السلطة بمختلف مكوناتها؟ هل يمكن القول إن بنكيران مدعوّ، أكثر من أي وقت مضى، لمزاولة صلاحياته التي منحها له الدستور، عوض الانشغال بكيفية تجنب الصدام مع القوى الاجتماعية والسياسية التي تقاوم كل محاولات التغيير؟ هذه الأسئلة وأخرى تكشف لنا، بشكل أو بآخر، عن خصائص بنيويةٍ تسم النخب المغربية، لا فرق في ذلك بين يمينها ويسارها، ومن يقف شارداً بينهما، ولعل أبرزها تلك الانتظاريةُ التي حولتها، مع مرور الزمن، إلى نخب تقليدية، عاجزة عن تجديد مواردها الفكرية والثقافية والسياسية، ومفتقدة الفاعليةَ والمبادرة في تقديرها وقراءتها منعرجات الواقع وتحولاته.
راهن كثيرون على أن تكون الانتخابات المقبلة مدخلا لتجفيف منابع الفساد والريع والانتهازية داخل الأحزاب والتشكيلات السياسية المختلفة، ما يساعد على فتح آفاق مغايرة على صعيد بناء وتنمية ديمقراطية محلية، قادرة على مصالحة الناس مع السياسة، بإشراكهم في تدبير الشأن العام. لكن، يبدو أن الطبع يغلب التطبع، كما يقال، وستظل هذه النخب البائسة أحد العناوين البارزة للأزمة السياسية المزمنة في المغرب.
تحدث الملك عن "الثورة الجديدة" التي تشكلها هذه الانتخابات، في ضوء الجهوية المتقدمة، التي تنبني على تقسيم ترابي، يمنح للجهات صلاحيات واسعة ومختلفة، فيما يتعلق بتدبير الشأن المحلي، كما أكد أنها ستكون "حاسمة بالنسبة لمستقبل المغرب". وصف الاقتراع المقبل بأنه ثورة، يمكن اعتباره تطوراً لافتا في تعاطي المؤسسة الملكية مع اللحظة الانتخابية، قياسا إلى التجارب السابقة، وتعبيراً عن وعي ضمني بأهمية التحولات الحاصلة في محيط المغرب، وهي تحولات يبدو أن الأحزاب السياسية غير معنية بها تماما. فطريقة تدبيرها هذه اللحظة، سواء على مستوى آليات الترشيح ومنح التزكيات أو الخطاب السياسي للمرشحين وأسلوب تواصلهم مع الشارع، تبرز، بوضوح، أنها باتت عاجزة عن فهم ما يجري حولها وإدراكه، بسبب مشكلاتها التنظيمية واهتراء خطاباتها وافتقادها الحد الأدنى من الثقافة الانتخابية الحديثة. لا تريد هذه الأحزاب أن تفهم أن هناك واقعا جديدا تشكل بعد 2011، بصرف النظر عن المآلات التي اتخذتها الأحداث في بلدان الربيع العربي؛ واقع حمل معه تبخّرَ الهالة التي كانت تحيط برجال السياسة، ومنح المواطن، بفعل الإعلام الاجتماعي، هامشاً واسعاً للمعرفة والتفاعل والتواصل والنقد لم يكن متاحا من قبل.
ولأول مرة، تتحدث أعلى سلطة في المغرب عن ظاهرة العزوف الانتخابي التي لطالما أقلقت السلطة على امتداد التجارب السابقة. وحسب الملك، إذا "كان عدد من المواطنين لا يهتمون كثيراً بالانتخابات ولا يشاركون فيها، فلأن بعض المنتخبين لا يقومون بواجبهم، على الوجه المطلوب، بل إن من بينهم من لا يعرف حتى منتخبيه". يشكل هذا الكلام إحراجاً دالاً لمعظم الأحزاب التي تتحمل المسؤولية الكبرى في هذه الظاهرة. فعوض أن تقدم "مرشحين تتوفر فيهم شروط الكفاءة والمصداقية والحرص على خدمة الصالح العام"، تمنح ثقتها وتزكيتها لوجوه مكرورة ومشكوك في نزاهتها ورصيدها النضالي، بل إن بعضها متابَع أمام المحاكم في قضايا فساد ورشوة واستغلال النفوذ واتجار في المخدرات وتبديد المال العام، وهي، بهذا تضرب عرض الحائط بانتظارات الناخب المغربي الذي يتطلع إلى مجالس منتخبة نظيفة وقادرة على إحداث نقلة نوعية في التفاعل مع مشكلاته اليومية. ومن هنا، ندرك أبعاد الاستياء الكبير الذي عبرت عنه قطاعات واسعة من الرأي العام حيال سلوك معظم هذه الأحزاب في تدبيرها الاقتراعَ المقبل، والتي اعتبرت أن طريقة اختيار هذه الأخيرة وانتقائها مرشحيها سلوك غير مقبول، يعبر عن تعال واستفزاز واضحيْن، وعن الضحالة الأخلاقية والسياسية لنخبٍ لا يهمها غير خدمة مصالحها، والبقاء في مواقع السلطة بأي ثمن، وهو ما رأى فيه كثيرون سببا كافيا يجعلهم يلزمون بيوتهم يوم الاقتراع.
رسالة أخرى وجهها الملك إلى هذه النخب، وللحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية الإسلامي منذ أربع سنوات. فحين يؤكد على ضرورة عدم الخلط بين عمل المجالس المنتخبة والحكومة، وعلى أن الأخيرة "مسؤولة، تحت سلطة رئيسها، عن ضمان تنفيذ القوانين، وعن وضع السياسات العمومية والمخططات القطاعية في مختلف المجالات"، ألا يثير ذلك من جديد النقاش حول تنزيل الدستور الجديد الذي تم إقراره في يوليو/ تموز من عام 2011، ويضع الكرة، بالتالي، في مرمى رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، الذي ظل منشغلاً، طوال الأعوام الفائتة، ببناء جسور الثقة بينه وبين السلطة بمختلف مكوناتها؟ هل يمكن القول إن بنكيران مدعوّ، أكثر من أي وقت مضى، لمزاولة صلاحياته التي منحها له الدستور، عوض الانشغال بكيفية تجنب الصدام مع القوى الاجتماعية والسياسية التي تقاوم كل محاولات التغيير؟ هذه الأسئلة وأخرى تكشف لنا، بشكل أو بآخر، عن خصائص بنيويةٍ تسم النخب المغربية، لا فرق في ذلك بين يمينها ويسارها، ومن يقف شارداً بينهما، ولعل أبرزها تلك الانتظاريةُ التي حولتها، مع مرور الزمن، إلى نخب تقليدية، عاجزة عن تجديد مواردها الفكرية والثقافية والسياسية، ومفتقدة الفاعليةَ والمبادرة في تقديرها وقراءتها منعرجات الواقع وتحولاته.
راهن كثيرون على أن تكون الانتخابات المقبلة مدخلا لتجفيف منابع الفساد والريع والانتهازية داخل الأحزاب والتشكيلات السياسية المختلفة، ما يساعد على فتح آفاق مغايرة على صعيد بناء وتنمية ديمقراطية محلية، قادرة على مصالحة الناس مع السياسة، بإشراكهم في تدبير الشأن العام. لكن، يبدو أن الطبع يغلب التطبع، كما يقال، وستظل هذه النخب البائسة أحد العناوين البارزة للأزمة السياسية المزمنة في المغرب.