تجاوز عدد المقاتلين الأجانب في النزاع في سورية والعراق الـ20 ألفاً في عام 2014، في رقمٍ تفوّق على انخراط الأجانب في الصراع الأفغاني إبّان الاحتلال السوفييتي (1980 ـ 1989)، وفقاً لتقديرات "المركز الدولي لدراسات التطرّف".
ووصلت نسبة الملتحقين بالصراع، من أوروبيين أو مقيمين في دول أوروبا الغربية، إلى الخُمس. وتشير الدراسات، إلى أن "حرب العراق وسورية حرّكت أكبر عدد من المقاتلين الأجانب المسلمين، في شكل لم يسبق له مثيل منذ عام 1945".
وفي السياق، تحدّث الخبير في "الإرهاب والعنف السياسي" ومدير "المركز الدولي لدراسات التطرف"، بيتر نيومان، خلال محاضرة في مدرسة لندن للاقتصاد، في 27 يناير/كانون الثاني الماضي، عن المقاتلين الأجانب في سورية والعراق، وعن مقابلات أجراها مع أعضاء من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) و"جبهة النصرة"، في إحدى المناطق الحدودية بين سورية وتركيا، وعن أسباب التحاقهم وما يقومون به وأهدافهم.
وقال نيومان إنّ "أعداد المقاتلين الأجانب ارتفعت خلال الأعوام الأخيرة حتى وصلت إلى 20.730 مقاتلاً، واللافت أنّه من ديسمبر/كانون الأول 2013 لغاية أبريل/نيسان 2014، استقرّ العدد ولم يسجّل أي ارتفاع ملحوظ، بسبب الصراعات الداخلية بين الجماعات المتحالفة". وتطرّق إلى رسائل نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، ونوّهت إلى "الامتناع عن المشاركة في المعارك الداخلية، كي لا يقتل الأخ أخاه".
وأشار نيومان إلى ضرورة الانتباه إلى أنّ "عام 2014 سجّل أكبر نسبة مقاتلين عائدين من سورية والعراق لغاية يونيو/حزيران 2014، حين بدأ الترويج للخلافة الإسلامية من قبل داعش، وارتفع معه عدد المقاتلين الأجانب مجدّداً". وأكّد أنّ "الشرق الأوسط يبقى المصدر الأكبر للمقاتلين، إذ يشكّل نحو 60 في المائة منهم، بينما يأتي 4000 مقاتل من دول أوروبا الغربية". وارتكزت البيانات والأرقام على النصف الثاني من عام 2014، وشملت 50 دولة، وتوفّرت تقديرات حكومية يُعتمد عليها.
واحتلّت فرنسا وبريطانيا وألمانيا الصدارة بين الدول الأوروبية الكبيرة، المصدّرة للمقاتلين إلى الشرق الأوسط، أمّا بلجيكا والدنمارك والسويد، فاعتُبرت الأكثر تأثراً بالنسبة إلى حجم سكانها، إذ ساهمت بلجيكا بنسبة 40 في المائة من المقاتلين الغربيين، والدنمارك بنسبة 27 في المائة، والسويد بنسبة 19 في المائة، أمّا بريطانيا فساهمت بنسبة 9.5 في المائة، وألمانيا بنسبة 7.5 في المائة وفرنسا بنسبة 18 في المائة.
بالنسبة إلى الشرق الأوسط، فقد صدّر 11 ألف مقاتل أجنبي، وساهمت دول عدة من الاتحاد السوفييتي السابق بنحو ثلاثة آلاف مقاتل. وانطلق من الجزائر نحو 200 مقاتل، ومن البحرين 12، والإمارات 15، واليمن 110، ومصر 360، والأراضي الفلسطينية 120، والكويت 70، ولبنان 900، وسجّل الأردن والمغرب مشاركة 1500 مقاتل لكل منهما، وليبيا 600، والسعودية بين 1500 و2500، بينما شارك 3000 مقاتل من تونس.
وركّز نيومان خلال المحاضرة على دوافع مختلفة تحثّ الأجنبي على التوجّه إلى مناطق الصراع، واعتبر أن "حسّ المغامرة لدى الشباب الصغار، عامل جذب إلى جانب الأخوّة في الإسلام، أو القتال لهدف نبيل والطموح لنيل لقب الأبطال. وكلّها عناصر محفّزة على الالتحاق بالصراع".
ولم يغفل نيومان الإنترنت، الذي يؤدي دوراً بارزاً في الترويج لبطولات المقاتلين، ورأى أن "هاشتاغ جهاد الخمس نجوم، الذي انتشر في عام 2013، وحظي بشعبية واسعة على موقع تويتر، ساهم في رفد المزيد من المقاتلين في سورية والعراق". أمّا الدوافع الأكثر جدية، فاعتبرها تتمحور حول أمور دينية وسياسية ومتعلقة الهوية والانتماء.
وأدّى مفهوم "الخلافة الإسلامية" دوره في جذب أعداد أكبر من المقاتلين، وفق نيومان. وبرأيه الشخصي فإنّ "المقاتلين الذين أتوا بهدف قيام دولة الخلافة الإسلامية، هم أكثر تطرّفاً من أولئك الذين يشاركون بالقتال بهدف مساعدة إخوانهم في الإسلام". ويلفت إلى أن "نجاح داعش في إسقاط العديد من المناطق، عنى للكثير من الناس، أنّ الخلافة الإسلامية في توسّع، ودفعهم إلى الاعتقاد، أنّه بعد آلاف السنين سيتحدّث التاريخ عن الأبطال الذين ساهموا في قيامها". ويؤكّد أنّ "تلك الأفكار حرّكت الإيديولوجيين ودفعتهم للقتال في سورية والعراق".
ولفت إلى أن "مفهوم عداء الغرب للإسلام، عاد إلى السطوع مجدّداً، بعد فترة من الانكماش، وشكّل عامل جذب للمقاتلين الأجانب، إضافة إلى العوامل الجغرافية التي يسّرت الانتقال. فالذهاب إلى سورية، كان يحصل إجمالاً عبر تركيا، ولا يحتاج إلى جواز سفر ولا حتى إلى ختم أي من مواطني الاتحاد الأوروبي".
وعرض نيومان خلال المحاضرة صورة له مع مقاتلين قابلهما على الحدود السورية التركية، أحدهما يدعى هشام من "جبهة النصرة" والثاني يدعى بشار، وكان يقاتل مع "داعش" سابقاً. ورجّح نيومان أن يكون بشار قد انضم إلى "جبهة النصرة"، كونه لم يوضح مع أي طرف يقاتل حالياً.
بعد حديثه معهما، شعر نيومان بالعلاقة القوية التي تجمعهما منذ 15 عاماً، وأنّ الرابط بينهما لا يقتصر على انتمائهما إلى تنظيم واحد، بل يعود إلى تاريخ من الصداقة والألفة، بدأت في سن صغيرة، حين ذهبا إلى المدرسة ذاتها.
وتستند علاقتهما إلى تلك الفترة الزمنية الطويلة التي أمضياها معاً حتى بنيا ثقة متينة. حاول نيومان من خلال تلك الصورة إظهار تأثير الأصدقاء بعضهم على بعض، وأنها "أكثر من مجرّد صور أو روايات تُعرض على وسائل التواصل الاجتماعي، التي يبقى لها دور في تمتين التواصل، خصوصاً حسابات الشخصيات الراديكالية. بيد أنّ التأثير الأكبر يبقى للأصدقاء، إذ يُمكن ملاحظة مجيء معظم المقاتلين في النرويج، من شارع واحد".
لماذا تحتاج "جبهة النصرة" أو "داعش" إلى أشخاص لا يتحدّثون اللغة العربية ولا يجيدون القتال أو أي شيء على الإطلاق، ويجهلون سورية تماماً ولا يربطهم بالقضية سوى الفكر الإيديولوجي؟ يجيب نيومان "لأنّ التحكّم بهؤلاء الأشخاص سهل، وتوكل إليهم غالبية عمليات الإعدام وقطع الرؤوس، في وقت يرفض فيه غالبية السوريين القيام بها بشكل عام".
وأخيراً تحدّث نيومان عن عودة نحو 5 إلى 10 في المائة من المقاتلين إلى بلادهم، والمصير الذي يؤولون إليه، مع التأكيد على موت نسبة منهم، وبقاء البعض في أماكن الصراع لتفضيله العيش في ظلّ "الخلافة الإسلامية". وتساءل عن إمكانية تحوّل العائدين إلى "إرهابيين" وارتكابهم أعمالاً إرهابية في الغرب. واستند إلى دراستين اعتمدتا في هذا المجال، توقّعت إحداهما أنّ واحداً من أربعة (نسبة) قد يصبح إرهابياً ويزداد خطره على المجتمع الذي يقيم فيه.
أمّا نيومان، فاعتبر أنّ "العديد من هؤلاء الأشخاص اختلطت عليهم الأمور، حتى أنّ الكثير منهم عبّر عن استيائه ورغبته بالعودة، لأنّ ما يجري ليس الجهاد الذي آمن به، كما صرّح بعض المقاتلين الأجانب عن رفض السوريين لهم ومطالبتهم بالرحيل عن أراضيهم". ودعا إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لإيقاف الشباب عن التوجه إلى سورية والعراق حتى لو اقتضى الأمر حجز جواز السفر أو إيقافهم.