المغرب: جديدُ خطاب العرش

06 اغسطس 2016

الملك وضع الطبقة السياسية المغربية أمام رهانات جديدة (Getty)

+ الخط -
حظي خطاب العرش، الأسبوع الماضي، للملك محمد السادس، باهتمام لافت، لمضامينه ورسائله إلى الطبقة السياسية المغربية، بمختلف مكوناتها. وللسياق العام الذي يندرج فيه، مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، والتي يُعوَّل عليها، لتوسيع هامش الانفتاح السياسي النسبي الذي يعرفه المغرب، والحسم في الانحياز نهائياً للاختيار الديمقراطي، بكل مقوماته المؤسساتية والسياسية، لا سيما في ظل ما يعرفه المحيط الإقليمي من فوضى وخرابٍ، بعد انتكاسة معظم ثورات الربيع العربي.
وعلى الرغم من الإصلاحات الدستورية والسياسية التي انخرط فيها المغرب، منذ 2011، وتوّجت بوصول الإسلام السياسي المعتدل إلى قيادة الحكومة، إلا أن الملك، في خطابه، يذكّر الجميع بالأسس الفكرية والإيديولوجية التي تنهض عليها مشروعية النظام السياسي المغربي. فهو وإنْ أكّد على أن ''المواطن هو الأهم في العملية الانتخابية، وليس الأحزاب والمرشحون. وهو مصدر السلطة التي يفوّضها لهم. وله أيضاً سلطة محاسبتهم، أو تغييرهم، بناء على ما قدّموه خلال مدة انتدابهم''، إلا أنه أحال، وبشكلٍ لا يخلو من دلالة، على ''روابط البيعة الوثقى والتلاحم المتين''، باعتبارها مورداً سياسياً ورمزياً، يعزّز المشروعية الدينية والتاريخية للنظام، ويؤكّد هويته الثقافية التقليدانية واستراتيجيته القائمة على التدرّج والاستيعاب الحذر والمتحكَّم فيه، لمختلف موارد التحديث السياسي الوافدة من البيئتين، الإقليمية والدولية.
قال الملكُ أيضاً إنه ''بصفته الساهر على احترام الدستور وحسن سير المؤسسات، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، فإنه لا يشارك في أي انتخاب، ولا ينتمي لأي حزبٍ". فهو ''ملكٌ لجميع المغاربة مرشحين، وناخبين، وكذلك للذين لا يصوتون''. يفتح هذا الكلام المجال أمام تأويلاتٍ متعدّدةٍ، تخص الملكية المغربية وطبيعتها وصلاحياتها وعلاقتها ببعض القوى السياسية. هل يعني ذلك أن القصر لم يعد يروقه ترويج حزب الأصالة والمعاصرة أنه ''حزب الدولة'' الذي يتوفّر على كل المقومات المادية والسياسية التي تخوّله مواجهة الإسلاميين، ومحاصرة خطابهم ومشروعهم، وبالتالي، هو الحزب الأقدر على قيادة المرحلة المقبلة، والاستجابة لتطلعات الناخبين وانشغالاتهم؟ هل باتت الملكية أكثر وعياً بضرورة مواكبة المتغيرات الحاصلة، والانتقال، بالتالي، إلى نظامٍ يتموقع في منطقةٍ وسطى بين الملكيتين، الدستورية والبرلمانية، أم إن ما قاله الملك لا يعني غير التأكيد على الطابعَيْن، التنفيذي والرئاسي، لملكيةٍ ما فتئت تعزّز مواقعها وصلاحياتها داخل البناء السياسي؟ هل قولُ الملك إن شخصه ''يحظى بمكانةٍ خاصة في النظام السياسي'' بمثابة تأكيدٍ على مركزية وظيفة ''التحكيم'' التي يضطلع بها، ضمن مشروعيةٍ تاريخيةٍ، لا تتأثر بالتحولات المجتمعية والثقافية؟ كل هذه الأسئلة تعيد إلى الواجهة، بصيغةٍ أو بأخرى، الطبيعة المزدوجة لبنية النظام السياسي المغربي، المنشغل دوماً بالبحث عن نقطة التوازن الكبرى التي تتيح للفاعلين التفاعل مع المتغيرات الحاصلة، باستيعابها وإعادة إنتاجها، بما يضمن عدم المساس بالطبيعة المحافظة للنظام.
الرسالة الأكثر دلالة، في الخطاب، كانت إلى رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، حين قال الملك محمد السادس إن ''ما يبعث على الاستغراب، أن البعض يقوم بممارساتٍ تتنافى مع مبادئ وأخلاقيات العمل السياسي، ويطلق تصريحات ومفاهيم تسيء لسمعة الوطن، وتمسّ بحرمة ومصداقية المؤسسات، في محاولةٍ لكسب أصوات وتعاطف الناخبين''، ما يعني أن حديث رئيس الحكومة، أخيراً، عن ''وجود دولتين في المغرب'' كان سوءَ تقدير سياسي غير محسوب، وفي غير توقيته، وربما قد يكلف حزب العدالة والتنمية غالياً على بعد شهرين من موعد الاستحقاق الانتخابي، وينعش هذا التصريح القوى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المتربصة بالإسلاميين، والتي لا ترغب في استمرارهم ولايةً حكوميةً أخرى.
يمكن القول إن ما جاء في الخطاب الملكي وضع الطبقة السياسية، بمختلف أطيافها، أمام رهاناتٍ جديدةٍ، ربما لم تكن واردةً لديها، خصوصاً فيما يتعلق بتأكيد الملك أنه يقف على المسافة نفسها من جميع الأحزاب والهيئات السياسية، والتي أضحت ملزمةً ''بتلافي استخدامه في أي صراعاتٍ سياسيةٍ أو حزبية''، ما قد يدفعها إلى إعادة ترتيب بدائلها واستراتيجياتها بشأن الانتخابات المقبلة.
دلالات