06 نوفمبر 2024
المغرب.. "حراك الريف" وأخطاء السلطة
كل يوم يمر على ما بات يسمى "حراك الريف" في المغرب يزيد شعبيته، فتتمدد تظاهراته، وتكبر مسيراته، فالقمع الذي تعرض له طيلة الأسبوع الماضي، وأدى إلى اعتقال من كانوا يوصفون بـأنهم "قادته" و"رموزه" لم يزده إلا قوة وتنظيما. فبعد الضربة القاسمة التي وجهتها السلطة لرمز الحراك، ناصر الزفزافي، المتابع حاليا بتهم ثقيلة، هو وأربعين من رفاقه أغلبهم في حالة اعتقال، لم تؤدِّ سوى إلى تقوية الحراك، وتأجيج تظاهراته التي باتت تخرج كل ليلة بعد صلاة التراويح، وفي أكثر من مدينة مغربية ترفع المطالب نفسها، وتردد الشعارات نفسها. وكان الغرض من حملة الاعتقالات الواسعة التي شنتها السلطات المغربية في صفوف نشطاء هذا الحراك، والمستمرة، ترهيب المتظاهرين وتخويفهم، باستهداف رؤوس "القادة" و"الرموز"، لكن العكس ما حصل، فكلما اعتقل "قائد" ظهر قائد ميداني جديد للحراك، بل و"قائدات" نساء مثل نوال بنعيسي، الأم لأربعة أبناء والتي سلمت نفسها للشرطة قبل أن يُخلى سبيلها، والفنانة سليمة الملقبة بسيليا التي اعتقلت وباتت أول امرأة تعتقل في هذا الحراك.
هل كانت القبضة الأمنية هي الحل لأطول "حراك شعبي" يعرفه المغرب، استمر بوتيرة لا تفتر أكثر من سبعة أشهر؟ يصعب الجواب في اللحظة الحالية، إلا أن معطيات تفيد بأنه كانت هناك خيارات أخرى أمام السلطة، لكن "الصقور الأمنيين" انتصروا في النهاية على كل دعوات التهدئة والحوار التي كانت تطالب بها عدة أطراف، وينادي بها المحتجون الذين التزموا السلمية طوال فترة تظاهراتهم. وبدلا من إزالة فتيل الاحتقان من خلال "ضربة القبضة الحديدية"، ارتفعت وتيرته، واشتدت حدة مطالبه، واتسعت رقعة انتشاره.
خطأ تبني المقاربة الأمنية التي أدت إلى نتائج عكسية، سبقته عدة أخطاء تراكمت على مدى
تسعة أشهر، منذ مقتل بائع السمك مفروما في حاوية زبالة، والذي كان حادث مقتله المأساوي شرارة اندلاع هذا الحراك. أكبر الأخطاء تغاضي السلطة عن الحراك، وعدم التعامل مع مطالبه وتظاهراته، فقد كانت تراهن على استنزافه من الداخل، معتمدة على عامل الوقت لإخماده بهدوء. وثمّة خطأ آخر، زاد من تأجيج غضب المحتجين ونقمتهم على السلطة، ويتمثل في التهميش المقصود للمتظاهرين، أو من يمثلهم في كل محاولات الحوار التي كانت السلطة تحاول فتحها، عندما كان وزراء من الحكومة ومسؤولون كبار في السلطة يجتمعون مع ممثلي أحزاب سياسية وهيئات مدنية لا علاقة لهم بالحراك، وليس لديهم أي امتداد شعبي أو قواعد في الشارع، ما دفع قادة الحراك الأساسيين إلى رفع سقف مطالبهم، والتوجه مباشرة إلى الملك، باعتباره السلطة الوحيدة القادرة على الاستجابة لمطالبهم، بعدما همّشتهم السلطات الأخرى واحتقرتهم. والخطأ الآخر الذي زاد من فقدان نشطاء الحراك الثقة في الحكومة وممثليها، غياب رئيس الحكومة عن كل الوفود الحكومية والرسمية التي توجهت إلى منطقتهم من أجل معالجة مشكلات الحراك.
وفي مقابل هذه الأخطاء التي تتراكم يوما بعد يوم، عرف الحراك في كل محطاته كيف يقوّي نفسه، ويعيد ترتيب صفوفه، ويستعيد توازنه وقوته، على الرغم من كل الضربات التي كانت توجه له. في البداية، جربت السلطة لغة القمع الجماعي للتظاهرات، ثم انتقلت إلى شن حملات إعلامية، بغرض تشويه أغراض الحراك وأهدافه وشيطنة قادته ورموزه، وأخيرا لجأت إلى الاعتقالات والتعنيف والقمع. وفي كل واحدةٍ من هذه المحطات، كان الحراك يخرج أقوى مما كان عليه، تزداد شعبيته ويتكاثر مناصروه ويرتفع عدد المشاركين في مسيراته الاحتجاجية التي باتت تستقطب جميع الشرائح، وتشارك فيها النساء والأطفال.
لن يؤدي الاستمرار في ارتكاب مزيد من الأخطاء غير المحسوبة العواقب سوى إلى تقوية الحراك واتساع رقعته وارتفاع سقف مطالبه، خصوصا إذا استمرت السلطة في حملة اعتقالاتها. ومع بدء المحاكمات التي سيواجه فيها المعتقلون تهما ثقيلةً، قد تصل عقوبة بعضها إلى الإعدام أو المؤبد، سوف يزداد الاحتقان، وتنتقل شرارته إلى مناطق أخرى، في ظل الوضع الهش الذي تعيشه أكثر من منطقة مغربية، يعيش سكانها في ظروف عيش أسوأ بكثير من التي خرج سكان منطقة الريف للاحتجاج عليها.
كان من بين الأخطاء القاتلة التي أدت إلى إطاحة نظام بن علي في تونس عام 2011 مراهنته على الخيار الأمني لإجهاض التظاهرات التي بدأت صغيرةً في منطقة سيدي بوزيد، قبل أن تتمدد مثل بقعة زيت، لتشمل كل التراب التونسي، وتتحول إلى ثورة هزت أركان النظام وأسقطت رأسه.
عامل الوقت مهم في تدبير الأزمات، والسرعة في اتخاذ القرارات، ومعرفة متى يمكن تقديم
التنازلات التي قد تتحول إلى مكتسبات، هما من فنون إدارة الأزمات قبل أن تتحول إلى كوارث يصعب احتواء تداعياتها، والحد من انعكاساتها السلبية. وما تفتقده اليوم أزمة "حراك الريف" في المغرب هو إعادة بناء الثقة بين السلطة والمحتجين الذين أصبحوا يتوجهون بخطابهم مباشرة إلى الملك، بعد أن فقدوا الثقة في كل المؤسسات والوسائط التي كان يمكن أن تلعب دور كابح الصدمات في مثل هذه الحالات. في السابق، كان الحراك يرفع مطالب اجتماعية محضة، واليوم أصبح له شرط أساسي، هو إطلاق سراح المعتقلين كافة قبل أي حوار، وسبب هذا "التصعيد" تتحمله الجهة التي أمرت بالمرور إلى خيار المقاربة الأمنية التي يبدو أنها فشلت حتى الآن، بما أنها لم تخمد التظاهر، وإنما زوّدته بذخيرةٍ حية، زادت من تأجيج شعلته، وقد آن الأوان لسحب فتيله، قبل أن يتحول إلى قنبلة قابلة للانفجار، ومتى وقع سوف يأتي على الأخضر واليابس.
هل كانت القبضة الأمنية هي الحل لأطول "حراك شعبي" يعرفه المغرب، استمر بوتيرة لا تفتر أكثر من سبعة أشهر؟ يصعب الجواب في اللحظة الحالية، إلا أن معطيات تفيد بأنه كانت هناك خيارات أخرى أمام السلطة، لكن "الصقور الأمنيين" انتصروا في النهاية على كل دعوات التهدئة والحوار التي كانت تطالب بها عدة أطراف، وينادي بها المحتجون الذين التزموا السلمية طوال فترة تظاهراتهم. وبدلا من إزالة فتيل الاحتقان من خلال "ضربة القبضة الحديدية"، ارتفعت وتيرته، واشتدت حدة مطالبه، واتسعت رقعة انتشاره.
خطأ تبني المقاربة الأمنية التي أدت إلى نتائج عكسية، سبقته عدة أخطاء تراكمت على مدى
وفي مقابل هذه الأخطاء التي تتراكم يوما بعد يوم، عرف الحراك في كل محطاته كيف يقوّي نفسه، ويعيد ترتيب صفوفه، ويستعيد توازنه وقوته، على الرغم من كل الضربات التي كانت توجه له. في البداية، جربت السلطة لغة القمع الجماعي للتظاهرات، ثم انتقلت إلى شن حملات إعلامية، بغرض تشويه أغراض الحراك وأهدافه وشيطنة قادته ورموزه، وأخيرا لجأت إلى الاعتقالات والتعنيف والقمع. وفي كل واحدةٍ من هذه المحطات، كان الحراك يخرج أقوى مما كان عليه، تزداد شعبيته ويتكاثر مناصروه ويرتفع عدد المشاركين في مسيراته الاحتجاجية التي باتت تستقطب جميع الشرائح، وتشارك فيها النساء والأطفال.
لن يؤدي الاستمرار في ارتكاب مزيد من الأخطاء غير المحسوبة العواقب سوى إلى تقوية الحراك واتساع رقعته وارتفاع سقف مطالبه، خصوصا إذا استمرت السلطة في حملة اعتقالاتها. ومع بدء المحاكمات التي سيواجه فيها المعتقلون تهما ثقيلةً، قد تصل عقوبة بعضها إلى الإعدام أو المؤبد، سوف يزداد الاحتقان، وتنتقل شرارته إلى مناطق أخرى، في ظل الوضع الهش الذي تعيشه أكثر من منطقة مغربية، يعيش سكانها في ظروف عيش أسوأ بكثير من التي خرج سكان منطقة الريف للاحتجاج عليها.
كان من بين الأخطاء القاتلة التي أدت إلى إطاحة نظام بن علي في تونس عام 2011 مراهنته على الخيار الأمني لإجهاض التظاهرات التي بدأت صغيرةً في منطقة سيدي بوزيد، قبل أن تتمدد مثل بقعة زيت، لتشمل كل التراب التونسي، وتتحول إلى ثورة هزت أركان النظام وأسقطت رأسه.
عامل الوقت مهم في تدبير الأزمات، والسرعة في اتخاذ القرارات، ومعرفة متى يمكن تقديم