المعلومات السرية من الرئيس الأميركي دونالد ترامب لروسيا: هل تكون الضربة القاضية؟
أصبحت قصة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مع ملف القرصنة الروسية في الانتخابات الأميركية، مثل اللازمة في الأغنية الشعبية، التي تتكرر بصورة دورية عند كل محطة ومفصل. مرة تأتي في سياق التسريبات المتواصلة حول خفاياها، ومرة يساهم الرئيس أو أحد كبار مساعديه في استحضارها.
آخر حلقة كانت من الصنف الثاني، حينما أبلغ ترامب الأسبوع الماضي ضيفه وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف وبرفقته السفير الروسي في واشنطن، سيرغي كيسيلياك، خلال اجتماعه بهما في البيت الأبيض "معلومات سرية متعلقة بتنظيم "داعش"، وصلته عن طريق أحد الحلفاء"، حسب رواية صحيفة "واشنطن بوست" مساء أمس الإثنين.
كان للخبر وقع القنبلة، وشغل الإعلام والكونغرس ونخب السياسة الخارجية، ليضيف مادة جديدة إلى الجدل الدائر حول الملف الروسي كما حول شطحات الرئيس وعواقبها الأمنية والسياسية والخارجية.
البيت الأبيض لم ينف القصة بصورة قاطعة، وعمل فقط على التخفيف من أثرها. وفي بيانه حول الموضوع، شدد مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي الجنرال هربرت ماكماستر على أن الرئيس لم يكشف عن "مصدر المعلومات وطريقة الحصول عليها". ويعني ذلك أنه كشف عن مضمونها، الذي يعتقد مراقبون أن مصدرها بريطاني وليس إسرائيليا على الأرجح.
ويظل السؤال هو لماذا تبرّع الرئيس بهذه الخدمة الاستخباراتيىة للروس؟ لاسيما أنها تتعلق بساحة لا شراكة أميركية – روسية فيها، وفي وقت وصل فيه "تردي العلاقات وتدني الثقة بيننا إلى أسوأ درجاته منذ نهاية الحرب الباردة" كما جاء على لسان وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، بعد يومين من زيارة لافروف. فهل في الأمر مبادلة أم "قلة خبرة"؟
الردود ترجح الاحتمال الثاني، فالرئيس "ربما أراد إبهار الروس وبما يعزز احتمال تعاونهم مع إدارته" في سورية، على ما يرى السفير الأميركي السابق في موسكو، مايكل ماكفول. أو أنه ربما تطوع في الإفصاح للروس "وبصورة عفوية جرياً على عادته ومن دون التشاور المسبق مع الجهات الاستخباراتية المعنية"؛ خاصة وأنه "ليس في البيت الأبيض من يقوى على ضبط تصرفاته" المفتقرة إلى الخبرة.
لكن الردود والقراءات لم يخل ما بين سطورها من التلميح إلى أن المسالة فيها ما هو أكثر من ضعف خبرة ومراس، وكأن في المسألة ما يعزز الشكوك بعلاقة فريقه الانتخابي مع الروس وإلا فلماذا هذا التكرّم وإطلاعهم على معلومات حساسة؟
وفي كل حال أثار البوح عاصفة من الانتقادات، شاركت فيها سائر الأوساط والجهات والتلاوين السياسية، من باب أن ما جرى سابقة خطيرة، خاصة في الظرف الراهن. صحيح أن للرئيس صلاحية نزع الصفة السرية عن المعلومات، لكن ذلك لا بد من أن يجري "وفق تصور هادف وبالتنسيق مع الدوائر المختصة لتحقيق الغرض منها".
وزاد من الضيق أن خطوته هذه جاءت على خلفية من "التصرفات وسوق المزاعم المخالفة للوقائع" والتي كان آخرها إقالة مدير مكتب التحقيقات الفدرالي "اف بي آي"، جيمس كومي، الأسبوع الماضي. وفي هذا السياق، بدأت تتصاعد عبارات التعب من نهج الرئيس، خاصة في صفوف الجمهوريين، الذين يتعرضون لضغوط متزايدة تحث على ضرورة "التصدي" للرئيس الذي بات يشكل "خطراً على الأمن القومي ويسيء ممارسة السلطة" بتعبير أستاذ القانون الدستوري في جامعة "هارفارد"، لورانس ترايب، الذي دعا الكونغرس إلى البدء بالتحقيق السياسي مع الرئيس.
وثمة من بدأ يتحدث بالتلميح أو بالتصريح بلغة "بداية النهاية" كما قال أحد المعلقين في برنامح تلفزيوني، وحتى في مجلس الشيوخ ارتفعت أصوات من الجمهوريين تنذر بمثل هذا الاحتمال. "البيت الأبيض يهبط نزولاً بصورة لولبية" يقول السناتور الجمهوري الوسطي ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، بوب كوركر، ويضيف: "إن (تسليم الروس معلومات سرية) خلق بيئة مقلقة".
متاعب رئاسة ترامب الروسية مثل الصداع النصفي؛ ما أن تغيب نوباته حتى تعود وتتجدد بصورة شبه دورية، وكأنه لا نهاية لروتينها. الفارق في هذا الصداع أنه يتراكم ليرمي بثقله على رئاسته ويهددها بشلل نصفي إن لم يكن بأكثر وأخطر. فمنذ بداية رئاسته بالكاد مرّ أسبوع أو أقل من دون انفجار قنبلة روسية تعزز الظنون بوجود علاقة مشتبهة فيها بين فريقه الانتخابي وموسكو. ولو أن الأدلة على مثل هذه العلاقة ما زالت ظرفية وليست مؤكدة. فالنبش في هذا الملف لم يتوقف، بل لن يتوقف على ما يبدو، طالما أن منجم التسريبات مفتوح، ليس فقط من جانب الدوائر الاستخباراتية بل أيضاً من داخل البيت الأبيض. الأمر الذي يشير إلى وجود هوة عاصية على الردم بين هذه الرئاسة ومحيطها.
وكأن في الأمر معركة تصفية حسابات لم تبلغ نهاياتها بعد. وما يؤذي أكثر في هذا التطور أنه انكشف عشية جولة خارجية هامة للرئيس. "بوحه بالسر الذي ائتمنه عليه حليف، من شأنه أن يجعل أي حليف آخر متردداً في تسليم واشنطن ما لديه من أسرار"، حسب أحد المعلقين. إعطاء الروس معلومات من هذا الصنف، صب الزيت على نار أزمة ترامب المشتعلة أصلاً.