15 نوفمبر 2019
المعقولية واللامعقولية في الخطاب السياسي الفلسطيني
باسم عثمان
أي خطاب فلسطيني، رسمي أو غير رسمي، في محفل دولي أو سواه يتعلق بالحالة الفلسطينية الراهنة، ولا يستند إلى رؤية نقدية لواقع الحال، وتجديدية في أولوياتها ومسارها السياسي في بلورة رؤية وطنية استراتيجية، لا تنطلق من المحدد السياسي، بغض النظر عما يحمله هذا الخطاب من مصطلحات وتعابير "استنهاضية توصيفية" وعاطفية شعبوية، هو مراهقة سياسية، همّها الأساس، مصالحها وامتيازاتها الفئوية الاجتماعية، وهو بمثابة بوليصة تأمين على حياتها واستمرارها ومصالحها.
أي خطاب يفتقر إلى الإرادة السياسية وتوصيفاتها البرنامجية في لملمة ما تبقى من نزيف الجسد الفلسطيني وتشرذمه المتواصل جرّاء عبثية "اللعبة والمناورات السياسية" ونتائجها الكارثية على المشروع الوطني الفلسطيني ووحدة قضيته وحقوقه الثابتة هو مجرّد هراء استعراضي، نتيجة الإفلاس السياسي والانبطاح الاستسلامي.
تفاقم الحالة الفلسطينية وانحسارها وتدني مستوى أدائها السياسي والدبلوماسي والاجتماعي المدني، كل ذلك يتطلب بالضرورة الارتقاء عن المهاترات السياسية والخطابات الاستهلاكية، وأي بيان أو
خطاب فلسطيني (رسمي أو تعبوي جماهيري) يجب أن ينطلق من المحدّدات السياسية أولا: إلغاء اتفاق أوسلو وكل التزاماته واستحقاقاته السياسية والأمنية والاقتصادية، سحب الاعتراف الرسمي بدولة إسرائيل إلى حين اعترافها بالدولة الفلسطينية على حدود 4 يونيو/ حزيران 1967، الدعوة فورا إلى حوار وطني فلسطيني شامل يضم كل القوى السياسية والفاعلة الجماهيرية، بلورة رؤية وطنية استراتيجية توافقية توحد الشعب الفلسطيني، سياسيا وتمثيليا وحقوقيا، وتكفل استنهاض قواه من خلال آليات عمل ميدانية، وعلى الأرض، وليس من تحت الطاولة.
هذه الخطابات السياسية الاستعراضية والشعبوية، والتي تستخف بوعي الجماهير الفلسطينية إعلاميا لا محل لها من الإعراب إلا في قاموس سوق النخاسة السياسية، والتي أوصلت الجماهير الفلسطينية إلى حالةٍ من اليأس والإحباط والاغتراب السياسي عن ذاتها وقضيتها والتنكر لقيادتها السياسية الرسمية.
فإذا كانت الانتخابات البرلمانية الفلسطينية أولوية برأي رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، وهو على حق في طرحه، حيث إنها استحقاق وطني، ومن أولويات التجديد في الحياة السياسية الفلسطينية وبوابة لطي صفحة الانقسام الداخلي ومدخل أساس لاستعادة الوحدة الوطنية ووحدة النظام السياسي الفلسطيني، لكنها تتطلب إطلاق أجندة الحوار الوطني الشامل فورا للتوافق وطنيا على أسسها وترتيبها ومعاييرها. وإذا اعتبرنا أن الانتخابات البرلمانية والرئاسية الفلسطينية أولوية وطنية وبجدارة، فهذا يستدعي، وعلى الفور، التحرّر من قيود النقيض السياسي والأخلاقي لهذا الاستحقاق الوطني والديمقراطي، وهو اتفاق أوسلو واستحقاقاته فلسطينيا، والعودة إلى الإجماع الوطني التوافقي والتزاماته البديلة، والبدء في تطبيقه ميدانيا، واستنهاض الروافع والآليات البرنامجية (اجتماعيا واقتصاديا) للشعب الفلسطيني نحو عصيان وطني شامل كخيار بديل عن خيار المفاوضات العقيمة في ظل موازين قوى مختلة لصالح المشروع الأميركي الإسرائيلي المعادي، والتحرّك الدبلوماسي عالميا لتدويل القضية الفلسطينية، لكي يتحمّل المجتمع الدولي مسؤولياته القانونية والأممية والإنسانية تجاه الشعب الفلسطيني.
بينما الحديث المتكرّر إعلاميا عن إلغاء الاتفاق وملحقاته، إذا أقدمت إسرائيل على ضم الغور وشمال البحر الميت! هو بحد ذاته تجاهلٌ متعمد لما يجري من حقائق على الأرض، حيث عملية الضم والاستيطان والتهويد تسير على خطى ثابتة، وهو محاولة يائسة لكسب مزيد من الوقت والرهان على بقايا "أوسلو" وخيار المفاوضات وعلى الغير بانتظار ما ستقدمه الانتخابات الإسرائيلية والانتخابات الأميركية المقبلة من "أضغاث أحلام".
بات موقف السلطة الرسمية الفلسطينية، والذي عبر عنه خطاب الرئيس عباس في الجمعية العمومية للأمم المتحدة واضحا، لا لخطوة تصعيدية في وجه الاحتلال وسياساته، وإنما الاستسلام للأمر الواقع والامتثال لسياسة "حرب المواقع الثابتة". وأمام هذا المشهد من الحالة الفلسطينية الراهنة، تبرز الحاجة الملحّة لتبني استراتيجية فلسطينية شاملة، تعمل على استنهاض كل عناصر القوة داخل المجتمع الفلسطيني وإعادة الاعتبار لقضيته الوطنية وترتكز على فكرة مواصلة النضال والمقاومة بكل أشكالها، بحيث إذا أخفق مسار كفاحي معين يتوجب تبني مسار بديل، وأن يتأسّس برنامج النضال الوطني على فكرة تعزيز صمود الشعب الفلسطيني فوق أرضه، وممارسة كل أشكال المقاومة والنضال ضد كل تجليات سياسات الاحتلال الاستيطانية والضم الزاحف، وأن تتواكب المقاومة الوطنية الفلسطينية في مساراتها الموازية والمتصلة على امتداد جغرافية الوجود الفلسطيني في الداخل والشتات، فإذا كان الهدف المعلن لفلسطينيي الأرض المحتلة هو إقامة دولة مستقلة، وكانت مطالب فلسطينيي 1948 هي المساواة والعدالة وضد سياسة التمييز العنصري، ومطالب فلسطينيي الشتات هي العودة؛ فإن الاستراتيجية الفلسطينية الشاملة يجب أن تتضمن هذه الأهداف العادلة، وتصوغ برامجها الكفاحية على أساسها، بحيث تحافظ على وحدة الشعب وقضيته من خلال وحدة حقوقه لأن تهميش أي فئة من فئات الشعب الفلسطيني داخل الوطن أو خارجه ستؤدي إلى تقويض الهوية الوطنية الجامعة.
تم نعي "أوسلو" منذ زمن طويل، بمرحلتيه، الانتقالية والنهائية، ولمن سارع إلى الاحتفال بموت
"صفقة ترامب" وهزيمة نتنياهو، وهنا المراهقة السياسية بعينها، حيث إن "الصفقة الترامبية" تطبق على الأرض، وتخلق واقعًا ستكرسه أي حكومة إسرائيلية قادمة، سواء أكانت حكومة وحدة وطنية برئاسة نتنياهو أم غيره، حتى وإن تأخر إعلانها في حالة توجه "إسرائيل" إلى انتخابات ثالثة، وتغير الأشخاص لا يعني بالمطلق الاختلاف على جوهر المشروع الصهيوني المناقض تماما للمشروع الوطني الفلسطيني. لذلك الرهان على الغير من فتات مكرماته هو محض إفلاس سياسي وانحطاط فكري.
لا بد للفلسطينيين من الانتقال، وبإرادة سياسية ووطنية عالية، إلى مرحلة جديدة ونوعية، مرحلة ما بعد "أوسلو"، بعد طيه واستحقاقاته، وأن نحتكم إلى قوة الجمهور الفلسطيني وإرادته السياسية، أولا وأخيرا، وألا نقلد ما تمارسه الانتظارية السلطوية الفلسطينية من سياسات ومواقف، شاء من شاء وأبى من أبى.
الفلسطينيون أحوج للقيام بمراجعة نقدية وطنية شاملة لكل سياساتهم وبرامجهم وتحالفاتهم الداخلية والخارجية، والضغط على "طرفي نكبة فلسطين الثانية" من الانقساميين والانتهازيين و"المصلحجيين"، للعودة إلى رشدهم الوطني، وتغليب مصلحة القضية الوطنية وحقوقها على أجنداتهم الليبرالية والسلطوية الفئوية.
المراجعة النقدية الشاملة للحالة الفلسطينية وتجديدها استحقاق وطني بامتياز، وبغض النظر، أكان هذا التغييرُ والتجديد نتاجًا لمراجعةٍ فكريّة أمْ نتاجًا لهزيمةٍ سياسية أو انهيار معنويّ، وما هو حقيقته وأسبابه، الأهم في ذلك: نتائجه، خصوصا إذا طاول هذا التغيير والتجديد في الحالة الفلسطينية الموقف من المستعمر وسياساته، وأبجديات الحراك الوطني الفلسطيني وأولوياته في مواجهة الاحتلال ومستعمريه.
الحدّ الفاصل بين المراجعة النقدية لمسيرة العمل والتجربة النضالية من جهة، والاستسلام المطلق للانتكاسات السياسية والانبطاح أمامها من جهة أخرى، هو: القراءة الجيدة لمتطلبات المرحلة والتخلي عن امتيازات الذات للصالح العام، لأنه لا حلّ وسطيًّا، على المستويات كلها، النظريّ والإيديولوجي والسياسي، بين المبدئية زمنَ الانتكاسات والانبطاحية زمنَ الهزيمة، الثبات والاستسلام لا يلتقيان.
تفاقم الحالة الفلسطينية وانحسارها وتدني مستوى أدائها السياسي والدبلوماسي والاجتماعي المدني، كل ذلك يتطلب بالضرورة الارتقاء عن المهاترات السياسية والخطابات الاستهلاكية، وأي بيان أو
هذه الخطابات السياسية الاستعراضية والشعبوية، والتي تستخف بوعي الجماهير الفلسطينية إعلاميا لا محل لها من الإعراب إلا في قاموس سوق النخاسة السياسية، والتي أوصلت الجماهير الفلسطينية إلى حالةٍ من اليأس والإحباط والاغتراب السياسي عن ذاتها وقضيتها والتنكر لقيادتها السياسية الرسمية.
فإذا كانت الانتخابات البرلمانية الفلسطينية أولوية برأي رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، وهو على حق في طرحه، حيث إنها استحقاق وطني، ومن أولويات التجديد في الحياة السياسية الفلسطينية وبوابة لطي صفحة الانقسام الداخلي ومدخل أساس لاستعادة الوحدة الوطنية ووحدة النظام السياسي الفلسطيني، لكنها تتطلب إطلاق أجندة الحوار الوطني الشامل فورا للتوافق وطنيا على أسسها وترتيبها ومعاييرها. وإذا اعتبرنا أن الانتخابات البرلمانية والرئاسية الفلسطينية أولوية وطنية وبجدارة، فهذا يستدعي، وعلى الفور، التحرّر من قيود النقيض السياسي والأخلاقي لهذا الاستحقاق الوطني والديمقراطي، وهو اتفاق أوسلو واستحقاقاته فلسطينيا، والعودة إلى الإجماع الوطني التوافقي والتزاماته البديلة، والبدء في تطبيقه ميدانيا، واستنهاض الروافع والآليات البرنامجية (اجتماعيا واقتصاديا) للشعب الفلسطيني نحو عصيان وطني شامل كخيار بديل عن خيار المفاوضات العقيمة في ظل موازين قوى مختلة لصالح المشروع الأميركي الإسرائيلي المعادي، والتحرّك الدبلوماسي عالميا لتدويل القضية الفلسطينية، لكي يتحمّل المجتمع الدولي مسؤولياته القانونية والأممية والإنسانية تجاه الشعب الفلسطيني.
بينما الحديث المتكرّر إعلاميا عن إلغاء الاتفاق وملحقاته، إذا أقدمت إسرائيل على ضم الغور وشمال البحر الميت! هو بحد ذاته تجاهلٌ متعمد لما يجري من حقائق على الأرض، حيث عملية الضم والاستيطان والتهويد تسير على خطى ثابتة، وهو محاولة يائسة لكسب مزيد من الوقت والرهان على بقايا "أوسلو" وخيار المفاوضات وعلى الغير بانتظار ما ستقدمه الانتخابات الإسرائيلية والانتخابات الأميركية المقبلة من "أضغاث أحلام".
بات موقف السلطة الرسمية الفلسطينية، والذي عبر عنه خطاب الرئيس عباس في الجمعية العمومية للأمم المتحدة واضحا، لا لخطوة تصعيدية في وجه الاحتلال وسياساته، وإنما الاستسلام للأمر الواقع والامتثال لسياسة "حرب المواقع الثابتة". وأمام هذا المشهد من الحالة الفلسطينية الراهنة، تبرز الحاجة الملحّة لتبني استراتيجية فلسطينية شاملة، تعمل على استنهاض كل عناصر القوة داخل المجتمع الفلسطيني وإعادة الاعتبار لقضيته الوطنية وترتكز على فكرة مواصلة النضال والمقاومة بكل أشكالها، بحيث إذا أخفق مسار كفاحي معين يتوجب تبني مسار بديل، وأن يتأسّس برنامج النضال الوطني على فكرة تعزيز صمود الشعب الفلسطيني فوق أرضه، وممارسة كل أشكال المقاومة والنضال ضد كل تجليات سياسات الاحتلال الاستيطانية والضم الزاحف، وأن تتواكب المقاومة الوطنية الفلسطينية في مساراتها الموازية والمتصلة على امتداد جغرافية الوجود الفلسطيني في الداخل والشتات، فإذا كان الهدف المعلن لفلسطينيي الأرض المحتلة هو إقامة دولة مستقلة، وكانت مطالب فلسطينيي 1948 هي المساواة والعدالة وضد سياسة التمييز العنصري، ومطالب فلسطينيي الشتات هي العودة؛ فإن الاستراتيجية الفلسطينية الشاملة يجب أن تتضمن هذه الأهداف العادلة، وتصوغ برامجها الكفاحية على أساسها، بحيث تحافظ على وحدة الشعب وقضيته من خلال وحدة حقوقه لأن تهميش أي فئة من فئات الشعب الفلسطيني داخل الوطن أو خارجه ستؤدي إلى تقويض الهوية الوطنية الجامعة.
تم نعي "أوسلو" منذ زمن طويل، بمرحلتيه، الانتقالية والنهائية، ولمن سارع إلى الاحتفال بموت
لا بد للفلسطينيين من الانتقال، وبإرادة سياسية ووطنية عالية، إلى مرحلة جديدة ونوعية، مرحلة ما بعد "أوسلو"، بعد طيه واستحقاقاته، وأن نحتكم إلى قوة الجمهور الفلسطيني وإرادته السياسية، أولا وأخيرا، وألا نقلد ما تمارسه الانتظارية السلطوية الفلسطينية من سياسات ومواقف، شاء من شاء وأبى من أبى.
الفلسطينيون أحوج للقيام بمراجعة نقدية وطنية شاملة لكل سياساتهم وبرامجهم وتحالفاتهم الداخلية والخارجية، والضغط على "طرفي نكبة فلسطين الثانية" من الانقساميين والانتهازيين و"المصلحجيين"، للعودة إلى رشدهم الوطني، وتغليب مصلحة القضية الوطنية وحقوقها على أجنداتهم الليبرالية والسلطوية الفئوية.
المراجعة النقدية الشاملة للحالة الفلسطينية وتجديدها استحقاق وطني بامتياز، وبغض النظر، أكان هذا التغييرُ والتجديد نتاجًا لمراجعةٍ فكريّة أمْ نتاجًا لهزيمةٍ سياسية أو انهيار معنويّ، وما هو حقيقته وأسبابه، الأهم في ذلك: نتائجه، خصوصا إذا طاول هذا التغيير والتجديد في الحالة الفلسطينية الموقف من المستعمر وسياساته، وأبجديات الحراك الوطني الفلسطيني وأولوياته في مواجهة الاحتلال ومستعمريه.
الحدّ الفاصل بين المراجعة النقدية لمسيرة العمل والتجربة النضالية من جهة، والاستسلام المطلق للانتكاسات السياسية والانبطاح أمامها من جهة أخرى، هو: القراءة الجيدة لمتطلبات المرحلة والتخلي عن امتيازات الذات للصالح العام، لأنه لا حلّ وسطيًّا، على المستويات كلها، النظريّ والإيديولوجي والسياسي، بين المبدئية زمنَ الانتكاسات والانبطاحية زمنَ الهزيمة، الثبات والاستسلام لا يلتقيان.
مقالات أخرى
20 أكتوبر 2019
01 أكتوبر 2019
19 سبتمبر 2019