ونشرت وسائل إعلام النظام صورا لبشار الأسد مع عدد من ضباطه وعناصره أثناء زيارة له لـ"نقاط" قالت إنها في بلدة مرج السلطان كانت استعادتها قواته في بدايات العام الجاري في القطاع الجنوبي من الغوطة الشرقية لدمشق، منها مطار مروحيات بقي نحو ثلاث سنوات تحت سيطرة قوات المعارضة.
ولم تمض ساعات على زيارة الأسد لقواته، حتى أعلن إسلام علوش، وهو المتحدث باسم جيش الإسلام أكبر فصائل المعارضة في الغوطة الشرقية، إسقاط مروحية تابعة لقوات الأسد في سماء بلدة البحارية في الغوطة الشرقية، مساء الأحد، بعد استهدافها بصاروخ موجه من منظومة "الأوسا" التي غنمها جيش الإسلام من قوات النظام في عام 2013.
وتعد مدن وبلدات غوطة دمشق من أولى المناطق السورية التي أعلنت الثورة على نظام الأسد في عام 2011، حيث خرجت بمظاهرات حاشدة، خصوصا في دوما كبرى مدن الغوطة، وحرستا، وعربين، وحمورية، وسقبا، والمليحة وسواها من البلدات، فواجهها النظام بـ"قسوة مفرطة" مرتكباً مجازر.
وبدأت الغوطة تخرج عن سيطرة نظام الأسد في عام 2012، الذي لم ينته إلا وكانت مناطق واسعة في شرق دمشق تحت سيطرة المعارضة المسلحة، التي هددت النظام داخل العاصمة دمشق إثر سيطرتها على حي جوبر، ما دفع النظام إلى استخدام السلاح الكيماوي في منتصف عام 2013، حيث قتل آلاف المدنيين جلّهم أطفال خلال ساعات، في محاولة لتطويق فصائل المعارضة داخل الغوطة.
وفرض النظام حصارا على غوطة دمشق الشرقية منذ نحو أربع سنوات، ما تسبب في كوارث إنسانية، حيث توفي أطفال ومسنون جوعا وبردا، كما واصل ارتكاب المجازر بحق آلاف المدنيين الذين فضّلوا البقاء في مدنهم وبلداتهم على النزوح والهجرة، وصولا إلى الثلاثين من شهر أيلول/سبتمبر الماضي، حيث انضم الطيران الروسي إلى مقاتلات النظام في ارتكاب المجازر في الغوطة.
ولا تزال مدن وبلدات الغوطة الشرقية تعاني تبعات الحصار الطويل المفروض عليها من قبل قوات النظام ومليشيات طائفية متعددة مدعومة من إيران، حيث يشير نزار الصمادي، وهو ناشط سياسي وعضو في نقابة المهندسين السوريين الأحرار، إلى أن هناك نقصاً شديداً في المواد الغذائية والأدوية واللقاحات. مؤكداً، في حديث مع "العربي الجديد" من داخل الغوطة، أن "مساعدات الأمم المتحدة الغذائية التي دخلت مؤخرا إلى بعض مدن وبلدات الغوطة لا تكفي إلا لأعداد قليلة، ولفترات متباعدة"، موضحا أن هذه المساعدات بمثابة "رفع عتب"، لافتا إلى أن النظام "مازال متعنتا في السماح بدخول القوافل الإنسانية إلى الغوطة الشرقية لدمشق".
وأشار الصمادي إلى أن بعض المواد الغذائية الموجودة في الأسواق "تدخل عبر التهريب، أو من خلال دفع (أتاوات) كبيرة لحواجز قوات النظام التي تحاصر الغوطة"، مبينا أن "أسعارها مرتفعة، ولا يستطيع المحاصرون شراءها بسبب البطالة"، مشيرا إلى أن في الغوطة الشرقية – بما فيها حي جوبر الدمشقي- الآن 92000 عائلة، تعدادها أكثر من 460000 نسمة.
وقلل الصمادي من أهمية الزيارة التي قام بها بشار الأسد إلى الأطراف الجنوبية لغوطة دمشق الشرقية، واصفا المحاولة بـ"اليائسة"، لـ"رفع معنويات شبيحته ومؤيديه لا أكثر".
ويرى أن للغوطة الشرقية أهمية استراتيجية للنظام والمعارضة، مضيفا: قربها من العاصمة دمشق يعطيها أهمية ليس لغيرها من مناطق ريف دمشق، ومن يفرض سيطرته عليها يسيطر على طرق رئيسية، أبرزها: طريق دمشق حمص في وسط البلاد، والطريق من العاصمة إلى مطارها.
من جانبه، أوضح المحلل العسكري العقيد مصطفى بكور، أن الغوطة الشرقية "مهمة للنظام والمعارضة على حد سواء". مشيرا، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى احتوائها على عدد "لا يستهان به من القطعات العسكرية والمطارات، مثل مطار دمشق الدولي"، مضيفا: "يعد هذا المطار أحد أهم شرايين البقاء للنظام، حيث يستقبل الطائرات الروسية والإيرانية التي تنقل السلاح والعتاد والمرتزقة إلى سورية لمساعدة قوات النظام، إضافة إلى مطار السين العسكري الذي يضم مجموعة من أحدث الطائرات العسكرية التي تستخدم ضد المدنيين والثوار".
وأشار بكور، وهو عقيد طيار منشق عن جيش النظام، إلى أن الغوطة الشرقية "تعد معبرا مهما للمليشيات العراقية الطائفية باتجاه الداخل السوري"، مضيفا: "كما تعد الغوطة الشرقية معبرا في الاتجاهين بين ريف حمص الجنوبي والشرقي، والقلمون الشرقي والغوطة، مرورا بمطار التيفور العسكري، وصولا إلى تدمر، حيث يمر منها الطريق الدولي دمشق تدمر دير الزور"، موضحا "أن الغوطة الشرقية تضم العديد من المنشآت الاقتصادية الهامة مثل محطة تشرين الحرارية لتوليد الكهرباء".
وتفرض فصائل المعارضة سيطرتها على مساحة كبيرة من غوطة دمشق الشرقية، بدءا من حي جوبر على أطراف دمشق، مرورا بمدن: عين ترما، وحزة، كفربطنا، جسرين، سقبا، زملكا، عربين، حمورية، بيت سوى، الأشعري، بيت نايم، المحمدية، بيت نايم، أوتايا، حزرما، الشيفونية، الريحان، حوش نصري، حوش الضواهرة، حوش الفارة، دوما، مسرابا، مديرا، بيت سوا، حرستا، تل كردي، تل الصوان، وانتهاء ببلدة النشابية. فيما تسيطر قوات النظام ومليشيات طائفية تساندها على ما تبقّى من مدن وبلدات خلت من سكانها، خاصة تلك القريبة من مطار دمشق الدولي، منها: المليحة، دير العصافير، دير سلمان، وزبدين، وحتيتة التركمان، مرج السلطان، البلالية، العبادة، الزمانية، القيسا، وسواها من بلدات.
ويعد جيش الإسلام، وفيلق الرحمن، وجيش الفسطاط، أهم فصائل المعارضة السورية المسلحة في غوطة دمشق الشرقية، وتتوزع السيطرة عليها منذ سنوات، ولكنها دخلت في احتراب داخلي لمدة 25 يوما أدى إلى مقتل المئات من مقاتليها، قبل أن توقع اتفاق مصالحة منذ نحو شهر، أنهى مرحلة صعبة كادت أن تدفع الغوطة ثمناً كبيراً جراء "اقتتال الإخوة" فيما بينهم، حيث استغلت قوات النظام والمليشيات الطائفية الخلاف الدموي، وتقدمت في القطاع الجنوبي من الغوطة، مستعيدة عدة مواقع، ما دفع مدنيين إلى النزوح إلى داخل مناطق المعارضة.