المعارضة المسلّحة في سورية والتحالف ضد "داعش"

09 سبتمبر 2014
سيصل الدعم إلى الفصائل المعتدلة والمنظمة (الأناضول/ Getty)
+ الخط -
بدأت ملامح التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، المزمع الإعلان عنه خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الأيام المقبلة، تتبلور من خلال التصريحات الغربية، بشكل عام، والأميركية بشكل خاص. وقد بدا أن معركة التحالف المزمع إنشاؤه، بما يخص التنظيم على الأراضي السورية طويلة الأمد، وتأتي في الدرجة الثانية بعد معركته في العراق، إذ سيقتصر الدور الغربي فيها على ضربات جوية، توجه لمواقع "داعش"، وتعتمد على الأرض، على قوات من المنطقة. ولم يُعرف بعد فيما إذا كان سيتم استقدام قوات من الدول المجاورة للمشاركة في معارك برية تحت قيادة حلف شمال الأطلسي.

وعلى نقيض الوضع في العراق، لم تتّضح بعد معالم الشريك العسكري السوري المحتمل في هذه الحرب، بعد استبعاد واشنطن قوات النظام السوري بشكل قاطع، مع احتمال أن يتابع النظام السوري ضربه لمواقع التنظيم جواً بتنسيق غير معلن مع التحالف، الأمر الذي قد ترى فيه واشنطن إضعافاً للنظام، وبالمقابل قد يحظى بسكوت دولي عنه خلال فترة الحرب على "داعش"، خصوصاً أن واشنطن كما يبدو لا تنظر إلى المعارضة المسلحة في سورية، كشريك معتبر، شبيهاً بقوات "البشمركة" الكردية في العراق، والتي تهافتت دول غربية عدة لتزويدها بالسلاح لمحاربة "داعش" بناء على ضوء أخضر أميركي.

لكن واشنطن، وعدت كما يقول بعض المعارضين، بزيادة برامج التدريب والتسليح للمعارضة "المعتدلة"، لتكون قوة يُعتمد عليها في المرحلة المقبلة. وقد نفت وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، أن يكون هناك أي تنسيق بين المعارضة السورية والولايات المتحدة، حول معلومات استخباراتية متعلقة، بمواقع "داعش" في سورية.

وبالرغم من عدم إعلان المعارضة المسلحة في سورية، عن موقف من التحالف المزمع إنشاؤه لحرب "داعش"، لكن معظم الفصائل، أدركت (وحتى قبل صدور قرار مجلس الأمن رقم 1270 القاضي بفرض عقوبات على داعش تحت الفصل السابع)، ضرورة التوحّد لمواجهة خطري، "داعش" والنظام، كما أدركت أن أولوية الولايات المتحدة هي محاربة التنظيم، وبالتالي فالدعم سيكون لفصائل معتدلة، لديها هذه الأولوية، وبنفس الوقت لديها القوة والتنظيم الكافيان، للاعتماد عليها في مواجهة التنظيم.

وفي الثالث من أغسطس/آب الماضي، أي قبل نحو أسبوعين من صدور قرار مجلس الأمن، اتخذت قوى المعارضة السورية المسلّحة، خطوة باتجاه توحيد مساعيها للعمل ضمن مظلة واحدة، عبر الاتفاق على تشكيل مجلس لقيادة الثورة، ليكون الجسم الموحّد لها في مواجهة قوات النظام، حسب ما جاء في بيان التشكيل دون الإتيان على ذكر تنظيم داعش، وحملت المبادرة توقيع فصائل عدة أهمها، "جيش الإسلام" و"حركة حزم" و"الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام" و"جبهة ثوار سورية" و"ألوية صقور الشام" و"جيش المجاهدين" و"حركة نور الدين الزنكي" والفرقتان "13" و"101".

ويبدو من أسماء الفصائل الموقعة على هذا البيان، أنها تضم فصائل من إيديولوجيات مختلفة، اجتمعت على هدف واحد دون الإشارة إلى إيديولوجية محددة، وقد فسّر بعض المراقبين هذا الاتحاد على أنه رسالة إلى الولايات المتحدة، بوجود تجمّع عسكري على الأرض بالإمكان الاعتماد عليه، كشريك في مواجهة التنظيم، فيما لو حظي بالدعم الكافي.

ورشحت معلومات تشير إلى أن رئيس "الائتلاف الوطني السابق" أحمد عاصي الجربا، هو من يقف وراء هذا التشكيل، الذي فيما يبدو قد تم بإيعاز من الولايات المتحدة. ويدعم هذه الفرضية استقبال واشنطن للجربا، قبل أقل من شهر من انتهاء ولايته، الأمر الذي فسره المراقبون على أن هناك دوراً مستقبلياً سيُناط به في المرحلة المقبلة بعيداً عن الائتلاف.

 وقبل نحو شهر من قرار مجلس الأمن، دعا رئيس الهيئة العسكرية لـ"الجبهة الإسلامية" زهران علوش، الفصائل المقاتلة إلى "إعادة هيكلة أركان جديدة للقوى الفاعلة في سورية، لتجاوز السلبيات التي أدت إلى فشل الأركان في المرحلة الماضية".

 وأوضح علوش أن "أسباب فشل الأركان يعود إلى التبعيات السياسية لمؤسسات لم تنل اعتراف الفصائل العاملة أصلاً، والتبعيات السياسية لجهات خارجية تأخذ دور الوصاية".

وأشار إلى أنه على "كافة الفصائل تشكيل أركان مستقلة القرار ومنزوعة الغطاء السياسي المسبق التصنيع، لتشارك في صناعة غطاء سياسي نابع من الداخل، منبثق من القوى الفاعلة".

 وبعد صدور قرار مجلس الأمن الخاص بـ"داعش"، شهدت فصائل المعارضة المسلحة حراكاً قوياً، نحو إيجاد أجسام عسكرية، تحقق شروط الشراكة ضمن التحالف الدولي، كان أهمها إعلان كبرى الفصائل المقاتلة في ريف دمشق تشكيل "القيادة العسكرية الموحدة في الغوطة الشرقية"، بهدف "توحيد الصفوف وتنظيم خطوط القتال".

ويضم التشكيل الجديد كلاً من "جيش الإسلام" و"الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام" و"فيلق الرحمن" و"ألوية الحبيب المصطفى" و"حركة أحرار الشام الإسلامية"، وتم تعيين زهران علوش قائداً للتشكيل، وأبو محمد الفاتح نائباً له.

وقال الفاتح خلال مؤتمر صحافي لقادة الفصائل المشاركة، في التشكيل "ما نريده هو أن يكون هناك قرار ملزم لكافة الأطراف الفاعلة في الغوطة الشرقية، يحدد مسار الثورة في المرحلة المقبلة، على الصعيدين العسكري والأمني".
وأضاف أنه "عند الحديث عن قرارات أمنية وإستراتيجية في مناطق محاصرة، لا يكون هدف التشكيل سلخ الغوطة عن واقعها. وفيما يتعلق بالمصير السياسي ومستقبل سورية، فهذا ليس مهمة القيادة في الغوطة الشرقية وحدها، القرار المستقبلي هو قرار جماعي".

وأكد متحدث باسم "حركة أحرار الشام" الإسلامية، خلال المؤتمر الصحافي، أنّ "فرع الحركة في الغوطة لم ينسلخ عن الحركة شرق البلاد، لكنه يضع مصلحة الغوطة المحاصرة أولاً، لهذا انضم إلى القيادة".

كما أعلنت مجموعة من فصائل المعارضة العاملة في درعا والقنيطرة، عن تشكيل القيادة العسكرية الموحدة للمنطقة الجنوبية، وذكر بيان مصور بثّ على موقع "يوتيوب"، أن "تشكيل القيادة جاء في خطوة أولى على طريق الوحدة والاجتماع، كأحد المقومات الأساسية لتحرير سورية وإسقاط النظام، داعية كافة القوى العاملة على الأرض إلى الانضمام للقيادة الموحدة تماشياً مع الواجبات الشرعية والوطنية".

ومن أبرز الفصائل المشاركة في القيادة العسكرية، "المجلس العسكري في القنيطرة" والفرقة 70 والألوية 91 و92 و93 و94 وكتيبة "مغاوير حوران" ولواء "عاصفة حوران" واللواء "305 مشاة".

وفي محافظة إدلب، أعلنت فصائل عسكرية مقاتلة في ريف إدلب، الأسبوع الماضي، عن تشكيل ما أسمته "الفيلق الخامس" التابع لـ"الجيش الحرّ"، في بيان نشر على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، ويضم الفيلق خمسة فصائل هي: الفرقة 101 مشاة والفرقة 13 وألوية فرسان الحق والأول وصقور جبل الزاوية.

وجاء في البيان أن هدف التشكيل، العمل ضمن هيكلية عسكرية يقودها مجلس عسكري مشترك، مهمته "إسقاط النظام وتأمين الاستقرار والأمان للشعب السوري".

ودعا البيان الفصائل المقاتلة على الأراضي السورية، إلى التوحد والعمل المشترك، ووصف ذلك بـ"الطريق الوحيد إلى النصر".

على الرغم من التحركات المتسارعة للمعارضة المسلحة، باتجاه تشكيل أجسام عسكرية قابلة لأن تكون رأس حربة، ضمن التحالف الدولي، إلا أن هناك عوائق لا تزال بحاجة إلى حل في هذا الموضوع يأتي في مقدمتها، التنسيق بين معظم كتائب المعارضة المسلحة، وجبهة "النصرة"، التي تم تصنيفها على لائحة الإرهاب، إذ تحاول العديد من الفصائل التخفيف من هذا التنسيق.
وظهرت بوادر خلاف في الآونة الأخيرة بين الفصائل المدعومة أميركياً وبين جبهة "النصرة"، تطوّرت في بعض المناطق إلى اشتباكات، مثل تلك التي حصلت بين جبهة "ثوار سورية" وجبهة "النصرة" في ريف إدلب الجنوبي الغربي .

وقال قائد "جبهة ثوار سورية" جمال معروف، في كلمة ألقاها أمام مقاتلين من "الجيش السوري الحر"، في جبل الزاوية بريف إدلب، السبت الماضي، "إن اجتماعهم يعتبر إثباتاً للعالم أن الجيش الحر بخير".

ووصف معروف، في شريط مصور بث على "يوتيوب" وتناقلته وسائل إعلام، مقاتلي الجيش الحر، بـ"الثوار الحقيقيين"، وأكد أنهم "ماضون في هدفهم نحو إسقاط النظام، وتحرير سورية من عصابات البغدادي التكفيرية"، على حد تعبيره.

وتعهد باسترجاع محافظتي الرقة ودير الزور من التنظيم، وفك الحصار عن مدينة حلب. وأضاف "بدأنا بتجهيز أنفسنا، وسنرسل الأرتال لتطهير سورية من رجس الأسد وعصابات البغدادي".

وفي المقابل، حاولت جبهة "النصرة" الظهور بمظهر التنظيم الأكثر اعتدالاً من تنظيم "داعش"، والقابل للتفاوض مع المجتمع الدولي في محاولة منها لرفع اسمها عن القائمة الدولية للإرهاب، فعمدت إلى خطف 43 جندياً من جنود حفظ السلام (الأندوف) وحاولت التفاوض عليهم لهذا الغرض، وقال قائد جيش فيجي إن "المقاتلين الإسلاميين الذين احتجزوا الأسبوع الماضي عشرات من جنود فيجي المشاركين في قوات حفظ السلام في مرتفعات الجولان السورية المحتلة، يطالبون برفع تنظيمهم من القائمة الدولية للإرهاب ودفع تعويضات عن أعضاء قتلوا خلال المعارك".

ويرجّح مراقبون، أن تزيد واشنطن جرعة اهتمامها بالمعارضة المسلحة المعتدلة بهدف تأهيلها وإعدادها لتكون شريكاً دولياً في محاربة "داعش"، مع بعض الفصائل الكردية، التي كانت على عداوة مع بعضها حتى الأمس القريب، وقد ظهرت مؤشرات تقارب بين الفصائل الكردية وفصائل الجيش الحر من خلال التنسيق المشترك والقتال معاً، كما حصل أخيراً في ريف حلب الشمالي من أجل منع "داعش" من اقتحام منطقة عفرين .

المساهمون