المعارضة الباكستانية تتحد لإسقاط حكومة عمران خان

22 مايو 2019
انتُخب خان العام الماضي بدعمٍ من الجيش(فاروق نعيم/فرانس برس)
+ الخط -
المعروف في باكستان أن تاريخ الخلافات والصدامات بين الأحزاب، تحديداً بين حزب الشعب بزعامة الرئيس السابق آصف علي زرداري والرابطة الإسلامية بزعامة رئيس الوزراء السابق نواز شريف، طويل جداً. ولا يُخفى حالياً على أحد وجود خلافات حادة بين تلك الأحزاب، غير أن سياسات الحزب الحاكم في التعامل مع معارضيه، خصوصاً في ما يتعلق بملاحقة القيادات البارزة في الأحزاب من جهة، وتعامل المؤسسة العسكرية من جهة ثانية، أرغمت القوى السياسية على نبذ الخلافات الداخلية ولمّ شملها من أجل إسقاط الحكومة، بذريعة فشلها في مواجهة ملفات شائكة، كالوضع المعيشي.

وبعد مشاورات دامت أشهراً عدة، وجهود وساطة بذلها زرداري وزعيم حزب الرابطة شهباز شريف، شقيق نواز شريف، وزعيم جمعية علماء الإسلام المولوي فضل الرحمن، يبدو أن المعارضة تمكنت من لم شملها وتوحيد صفها بهدف العمل الموحد ضد حكومة عمران خان، التي تعتبرها المعارضة "عبئاً ثقيلاً على كاهل الشعب الباكستاني". في السياق، قال فضل الرحمن في بيان، إنه "بالنظر إلى حالة باكستان السياسية والمعيشية، آن الآوان أن نتماسك ونتّحد من أجل إسقاط حكومة عمران خان الذي دفع البلاد بسياساته الهشة صوب الهاوية"، محذراً من أن "الوضع ينحو نحو الأسوأ إذا ما استمر خان في الحكم". 

تصريحات زعيم جمعية علماء الإسلام حملت رسائل موجّهة إلى حكومة خان التي تواجه ضغوطاً متزايدة بسبب الغلاء الناجم عن تدهور قيمة العملة الباكستانية مقابل الدولار الأميركي، كما أن الرسائل طاولت المؤسسة العسكرية المتهمة بدعم خان، والتي تواجه بسببه ضغوطاً كثيرة، علاوة على التحديات الأمنية، لا سيما على الحدود الشرقية مع الهند والغربية مع أفغانستان، وكذلك الحراك الداخلي، لا سيما قضية الانفصاليين البلوش والصراع الدائر مع حركة الدفاع عن البشتون.

ويبدو أن ضغوط الحكومة المتزايدة على المعارضة في ظلّ ما تواجهه حالياً من تحديات، جعل الأخيرة في خندقٍ واحدٍ. فنواز شريف موجود في أحد أكبر السجون الباكستانية، على الرغم من وضعه الصحي الصعب، وذلك بعد منعه من مزاولة العمل السياسي ومن رئاسة الحزب، أما آصف علي زرداري فمتهم بالفساد من المؤسسة القضائية، فضلاً عن أن العديد من قادة الحزبين يواجهون أوضاعاً مشابهة.

وبرأي الناشط محمد سعيد خان، الذي تحدث مع "العربي الجديد"، فإن "هؤلاء يدركون أن من أولويات حكومة عمران خان ملاحقة الضالعين في الفساد واستخراج الأموال المنهوبة منهم، ولعل هذا الأمر قد جعل الحكومة في مأزق كبير، إذ إن خان بقي في الميدان السياسي من دون أي مساند، فجميع الأحزاب السياسية والدينية المعروفة في البلاد وحتى الأحزاب الصغيرة عارضته".

يأتي ذلك في خضم ما تواجهه الحكومة الباكستانية من تحديات داخلية كتدهور الحالة الاقتصادية والمعيشية بعد تدهور قيمة العملة الباكستانية، ما أدى إلى غلاء لم تشهد باكستان مثله في السابق. كما تواجه الحكومة تحديات خارجية من الولايات المتحدة وحلفائها، في ما يتعلق بأمر الجماعات المسلحة واتهام باكستان بمساندتها. وتخشى باكستان من إدراجها في القائمة السوداء لمنظمة الرقابة المالية الدولية بعدما أدرجت في القائمة الرمادية، لأن خطوة كهذه ستزيد الوضع المعيشي تعقيداً، وسيصب ذلك في مصلحة الأحزاب المعارضة التي وحدت كلمتها للقيام بكل ما يساعدها في إسقاط الحكومة.

وكانت المعارضة قد تداعت إلى عقد اجتماع لقيادات حزب الشعب وحزب الرابطة على طاولة واحدة في منزل بلاول بوتو زرداري، نجل زرداري، على الرغم من تاريخ الصراعات بين الحزبين الرئيسيين، وذلك يوم الأحد الماضي، في العاصمة إسلام آباد. وكان الاجتماع على هامش مأدبة إفطار، وشارك فيه قياديون من حزب الشعب، وهم: رئيس الوزراء السابق، عضو مجلس الشيوخ حالياً شاهد خاقان عباسي، ووزير الإعلام السابق برويز رشيد، ووزير الدفاع السابق خواجه آصف، ومريم صفدر، ابنة نواز شريف، وقيادات في حزب الرابطة. ومن حزب الشعب بلاول بوتو، وعضو مجلس الشيوخ حاصل بزنجو، ووزير الداخلية السابق أفتاب شيرباو. كما شارك زعيم جمعية علماء الإسلام المولوي فضل الرحمن، وزعيم الجماعة الإسلامية سراج الحق، وممثلون عن أحزاب قومية.


واتفقت الأحزاب الحاضرة على التباحث بجميع الخيارات من أجل إسقاط الحكومة، على أن تكون البداية بعقد مؤتمر للأحزاب السياسية والدينية، ثم تحريك الشارع من خلال احتجاجات وإضرابات واعتصامات في كافة أرجاء البلاد. كما تفاهمت الأحزاب على أن تبدأ الاحتجاجات بعد عيد الفطر (الثلث الأول من شهر يونيو/ حزيران المقبل)، وستتضمن مسيرات كبرى واعتصامات في العاصمة والمدن الرئيسية، فضلاً عن التظاهرات.

وجاء في البيان الصادر عن المجتمعين أن التنسيق بين الأحزاب السياسية والدينية المعارضة ضروري، ومحاولة لا بد منها من أجل إخراج البلاد من المأزق. كما لفت إلى أن المجتمعين تباحثوا في ملف غلاء المعيشة، وما تمارسه الحكومة في حق الأحزاب السياسية من أعمال انتقامية، وبالتالي قرروا الاتحاد معاً من أجل إسقاط الحكومة.

وفي مؤتمر صحافي عقده بعض القياديين المشاركين في الاجتماع، قال بلاول بوتو: "لقد تم الاتفاق بين الأحزاب السياسية على الاحتجاج داخل البرلمان وخارجه، من أجل البلاد والخروج من الحالة الصعبة التي نعيشها. كما تم الاتفاق على عقد مؤتمر لجميع الأحزاب الباكستانية بعد عيد الفطر ويكون ذلك برئاسة المولوي فضل الرحمن".

من جهته، طرح شاهد خاقان عباسي أسئلة حول تشكيل الحكومة، معتبراً في المؤتمر الصحافي نفسه، أن "تشكيل الحكومة تمّ بطريقة مزوّرة، إذ ساد التزوير انتخابات العام الماضي، والآن الشعب الباكستاني يدفع ثمن ذلك لأن رئيس الوزراء لا يستطيع إدارة البلاد. كما بدا عاجزاً في مواجهة ملفات ريادية مهمة، وفشل تماماً في إيجاد حل للتحديات الجمة التي تواجهها البلاد".

ويرتبط توقيت تحرك المعارضة ضد الحكومة بعد عيد الفطر بمواجهة الحكومة ضغطاً شعبياً بسبب غلاء الأسعار ورفع رسوم الكهرباء والغاز على خلفية تدهور قيمة الروبية الباكستانية مقابل الدولار. وتنتشر توقعات بتدهور الحالة أكثر بعد الاستدانة من صندوق النقد الدولي. بالتالي يبدو أن الأحزاب السياسية تسعى لاستغلال الوضع، ولا شك أنه في الوقت الراهن يمكن حث المواطن الباكستاني على الاحتجاج وإنزاله إلى الشارع بقليل من الجهد، نظراً لحالة الاستياء الموجودة بسبب الوضع المعيشي الهش.

لكن السؤال الأهم يبقى حول موقف المؤسسة العسكرية المتهمة بدعم الحكومة، بل حتى بإيصال عمران خان إلى سدة الحكم في انتخابات العام الماضي. لا شك أنها في الوقت الراهن لا تستطيع الاستيلاء على الحكم بصورة مباشرة، كما كانت تفعل سابقاً، ولكنها ستسعى إلى أن يبقى في الحكم مَن هو أقرب إليها، وذلك من أجل المضي في سياساتها الخاصة المتعلقة بالشؤون الداخلية والخارجية، خصوصاً ما يرتبط بملف أفغانستان. غير أن المشكلة الوحيدة التي قد تخشاها المؤسسة العسكرية تتصل بمواجهة المواطن، ما سيدفعها إلى التعاون مع الحكومة من أجل عدم حصول تظاهرات وإضرابات.

يُشار إلى أن هناك حركات معارضة للمؤسسة العسكرية والحكومة كحركة الدفاع عن البشتون، الموجودة أصلاً في الشارع منذ فترة طويلة، وهي بالطبع ستستغل الوضع الحالي، بين الحكومة والمعارضة، في ظلّ زج العديد من أنصارها في السجون ومقتل بعضهم برصاص مجهولين أو برصاص قوى الأمن، كما تقول الحركة.

المساهمون