14 أكتوبر 2024
المطلوب عربياً لوقف قرار الضم الإسرائيلي
من المتوقع أن تحاول الحكومة الإسرائيلية الجديدة، ذات الرأسين، تمرير قرار أحادي الجانب لضم مناطق واسعة من الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقد تصل الأراضي المهدّدة إلى ثلث الضفة الغربية، وتشمل بالأساس غالبية أو كل المستوطنات الإسرائيلية "غير القانونية"، وغور الأردن وشمال البحر الميت.
هناك من يقول إنه لا فرق كبيرا بين استمرار الاحتلال وتطبيق القانون الإسرائيلي، فالاثنان اغتصاب غير قانوني للأراضي الفلسطينية. وهناك من يعتقد أن قرار الضم سيكشف، وبصورة مستعجلة، عن سياسة الأبارتهايد (الفصل العنصري) الإسرائيلية في المناطق المحتلة. حسب القانون الدولي ومنذ عام 1973، اعتُبرت سياسات الأبارتهايد جريمة ضد الإنسانية. وفي 1977، تم تعديل اتفاقيات جنيف، لينص البروتوكول الأول الموقّع من 167 دولة على أن سياسات الأبارتهايد جريمة حرب. ولكن التجربة عبر العقود الماضية، كما ميزان القوى الحالي الذي يعكس تفوق القوة على الحق، يبدو واضحاً أن سياسات الحقائق على الأرض هي التي تفوز في نهاية المطاف. لذلك من الضرورة وضع استراتيجية قوية وفعالة لوقف المحاولات الإسرائيلية أحادية الجانب، مستفيدين من عناصر القوى المتوفرة.
قبل وضع خريطة الطريق لوقف صدور قرار الضم، تجب محاولة تحليل خلفية التحرّك الإسرائيلي أخيرا، فقد كان في وسع دولة الاحتلال، في العقود الماضية، تشريع قرار الضم، إلا أنها امتنعت عن ذلك، حتى عندما كان رئيس الوزراء الحالي، نتنياهو، يتمتع بأغلبية مريحة في الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي. وقد جاء اقتراح الضم بالأساس منه لإرضاء اليمين الإسرائيلي المتطرّف، خصوصا لوبي الاستيطان، في مقابل موافقتهم على إعطائه طوق نجاة من محاولات عزله بسبب تهم الفساد الموجهة له. وينص القانون الأساسي في إسرائيل على ضرورة استقالة
أي وزير متهم حتى قبل إدانته أو تبرئته، إلّا أن هذا القانون (بمثابة دستور في إسرائيل) غامض، فيما إذا كان يشمل أيضاً رئيس الوزراء. وقد حاول شريك نتنياهو في الائتلاف الحكومي المرتقب، الجنرال بيني غانتس، التهرّب من الالتزام بضم أراض في الضفة الغربية إلى دولة إسرائيل، من خلال مجموعة شروط، ولكنه لم يصر على حق النقض (الفيتو) لوقف القرار في الحكومة، مع أن لدى حزبه عددا متساويا من الوزراء، كما لفريق نتنياهو. وهذه الشروط (أو المعايير)، كما جاءت في بندي 28 و29 من الاتفاقية التشاركية بين تكتلي ليكود وأزرق أبيض هي: ضرورة قبول الإدارة الأميركية، الحفاظ على المصالح الأمنية والاستراتيجية لدولة إسرائيل، بما في ذلك الاستقرار الإقليمي، والحفاظ على اتفاقيات السلام، والسعي المستقبلي إلى اتفاقيات سلام.
بغضّ النظر إذا كانت تلك الشروط موضوعة كورق تين لتبرير موقف غانتس أمام ناخبيه، أم أنه سيصر عليها، فإن وجود تلك الشروط قد يشكّل خريطة طريق لوقف صدور قرار الضم. كما أن القدرة على وقف الضم تعتمد على الشرط الأول، قبول الإدارة الأميركية، وهو ما يبدو متأرجحاً. فعلى الرغم من أن وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، وهو مسيحي متصهين، كما نائب الرئيس مايك بنس، قد أعطى الضوء الأخضر بتصريحه أن قرار الضم أمر سيادي إسرائيلي، إلّا أن البيت الأبيض لم يدل بدلوه، ولم يصدر أي موقف من وكالة الأمن القومي أو وزارة الدفاع أو وكالة الاستخبارات الأميركية.
ويبرّر الإسرائيليون أن قرار الضم تم التمهيد له عند صدور الرؤية الأميركية للسلام. ولكن تلك الخطة، بسيئاتها غير المحدودة، تقترح حلا متكاملا لا يمكن تجزئته مبنيا على مبدأ تبادل أراض، وليس ضما من طرف واحد، كما أنها توفر للقيادة الفلسطينية عدة سنوات للموافقة
عليها. وبما أن تلك السنوات لم تمر بعد، فمن السهل للمسؤولين العرب أن يطلبوا من إدارة ترامب عدم قبول الطلب الإسرائيلي. وإذ ينشغل صهر الرئيس وعرّاب الرؤية الأميركية، جاريد كوشنر، حالياً في إدارة أزمة كورونا، واستقال نائبه، المحامي الصهيوني الأميركي جيسون غرينبلات، في أيلول/سبتمبر الماضي؛ أي أن الفريق الأميركي الذي صاغ الرؤية المذكورة قد يكون غائبا في هذا الوقت، لإعطاء رد مقنع على قرار خطير، مثل الضم أحادي الجانب. وفي المقابل، هناك حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية، واللوبي الصهيوني الذي قد يضغط على ترامب للقبول بالأمر. والوقت غير مناسب للتعويل على دور السعودية في الضغط على الإدارة الأميركية، فالعلاقات الأميركية السعودية مشوبة بتوتر حالياً بسبب أزمة هبوط أسعار النفط.
الأكثر أهمية، والذي قد يكون مفتاح وقف ضم أراض في الضفة الغربية إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، هو ما إذا كان القرار سيضرّ بالحفاظ على اتفاقيات السلام، والسعي المستقبلي إلى السلام. وهنا يبرز دور الأردن، فالأراضي المهددة بالضم تحاذي الأردن، وكانت جزءاً من المملكة الأردنية قبل العام 1967. وعلى الرغم من أن الأردن دولة صغيرة معتمدة اقتصادياً على المساعدات الدولية، خصوصا الأميركية، إلا أنها أثبتت، في السنوات الأخيرة، أنها جادّة في مواقفها، وتعني ما تقول، كما تبين في موضوع إنهاء تأجير أراضي الغمر والباقورة
لإسرائيل، فقد انتهى الأسبوع الماضي آخر حضور للمزارعين الإسرائيليين فيها، وعادت كلياً للأردن. كما نجحت عمّان في إطلاق سراح أردنييْن العام الماضي، بعد أن استدعت سفيرها من تل أبيب في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. فإذا كان الأردن مستعدّاً لسحب السفير احتجاجا على اعتقال أردنيين، فهل سيكتفي بمجرد إصدار بيان استنكاري أو سحب السفير مقابل قرار الضم؟
لا بد أن الأردن سيرد بطريقة أقوى. ولكن السؤال ما إذا سيكون له دعم وشبكة أمان سياسية واقتصادية عربية، في حال نجمت عن موقف أردني جريء معاقبة من إدارة ترامب وإسرائيل؟ هناك من يقترح أن من الضروري أن تعقد قمة فلسطينية أردنية مصرية، لكي يكون واضحا للجميع، خصوصا إسرائيل وأميركا، أن الرفض العربي للضم جاد، وأن هذا الفعل الإسرائيلي في حال حدوثه يمسّ بالسلام الإقليمي. ومن المهم ألا يتم السماح بتمرير قرار معاد للسلام في الأشهر المقبلة، تحت ظلام جائحة كورونا وانشغال العالم بها. الشعب الفلسطيني والعالمان العربي والإسلامي، والشعوب المحبة للسلام، مطالبون جميعهم بوقفة جريئة حقيقية. لا يكفي صدور قرارات استنكار، بل على الجميع تحمّل مسؤولياتهم، واتخاذ قرارات جريئة فوراً.
قبل وضع خريطة الطريق لوقف صدور قرار الضم، تجب محاولة تحليل خلفية التحرّك الإسرائيلي أخيرا، فقد كان في وسع دولة الاحتلال، في العقود الماضية، تشريع قرار الضم، إلا أنها امتنعت عن ذلك، حتى عندما كان رئيس الوزراء الحالي، نتنياهو، يتمتع بأغلبية مريحة في الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي. وقد جاء اقتراح الضم بالأساس منه لإرضاء اليمين الإسرائيلي المتطرّف، خصوصا لوبي الاستيطان، في مقابل موافقتهم على إعطائه طوق نجاة من محاولات عزله بسبب تهم الفساد الموجهة له. وينص القانون الأساسي في إسرائيل على ضرورة استقالة
بغضّ النظر إذا كانت تلك الشروط موضوعة كورق تين لتبرير موقف غانتس أمام ناخبيه، أم أنه سيصر عليها، فإن وجود تلك الشروط قد يشكّل خريطة طريق لوقف صدور قرار الضم. كما أن القدرة على وقف الضم تعتمد على الشرط الأول، قبول الإدارة الأميركية، وهو ما يبدو متأرجحاً. فعلى الرغم من أن وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، وهو مسيحي متصهين، كما نائب الرئيس مايك بنس، قد أعطى الضوء الأخضر بتصريحه أن قرار الضم أمر سيادي إسرائيلي، إلّا أن البيت الأبيض لم يدل بدلوه، ولم يصدر أي موقف من وكالة الأمن القومي أو وزارة الدفاع أو وكالة الاستخبارات الأميركية.
ويبرّر الإسرائيليون أن قرار الضم تم التمهيد له عند صدور الرؤية الأميركية للسلام. ولكن تلك الخطة، بسيئاتها غير المحدودة، تقترح حلا متكاملا لا يمكن تجزئته مبنيا على مبدأ تبادل أراض، وليس ضما من طرف واحد، كما أنها توفر للقيادة الفلسطينية عدة سنوات للموافقة
الأكثر أهمية، والذي قد يكون مفتاح وقف ضم أراض في الضفة الغربية إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، هو ما إذا كان القرار سيضرّ بالحفاظ على اتفاقيات السلام، والسعي المستقبلي إلى السلام. وهنا يبرز دور الأردن، فالأراضي المهددة بالضم تحاذي الأردن، وكانت جزءاً من المملكة الأردنية قبل العام 1967. وعلى الرغم من أن الأردن دولة صغيرة معتمدة اقتصادياً على المساعدات الدولية، خصوصا الأميركية، إلا أنها أثبتت، في السنوات الأخيرة، أنها جادّة في مواقفها، وتعني ما تقول، كما تبين في موضوع إنهاء تأجير أراضي الغمر والباقورة
لا بد أن الأردن سيرد بطريقة أقوى. ولكن السؤال ما إذا سيكون له دعم وشبكة أمان سياسية واقتصادية عربية، في حال نجمت عن موقف أردني جريء معاقبة من إدارة ترامب وإسرائيل؟ هناك من يقترح أن من الضروري أن تعقد قمة فلسطينية أردنية مصرية، لكي يكون واضحا للجميع، خصوصا إسرائيل وأميركا، أن الرفض العربي للضم جاد، وأن هذا الفعل الإسرائيلي في حال حدوثه يمسّ بالسلام الإقليمي. ومن المهم ألا يتم السماح بتمرير قرار معاد للسلام في الأشهر المقبلة، تحت ظلام جائحة كورونا وانشغال العالم بها. الشعب الفلسطيني والعالمان العربي والإسلامي، والشعوب المحبة للسلام، مطالبون جميعهم بوقفة جريئة حقيقية. لا يكفي صدور قرارات استنكار، بل على الجميع تحمّل مسؤولياتهم، واتخاذ قرارات جريئة فوراً.