المصالحة الفلسطينية .. هواجس أميركية وإسرائيلية

30 ابريل 2014

الولايات المتحدة وإسرائيل .. رد واحد على المصالحة (أ.ف.ب)

+ الخط -

لم يكن الرد الأميركي والإسرائيلي (وهو واحد) على اتفاق المصالحة الفلسطينية مستهجناً، خصوصاً وأن اتجاهات مواقف الإدارات الأميركية، بما فيها الحالية، باتت واضحة لمن يتابعها، حيث ظلت منحازة إلى المواقف الإسرائيلية، في فترة التفاوض، منذ مؤتمر مدريد في نهاية عام 1991، وقبل ذلك. والشواهد كثيرة، حيث أسقط الفيتو الأميركي مشاريع قراراتٍ دولية تدين سياسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولم تفض المفاوضات، التي رعتها الولايات المتحدة إلى دولةٍ فلسطينيةٍ في الضفة الغربية وقطاع غزة، بل على العكس، لم تتوقف ضغوط إدارة باراك أوباما على الطرف الفلسطيني، بغية الاعتراف بيهودية إسرائيل، لتحقيق رزمة متشعبة من الأهداف الإسرائيلية دفعة واحدة.
ويجمع مراقبون على أن الرفض الأميركي- الإسرائيلي لاتفاق المصالحة جاء على خلفية هواجس عديدة، في مقدمتها أن الاتفاق سيكون بمثابة  طوق نجاة  للحد من الضغوط الإسرائيلية والأميركية على الفلسطينيين،  ويرفع في الوقت نفسه من سقف الخطاب السياسي الفلسطيني، بعد  مفاوضات عبثية امتدت أكثر من عقدين، بحيث يكون من السهولة بمكان المطالبة بتفكيك معالم الاحتلال، ومنها المستوطنات، عوضاً عن تجميدها، وكذلك يمكن المطالبة بتطبيق قراراتٍ دوليةٍ صادرة، مثل المتعلقة بالأسرى الفلسطينيين، والسيادة على المياه الفلسطينية التي تسيطر عليها إسرائيل، وملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين، واعتبار المستوطنات غير شرعية، خصوصاً أن هناك قبولاً بعضوية فلسطين في 15 منظمة تابعة للأمم المتحدة، وستكون حيز التنفيذ في بداية شهر مايو/أيار المقبل.

"
تعزز المصالحة الفلسطينية فرص مواجهة التحديات الأخرى، مثل ضرورة العمل على فك الارتباط بالاقتصاد الإسرائيلي، وإيجاد سبل الانطلاق بتنمية فلسطينية، تدفع باتجاه الحد من الازمات الاقتصادية والاجتماعية في الضفة الغربية وقطاع غزة

"


وبشأن الرفض الأميركي للمصالحة الفلسطينية، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، جين ساكي، "التوقيت مثير للمشكلات، ونشعر، بالتأكيد، بخيبة أمل إزاء الاعلان." وأضافت "يمكن أن يعقّد ذلك جهودنا بشكل خطير. ليس فقط جهودنا، وإنما جهود كل الأطراف لمواصلة مفاوضاتها." وقالت ساكي إن المسؤولين الأميركيين عبّروا عن بواعث قلقهم للفلسطينيين. وتابعت "يصعب تخيل كيف يمكن توقع أن تتفاوض إسرائيل مع حكومةٍ، لا تؤمن بحقها في الوجود." وقالت ساكي إن ما تتوقعه الولايات المتحدة من الفلسطينيين، منذ فترة طويلة، لم يتغير، وهو أن عليهم التعهد، بشكل لا لبس فيه، بنبذ العنف والاعتراف بوجود إسرائيل، والوفاء بالاتفاقات السابقة. وأضافت "سنشاهد، ونرى ما الذي سيحدث في الساعات والأيام المقبلة، لنرى الخطوات التي سيتخذها الفلسطينيون."
واللافت، هنا، المطابقة الكاملة مع الهواجس الإسرائيلية من اتفاق المصالحة الفلسطينية، فقد قالت إسرائيل، بعد الاتفاق مباشرة، إن عباس اختار حركة حماس بدلاً من السلام، وألغت جلسة مع الجانب الفلسطيني كانت مقررة في اليوم نفسه الذي وقعت فيه المصالحة، ضمن المفاوضات التي ترعاها الولايات المتحدة. وفي السياق نفسه، اتهم رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو، الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، بتخريب عملية السلام. وقال "بدلاً من أن يختار أبو مازن السلام مع إسرائيل، يختار المصالحة مع حماس. هل يريد المصالحة مع حماس، أم السلام مع إسرائيل؟ يمكن تحقيق أحدهما فقط"، وتابع "آمل أن يختار السلام، ولكن حتى الآن لم يفعل ذلك". في مقابل ذلك، قال كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، إن السلام مع إسرائيل لا يمكن تحقيقه من دون تحقيق المصالحة، والتي اعتبرها مصلحة فلسطينية عليا.
يرى محللون أن اتفاق المصالحة الفلسطينية، الموقع في قطاع غزة الأربعاء الماضي، جعل ممكنات مواجهة عاصفة التهويد الإسرائيلية التي تجتاح الأراضي الفلسطينية أكبر، وسيطيح المراهنين على الضغوط الخارجية، وفي مقدمتهم الإسرائيليين الذين سعوا إلى إبقاء حالة التشرذم في الساحة السياسية الفلسطينية. لكن الأهم من توقيع المصالحة هو وضع أسس لاستمرار الوحدة الوطنية الفلسطينية، والاتفاق على توجهات كفاحية مشتركة على الصعد كافة؛ حيث سقط الرهان على استمرار المفاوضات، فبعد مرور نحو 23 عاماً على انطلاقة المفاوضات العربية الإسرائيلية (1991-2014) في مدريد، تشير الحقائق إلى تضاعف النشاط الاستيطاني بشكل ملحوظ، سواء في مقياس مصادرة الأراضي، أو في بناء المستوطنات في الضفة الغربية، ومنها مدينة القدس التي تتعرض لأكبر هجمة استيطانية منذ 1967.
ومن الأهمية الاشارة إلى أن وحدة الصف ستكون مقدمة أساسية لتجميع القدرات الكامنة لدى الشعب الفلسطيني، لمواجهة التحديات التي تعصف بقضيته، وفي مقدمة هذه التحديات النشاط الاستيطاني، والجدار العازل الذي يعتبر أكبر مشروع استيطاني منذ 1948، ناهيك عن السياسات الإسرائيلية الرامية إلى إخراج فكرة يهودية الدولة إلى حيز الوجود، بإصدار رزمة من القوانين العنصرية الجائرة. وتعزز المصالحة الفلسطينية فرص مواجهة التحديات الأخرى، مثل ضرورة العمل على فك الارتباط بالاقتصاد الإسرائيلي، وإيجاد سبل الانطلاق بتنمية فلسطينية، تدفع باتجاه الحد من الازمات الاقتصادية والاجتماعية في الضفة الغربية وقطاع غزة.