المصالحة الإريترية - الإثيوبية فرصة ممتازة لإسرائيل

25 يوليو 2018
الرئيس الإريتري ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد(ميشال تيولدي/فرانس برس)
+ الخط -
دعا تقرير موسع نشرته صحيفة "مكور ريشون" المعبرة عن حزب البيت اليهودي والتيار الديني الصهيوني، حكومة الاحتلال الإسرائيلي إلى استغلال فرصة المصالحة الإريترية - الإثيوبية، لتحسين وضعها الاستراتيجي في حوض البحر الأحمر، بما يسهل عليها أيضاً الوصول إلى الطرق البحرية المؤيدة إلى إيران ( في إشارة واضحة لقدرة الغواصات الإسرائيلية المتطورة من طراز دولفين عبور مضيق هرمز والوصول حتى السواحل الإيرانية).

وبحسب التقرير، فإن إسرائيل تملك في الوقت الحالي علاقات ممتازة مع دول حوض البحر الأحمر بما فيها الدول العربية المطلة عليه باستثناء اليمن. ووفقاً للتقرير، فإن التغييرات الحادة الجارية في الأسابيع الأخيرة في الخريطة الجغرافية للبحر الأحمر، تفتح أمام إسرائيل فرصاً سياسية وأمنية واقتصادية لا سابق لها. فمن شأن اتفاق المصالحة بين إثيوبيا وإريتريا، مثلاً أن يقدم الحل الأمثل لمشكلة اللاجئين الأفارقة في إسرائيل، الذين يشكل أولئك القادمون من إريتريا السواد الأعظم منهم، وهم من فروا من ويلات الحرب في بلادهم، لكن جزءاً منهم أرسل بمعرفة وموافقة السلطات الرسمية في أسمرة.


واعتبر التقرير أن المصالحة بين إثيوبيا و إريتريا واتفاق البلدين على إنهاء حالة الحرب هي فرصة على الحكومة الإسرائيلية ألا تضيعها لحل مشكلة اللاجئين الأفارقة. كما أن المصالحة يمكن لها أن تعزز وتخدم المصالح الأمنية الاستراتيجية الإسرائيلية النابعة أساساً من الموقع الاستراتيجي لإريتريا عند البحر الأحمر ووقوعها على طريق البحر الأحمر مقابل السعودية واليمن، حيث يطل على الطريق البحري الذي يربط بين إيلات وبين المحيط الهندي والطريق للوصول بحراً إلى إيران. هذه الأسباب تجعل من علاقات إسرائيل مع إريتريا كنزاً استراتيجياً من الدرجة الأولى. وبالفعل، يقرّ التقرير (لكنه ينسب ذلك لتقارير في الصحافة الأجنبية لتجنب الرقابة العسكرية وتجنب اعتراف رسمي إسرائيلي بذلك) بأن إسرائيل تملك في إريتريا قواعد عسكرية، من ضمنها محطة تنصت على جبل "أمبا- سوارا" ومرافئ في أرخبيل دهلك في البحر الأحمر، وبالتالي فليس مفاجئاً سبب سعي حكومة الاحتلال إلى عدم الاعتراف باللاجئين الإريتريين بأنهم لاجئون، وتحرص على تسميتهم بمهاجري العمل، لأنها لا تريد إحراج النظام الحاكم في إريتريا. ويشير التقرير إلى أنه على الرغم من العلاقات التاريخية العميقة بين تل أبيب وأديس أبابا، إلا أنها أحسنت صنعاً باعترافها بإريتريا مع إعلان استقلالها، وإقامة علاقات دبلوماسية معها. وقد تسنى ذلك أيضاً لكون الطبيب الخاص للرئيس الإريتريي، أسياسي أفورقي، هو وزير الصحة السابق نائب وزير الأمن الإسرائيلي الأسبق، أفرايم سنيه. ويلفت التقرير إلى أن إسرائيل تتابع عن كثب التغييرات المتسارعة في القرن الأفريقي، مشيراً إلى أن الباحث الإسرائيلي في الشؤون الأفريقية من جامعة حيفا، موشيه طريدمان، يرى أن حوض البحر الأحمر يشكل في السنوات الأخيرة نقطة لقاء لثلاثة صراعات تتم في نفس الوقت حول السيطرة عليه ودروبه البحرية. وأول هذه الصراعات هو بين قوى دولية عظمى، الصين، الهند، اليابان، فرنسا روسيا والولايات المتحدة، التي تتنافس وتتصارع فيما بينها على الهيمنة على البحر الأحمر وطرقه المائية على أهميتها التجارية والعسكرية باعتباره بوابة الهيمنة على المحيط الهندي وموانئ عدن وباب المندب وجيبوتي، وهو صراع يتم أيضاً على خلفية الحرب ضد القراصنة و"محاربة الإرهاب في الصومال واليمن" التي تهدد حرية الملاحة في البحر الأحمر، "أكثر مسارات التجارة المائية اكتظاظاً في العالم".
أما الصراع الثاني فهو على مستوى "الدول الإقليمية"- وهي السعودية والإمارات العربية المتحدة وتركيا وقطر، وهو الصراع الذي اندلع في العام الماضي بعد فرض الحصار على قطر من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر. ويرى الباحث الإسرائيلي أن دول الحصار المذكورة تخوض صراعاً مقابل تركيا وقطر اللتين تحاولان وقف توسع النفوذ السعودي.
وما يميز الصراعين أعلاه، بحسب الباحث والتقرير المذكور، هو ظاهرة قيام الدول المنخرطة فيهما ببناء وإقامة قواعد عسكرية أو استئجار موانئ على البحر الأحمر لضمان موطئ قدم عند البوابة الجنوبية للبحر الأحمر لتأمين حركة الملاحة أو كجزء من الصراع على الهيمنة في المحيط الهندي، لذلك يتم تركيز هذه القواعد العسكرية في جيبوتي، القريبة من اليمن والصومال، فيما تركز دول الإقليم نشاطها ووجودها في الطرف الأفريقي من ساحل البحر الأحمر لصد نفوذ خصومها.

وبحسب التقرير فإن إسرائيل تدخل في هذا المشهد من كونها دولة إقليمية وازنة تملك، بحسب تقارير أجنبية، قواعد عسكرية في حوض البحر الأحمر. وتنشط إسرائيل بالأساس بفعل الحرب الدائرة في اليمن و"حاجتها لتأمين حرية الملاحة البحرية"، ولكن أيضاً لمنع تهريب أسلحة إيرانية عبر البحر الأحمر عن طريق شبه جزيرة سيناء. وتملك إسرائيل، قواعد بحرية عدة في حوض البحر الأحمر بما في ذلك محطات رصد وتنصت في أعلى نقطة في إريتريا، ناهيك عن مشاركتها في الحرب، بحسب ما ينقله الموقع عن جنرال يمني، إلى جانب الائتلاف السعودي.
أما محور الصراع الثالث فيدور بين دول حوض النيل نفسها: السودان وإثيوبيا وإريتريا ومصر حول سد النهضة وحصص مياه الدول المختلفة من النيل وتأثيراته المرتقبة على مختلف الدول. وتؤدي إسرائيل دوراً في هذا الصراع أيضاً، إذ طالبت مصر إسرائيل ممارسة نفوذها لدى إثيوبيا ومساعدتها في هذه الأزمة.
وبعد استعراض محاور الصراع الدولية والإقليمية في حوض البحر الأحمر، مع التطورات المتسارعة يصل التقرير إلى القول إن "وضع إسرائيل في حوض البحر الأحمر، لم يكن يوماً أفضل مما هو عليه الآن. وللمرة الأولى في التاريخ تملك إسرائيل في المنطقة علاقات بمستويات متفاوتة مع كل دولة من دول حوض البحر الأحمر باستثناء اليمن، سواء كانت علاقاتها مع هذه الدول دبلوماسية رسمية معلنة أو علاقات سرية".
ويرى الباحث الإسرائيلي أن مفاتيح نجاح إسرائيل في تأمين مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية المختلفة في حوض البحر الأحمر، بأيدي الولايات المتحدة. فهي بحاجة للتعاون مع الولايات المتحدة للضغط على حكومة إريتريا، خصوصاً أنه يتوقع في ظل التغييرات الجارية أن تنقل الولايات المتحدة قاعدتها الحالية من جيبوتي إلى إريتريا، وذلك بعد أن أقامت الصين أكبر منطقة للتجارة الحرة في أفريقيا، في دولة جيبوتي زيادة على القاعدة العسكرية، وبالتالي فإن الأميركيين في طريقهم إلى إريتريا ليس فقط لحفظ الاستقرار وإنما أيضاً ليتمكنوا من الصمود في وجه المنافسة الصينية.
ويخلص التقرير إلى أن صمود وبقاء نظام الرئيس الإريتري مرهون اليوم بضمانات أميركية، خصوصاً بعد أن طالبت إثيوبيا برفع العقوبات المفروضة على إريتريا. وهنا بالضبط، يقول التقرير يكمن مركز الثقل الإسرائيلي. ويوضح التقرير أن بمقدور إسرائيل العمل سوية مع الولايات المتحدة لتوفير الشروط والظروف الملائمة لإعادة المهاجرين الإريتريين إلى وطنهم، بشكل يحل في الطرف الأول مشاكل جنوب تل أبيب حيث يتركز المهاجرون واللاجئون الأفارقة، ومن الطرف الآخر، مشاكل النظام في إريتريا وإعادة الشرعية المفقودة له.