المشاريع الوهمية الكبرى.. مليارات مصر الضائعة بين السيسي ومبارك

09 اغسطس 2016
+ الخط -

احتفل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، السبت الماضي، بمرور عام على افتتاح تفريعة قناة السويس، وهو المشروع الذي تكلف قُرابة 8 مليارات دولار، أي ما يوازي 99 ملياراً و200 مليون جنيه مصري وفقا لسعر الجنيه في مقابل الدولار في السوق الموازية.

وصف السيسي مشروعه بـ "الإنجاز" الذي استطاع زيادة دخل مصر الدولاري بنسبة 4%، مُحذراً من محاولات التشكيك في نجاح هذا "الإنجاز" في احتفالية الذكرى الأولى لافتتاح تفريعة قناة السويس، وهو التصريح الذي لا يمت إلى الحقيقة بصلة، إذ نقلت وكالة رويترز للأنباء عن ناجي أمين، مدير إدارة التخطيط في هيئة قناة السويس، خلال شهر يناير/كانون الثاني الماضي، إعلانه تراجع قيمة إيرادات القناة بالدولار بنسبة 5.3 % خلال العام 2015 مُقارنة بإيرادات في العام 2014، وبلغت قيمة التراجع 290 مليون دولار (أي ما يوازي 3 مليارات و596 مليون جنيه مصري).

وكانت إيرادات القناة قد انخفضت في الشهرين التاليين لافتتاح المشروع في أغسطس/آب، وسبتمبر/أيلول من العام 2015، بقيمة 68.8 مليون دولار (853 مليون جنيه)، مُقارنة بالشهرين نفسيهما في العام 2014، مما أدى إلى فرض الحكومة تعتيماً على نزيف الخسائر عبر وقف نشر بيانات إيرادات القناة بالدولار الأميركي والاكتفاء بدلا من ذلك بنشرها بالجنيه المصري، في فبراير/شباط الماضي، ومن ثم وقفها تماما في مارس/آذار من العام ذاته.

لم يكن انخفاض إيرادات القناة هو المشكلة الوحيدة التي سببها مشروع السيسي للاقتصاد المصري، فقد أدى التسرع في إنهاء المشروع وإسناد أغلب أعمال الحفر والتكريك إلى شركات أجنبية، تم الدفع لها بعملات أجنبية، إلى وقوع مصر في أزمة نقص حادة في النقد الأجنبي، وفق ما أعلن عنه رئيس البنك المركزي السابق، هشام رامز، في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، قبيل تقدمه باستقالته من منصبه، وهو ما أدى إلى ارتفاع تاريخي لسعر الدولار الأميركي مُقارنة بالجنيه المصري، حتى كسر سعر صرف الدولار حاجز الـ 13 جنيها، بعد أن كان سعره قد سجل 7.17 جنيهات، قبيل تولي السيسي رئاسة الجمهورية، إلى جانب فوائد شهادات الاستثمار التي جمعت من خلالها الحكومة تكلفة الحفر، والتي تم تحديدها بـ 12% سنويا، مدتها 5 أعوام، على أن يصرف عائدها كل 3 أشهر، وتتحملها هيئة قناة السويس بالكامل، ستدفع منها خلال العام الحالي وحده 5.6 مليارات جنيه، وفقا لبيانات الهيئة التي أعلنتها في الموازنة العامة للدولة، وهو ما جعل ناشطين مصريين على مواقع التواصل الاجتماعي يصفون احتفال السيسي بتفريعة القناة، بأنه "احتفال بتحقيق واحدة من أكبر النكسات الاقتصادية في تاريخ مصر".


ترعة السلام

يصف مراقبون تفريعة السيسي، بأنها حلقة ضمن سلسلة المشاريع القومية الفاشلة التي طحنت الاقتصاد المصري خلال العقود الماضية، والتي كان منها مشروع ترعة السلام الذي بدأت فكرته وفق ما ذكر الدكتور، عمر فضل الله، في كتابه "حرب المياه"، خلال مباحثات اتفاقية كامب ديفيد عام 1977، من الخبير الصهيوني، شاؤول أرلوزوروڤ، الذي كان يعمل نائبَ مدير هيئة المياه في كيان الاحتلال، والذي انتقل من عمله فيها ليعمل مديرا لمشاريع المياه في البنك الدولي.

ويوضح الدكتور فضل الله أن هذا المشروع كان يهدف إلى نقل مياه نهر النيل إلى إسرائيل، عبر شق ست قنوات مياه تحت قناة السويس، وهو ما أتبعه خطاب من الرئيس الراحل، أنور السادات، إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، مناحم بيغن، نشرته مجلة "أكتوبر" في عدد 16 يناير/ كانون الثاني عام 1979، قال فيه: "حيث أننا شرعنا في حل شامل للمشكلة الفلسطينية، فسوف نجعل مياه النيل مساهمة من الشعب المصري باسم ملايين المسلمين كرمز خالد وباق على اتفاق السلام"، وأشارت المجلة إلى أن السادات أعطى، بالفعل، إشارة البدء لحفر ترعة السلام بين فارسكور (على فرع دمياط) والتينة (على قناة السويس شمال الإسماعيلية)، حيث تقطع مياه الترعة بعد ذلك قناة السويس خلال ثلاثة أنفاق، لتروي نصف مليون فدان.

في العام 1994 أصدر الرئيس المخلوع، حسني مبارك، قرارا جمهوريا بتخصيص 400 ألف فدان لحفر ترعة السلام بطول 155 كيلومترا، لإضافة رقعة زراعية قدرها 400 ألف فدان داخل سيناء، تروى بماء النيل مخلوطا بالصرف الزراعي، لإعادة توزيع وتوطين السكان بصحراء مصر، وتنمية سيناء وربطها بمنطقة شرق الدلتا وجعلها امتداداً طبيعياً للوادي. وبعد أكثر من 20 عاماً، وإنفاق أكثر من 5 مليارات ونصف مليار جنيه وفق ما صرح به وزير الري السابق، حسام المغازي، في العام 2015، فإن إجمالي ما تمت زراعته لا يتعدى 60 ألف فدان، بجانب بوار مساحات من تلك الأراضي نتيجة انقطاع المياه، وهو المشروع الذي وصفه المهندس، حسب الله الكفراوي، وزير الإسكان السابق بالفاشل، وذلك لسوء التخطيط له، مثل مرور الترعة في منطقة سهل الطينة، عالية الملوحة، بجانب تلوث مياه الصرف الزراعي المُعتمد عليها إلى جانب مياه النيل ضمن منظومة الري، وهو ما فاقمته أزمة نقص حصة مصر من مياه النيل، نتيجة سد النهضة الإثيوبي، وبالتالي زادت تلك الأزمة من صعوبة ري الأراضي في تلك المنطقة.


توشكى

يتحمل الرئيس المخلوع، مبارك، المسؤولية الكاملة عن مشروع توشكى القومي "الوهمي"، الذي رفضه الرئيسان، عبد الناصر والسادات، لعدم جدواه الاقتصادية، وفق شهادة المهندس، حسب الله الكفراوي، وهو ما أوضحه تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات عن المشروع عام 2010، بعد 14 عاما على بدء العمل فيه، إذ أورد التقرير أن الدولة قامت بإهدار 6 مليارات جنيه من أجل استصلاح 540 ألف فدان، كما أنه طوال 14 عاما من عمر المشروع، لم يتم استصلاح سوى 22 ألف فدان، وهو ما يُمثل 4.2% من الهدف المرجو منه، إلى جانب كمية الفساد الهائلة التي غرق فيها المشروع، إذ بلغت تكلفة استصلاح الفدان في المشروع أكثر من 11 ألف جنيه، في حين أنه تم بيعه للمستثمرين بمبلغ 50 جنيها فقط، وفق تقرير الجهاز المركزي.


المفاعل النووي

إلى جانب التاريخ المليء بالخسائر الهائلة في المشاريع القومية الوهمية الفاشلة، فإن المستقبل لم ينجُ أيضا من تلك الجرائم، ففي عددها الصادر يوم 19 مايو/أيار الماضي، نشرت الجريدة الرسمية قرار رئيس الجمهورية بالموافقة على الاتفاقية المصرية الروسية، التي أبرمها السيسي، بشأن اقتراض مبلغ 25 مليار دولار أميركي، لإنشاء محطة طاقة نووية مصرية، وهو ما يُمثل 85% من قيمة المحطة، أي أن السيسي اتخذ قرارا منفرداً بتكبيل الأجيال القادمة بقرض ضخم تبلغ قيمته نصف إجمالي الديون الخارجية بأكملها تقريبا.

وإلى جانب هذه الديون الخطيرة، فإن الصفقة لم تخلُ أيضا من علامات استفهام خطيرة، إذ قامت نفس الشركة الروسية، "روس أتوم"، بتوقيع اتفاق مع الحكومة التركية بإنشاء محطة نووية مُماثلة للمصرية (4 مفاعلات من الجيل الثالث بإجمالي طاقة كهربائية تبلغ 4800 ميغا) بتكلفة بلغت 20 مليار دولار فقط، أي أن الحكومة المصرية قامت بشراء نفس المحطة بزيادة مهولة بلغت 9 مليارات دولار، وذلك بغض النظر عن أن طريقة الدفع مع الجانب التركي أفضل بكثير إذ إن الحكومة لن تدفع شيئاً من تكلفة المحطة، وإنما سيتم دفعها من حصيلة بيع الكهرباء المُنتَجة.

ويقول بيشوي مجدي، الباحث الاقتصادي ومدير وحدة الأبحاث الاقتصادية في المفوضية المصرية للحقوق والحريات، لـ"العربي الجديد"، أن المشكلة الرئيسية وراء تلك المشروعات هي أنها تنفذ بدون أية دراسة لجدواها الاقتصادية، إذ إن الهدف الأساسي من ورائها هو تدعيم شعبية النظام الحاكم، وبالأخص في الفترات التي تشهد حالة من الركود الاقتصادي والضغوطات السياسية أيضاً.

وتابع بيشوي موضحا أن تمويل مشروع قناة السويس الجديدة من خلال شهادات الاستثمار كان الغرض منه توصيل رسالة ما في الداخل والخارج، مفادها أن القيادة السياسية في مصر تتمتع بدعم شعبي كبير، فكانت مشاهد المواطنين الذين تزاحموا على شراء تلك الشهادات خير دعاية لمثل ذلك الغرض، في حين أن المشروع كان يمكن تمويله من خلال أذون وسندات الخزانة وبسعر فائدة أقل من تلك التي تعطى لحاملي الشهادات، وهو ما يؤكد على أن اختيار وسيلة التمويل كان لغرض دعائي.

وعلى الرغم من استهداف النظام الحاكم تدعيم شعبيته من خلال تلك المشروعات الضخمة، جاءت النتيجة عكسية، إذ بسبب عدم تحقق جدوى فعلية يلمسها الشعب، من تلك المشروعات، تسببت في إضعاف شعبية النظام الحاكم وكذلك مصداقيته، بدلا من زيادة تلك الشعبية، وكان الأمر أكثر وضوحا في حالة مشروع قناة السويس الجديدة، مقارنة بمشاريع سابقة في عهد حسني مبارك كمشروع توشكى مثلا، لكبر حجم الموارد المالية التي تم ضخها في ذلك المشروع، وكذلك نتيجة لخروج جزء من تلك الموارد للخارج في صورة عملة صعبة، في ظل معاناة الاقتصاد المصري من أزمة حادة في النقد الأجنبي.

دلالات