المدن العربية والصينية

06 نوفمبر 2018
+ الخط -
للمرة الأولى على مستوى المدن، اجتمعت في مدينة تشنغدو، عاصمة مقاطعة سيتشوان، وسط جمهورية الصين الشعبية، أواخر شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، نحو عشرين مدينة عربية وصينية للتباحث في تعاون الجانبين على الصعيدين، الثقافي والسياحي، في "منتدى الثقافة والسياحة للمدن الصينية والعربية"، بتنظيم مشترك من وزارة الثقافة والسياحة الصينية ومؤسسة مجموعة العمل الثقافي للمدن العربية، المنبثقة عن منظمة المدن العربية.
ظهر التعاون، مؤسسي الطابع بين الجانبين العربي والصيني، منذ العام 2004، ولكن على مستوى الحكومات، مع الإعلان عن تأسيس منتدى التعاون العربي الصيني، والذي انتهج التركيز على المسائل الاقتصادية والتجارية. وبينما يتجه العالم اليوم إلى التسليم بأدوار المدن والحكم المحلي في توجيه مسارات التنمية وقيادة الحياة البشرية في مختلف الدول، كان واجباً الالتفات إلى تعاون المدن على الجانبين، من أجل الوصول بالتعاون إلى نتائج أفضل.
قبل انعقاد المنتدى بيومين، التقيت في عمّان سفير الصين لمنتدى التعاون العربي الصيني، لي شينغ ون، وكان في جولة شملت عدة دول عربية. قال إن بناء علاقات مستقبلية بين المدن ستكون له أهمية كبرى في إنجاح مرامي منتدى التعاون، وإن المنتدى يمثل بذلك أهمية كبرى.
وفي تشنغدو، كان الأمر كذلك، فقد بدت أعمال المنتدى على درجةٍ عالية من الأهمية، ابتداءً من قول وزير الثقافة والسياحة الصيني، لوه شو قانغ، إن التعاون الصيني العربي دخل مرحلة جديدة على نحو شامل، آملاً أن تعزّز المدن الصينية والعربية آليات التبادل والتعاون بينها، بحيث تبني علاقاتها الثقافية والسياحية الخاصة، مروراً بتصريح الأمين العام لمنظمة المدن العربية، أحمد حمد الصبيح، إن المنتدى سيؤسس لمرحلة جديدة من التعاون العربي الصيني، على طريق دعم برامج العمل الثقافي على مستوى المدن والبلديات العربية، والاستفادة من التجارب والخبرات الصينية في استقطاب المبدعين والخبراء في تنظيم المعارض والفعاليات الثقافية والفنية التي من شأنها أن تحقق لمدن الجانبين مجتمعاتٍ متحضّرة، وعلى مستوى متقدم من المعرفة والثقافة.
وفي ضوء إعلان تشنغدو، اتفقت المدن الصينية والعربية على تعزيز التعاون الثقافي والسياحي بينها في خمسة مجالات: تعميق التعاون الثقافي والسياحي في إطار مبادرة الحزام والطريق، نشر التوافق الثقافي المنفتح والمتسامح، إثراء مضمون التعاون ثقافياً وسياحياً، التركيز على التعاون بين المدن ورفع قدرة المدن التنافسية وجاذبيتها في الثقافة والسياحة، وإبداع نموذج للتعاون يعزّز اندماج التنمية الثقافية والسياحية. أما المدن الحاضرة، فهي من الجانب العربي: الرباط، الدوحة، مراكش، بغداد، الخليل، إربد، فاس، أريحا، إلى جانب منظمة المدن العربية التي تضم أكثر من خمسمائة مدينة عربية، بينما حضرت من الصين مدن: تيانجين، شنغهاي، نانجينغ، تشونغتشينغ، هانجو، نينغبو، شيامن، شنغدو، ووهان، شيان، تشانغشا، تشيوانتشو، دينغشي.
ما يمكن تأكيده، في هذا السياق، أن العلاقات العربية الصينية تتوفر اليوم على أرضية أصلب من أي وقت مضى لبناء العلاقات الثنائية، وإقامة التعاون المشترك، خصوصا بعد الكلمة التاريخية للرئيس الصيني، شي جين بينغ، في افتتاح قمة منتدى التعاون العربي الصيني في يوليو/ تموز من العام الجاري، والتي تحدث فيها عن مساراتٍ جديدة للعلاقات بين الصين والدول العربية، منها نقل التكنولوجيا والتعاون في مجالاتها، وهو مجالٌ غير مسبوق للتعاون بين العرب وأيٍّ من القوى العالمية المعاصرة.
ولكن ما يُخشى عليه دوماً، وهو ما أكدته لسفير الصين إلى منتدى التعاون، أن تواصل العلاقات غير التجارية بين الجانبين مراوحتها في إطار المجاملات وتسجيل المواقف، من دون أن تنعكس على الأرض. هنا، قال السفير إن دور المدن سيكون مختلفاً عن دور الحكومات، ما دامت مؤسساتٍ للحكم المحلي في ما يمسّ معايش الناس وحيواتهم اليومية. ليس غريباً، إذن، أن منظمة الأمم المتحدة اعتبرت، إبّان صياغتها خطتها للتنمية المستدامة في المدن 2030، أن العالم اليوم هو عالم المدن.
حسنٌ، إذن، ربما تغير المدن نظرتنا وفهمنا للعلاقات الدولية ومناهجها ومراميها، وتكون أكثر عمليةً وجدوى وإثماراً.
دلالات
1E93C99F-3D5E-4031-9B95-1251480454A7
سامر خير أحمد

كاتب أردني من مواليد 1974. صدرت له سبعة كتب، أبرزها: العرب ومستقبل الصين (بالعربية والصينية)، العلمانية المؤمنة، الماضوية: الخلل الحضاري في علاقة المسلمين بالإسلام، الحركة الطلابية الأردنية. رئيس مجموعة العمل الثقافي للمدن العربية.