المازوت السوري... براميل أرضية متفجرة في حلب

12 نوفمبر 2016
الحلبيون يعانون من براميل تصنيع المازوت اليدوي (العربي الجديد)
+ الخط -
مع حلول الصباح، يجهز الشاب السوري، لؤي فحّام، وثلاثة من أصدقائه، براميل وأنابيب معدنية وعربة يدوية ممتلئة بقطع بلاستيكية محطّمة، استعداداً للعمل على تصنيع مادة المازوت بطريقة بدائية أجبرهم عليها، النقص الشديد الذي تعاني منه مولدات المشفى الميداني الوحيد الذي يتولّى علاج الجرحى والمصابين في حي قاضي عسكر، (شرق مدينة حلب)، منذ فشل الهدنة بين مقاتلي المعارضة وجيش النظام في 19 سبتمبر/أيلول الماضي.

غير أن عمليات التصنيع اليدوية، محفوفة بالعديد من المخاطر، يأتي على رأسها انفجار البراميل المستخدمة، ويفاقم المشكلة الأدخنة المنبعثة من صهر المواد البلاستيكية والتي تدمر البيئة وتفاقم المعاناة الصحية لـ 250 ألف مدني سوري، نصفهم من النساء والأطفال المحاصرين في الجزء الشرقي لمدينة حلب منذ الخامس من أيلول/ سبتمبر الماضي، الذين يعيشون دون أدنى مقوّمات الحياة، بما في ذلك المواد الغذائية والأدوية والوقود، كما يقول لؤي لـ"العربي الجديد".

كيف تتم عملية الاستخراج؟

يشرح لؤي لـ"العربي الجديد" طريقة تصنيع المازوت يدوياً: "تتم العملية عبر الحصول على برميل كبير، يتم شقه فتحتين قابلتين للإغلاق في أعلاه، الأولى مرتبطة بأنبوب طويل، مهمته سحب ناتج الوقود، والفتحة الثانية يتم وضع قطعة البلاستيك المكسورة داخلها، ثم يتم إغلاقها بإحكام عبر غطاء معدني".

يستطرد الشاب البالغ من العمر 29 عاماً: "نقوم برفع البرميل بعدها ونضع تحته كميات كبيرة من الأخشاب ونشعل النار ليبدأ البلاستيك داخله بالانصهار ثم الغليان، حتى يذوب بشكلٍ كامل".

بعد عملية الذوبان، يتابع لؤي، موضحاً أن دخاناً كثيفاً ينبعث من الفتحة الثانية الموصولة بأنبوب، والتي يتم وضع كميات كبيرة من المياه فوقها ليتحول الدخان بدوره إلى سائل مخثّر وسميك يُصهر مرّة أخرى، ثم يتم تبريد الدخان المنبعث منه، ويُعاد تكرار العملية مرة ثالثة، وفي هذه المرحلة يخرج المازوت الخالص.


أسعار مضاعفة في المناطق المحاصرة

منذ 20 يوماً، تطوع الشاب الحلبي عماد خالد، للعمل في استخراج المازوت من البلاستيك المنتشر في عدد من نقاط التصنيع في شرق مدينة حلب، ويحدد عماد ولؤي نقاط التصنيع بـ 35 نقطة تعمل على تغطية احتياجات الأهالي والمشافي الميدانية.

ويبلغ سعر اللتر الواحد من مادة المازوت المصنع في الأحياء المحاصرة بمدينة حلب 1100 ليرة سورية (حوالى 2 دولار)، في حين يبلغ سعره في المناطق التي لا تشهد حصاراً 190 ليرة سورية (35 سنتاً من الدولار) وفقاً لإفادة عماد، الذي يبيع اللتر الواحد بمبلغ 400 ليرة سورية (قرابة دولار)، في محاولة للتخفيف عن المحاصر وبيع تلك السلعة الاستراتيجية بمبلغ التكلفة، التي تشمل أجره والمواد المستخدمة في عملية التصنيع، التي تستمر 9 ساعات يومياً من أجل توفير 50 ليتراً توفر الاحتياجات الأساسية للحي.

ولا ينكر عماد وجود من يستغلون حاجة المحاصرين إذ يبيعون المازوت بأسعار أعلى من ذلك، غير أنه يرفض ذلك إذ إن العمل شديد الخطورة، وقد ينفجر البرميل في من يعملون أو يسقط عليهم آخر عبر السماء من طائرات الأسد.



البراميل الأرضية المتفجرة

يؤدي اشتعال البلاستيك إلى ترسب بقاياه على الحواف الداخلية للأنبوب الذي يخرج منه المازوت، الأمر الذي يزداد بعد عمليات التصنيع المتكرّرة في البراميل والأنابيب ذاتها، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى انسداد جزئي في الأنبوب المتصل بالبرميل، وبالتالي ينفجر البرميل بعد أن يرتفع الضغط داخله بسبب انسداده من الجهتين، بحسب ما شرحه سمير الحسين الشاب الحلبي الذي عمل في تصنيع المازوت يدوياً، قبل أن ينسحب بعد انفجار برميل، في عدد من أصدقائه العاملين في ذات المهنة.

ووثّقت "العربي الجديد" ثلاثة انفجارات لبراميل تصنيع المازوت. اثنان منها في حلب والآخر في حي القدم المحاصر جنوب دمشق، وأدت الانفجارات التي وقعت خلال الشهر الماضي إلى مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة اثنين آخرين، ووقعت آخر حادثة في حي الصاخور شرق حلب، وراح ضحيتها أبو محمد وأصيب صديقاه، العاملان معه في تصنيع المازوت من البلاستيك، بحسب ما أفاد سكّان محلّيون من المنطقة ومعد التحقيق.

ومن بين المصابين في انفجار براميل المازوت، شقيق الناشط والمصوّر الصحافي يحيى الرجو والذي كان يعمل متطوّعاً في نقطة التصنيع ذاتها، التي توفي عليها أبو محمد.

وفي إفادته أكد شقيق الناشط الرجو، أن البرميل انفجر، بعد أن استُخدم لأكثر من أسبوعٍ كامل دون أن يتم تبديل المعدات، مشيراً إلى أن بقايا البلاستيك ترسّبت على الجدار الداخلي للأنبوب ومنعت خروج المادة منه، فانسد البرميل في ظل تزايد الضغط داخله بفعل عملية التسخين التي استمرت 10 دقائق، ولم يتنبه القائمون على التصنيع خلال تلك الفترة، إلى وجود خلل يمنع من خروج مادة المازوت، فوقع الانفحار.


مخاطر صحية وتدمير بيئي

في الساحة الرئيسية لمنطقة طريق الباب، وقرب دوار الحلوانية في أقصى شرق حلب، عمل خلدون مع ثلاثة من أبناء حارته على إشعال النار تحت برميلٍ ممتلئ بقطع بلاستيكية، بغية تصنيع المازوت، غير أن أطفالاً يلعبون بالمنطقة، اشتد سعالهم بفعل الدخان الكثيف ورائحة البلاستيك المحروق.

ويصنع البلاستيك من مواد أولية تسمى البوليمرات، وهي جزيئات عملاقة تتكون في سلسلة مترابطة من عدد كبير من جزيئات صغيرة من المونومرات، تُشتق هذه الأخيرة بالأصل من النفط الخام وأحيانًا من الفحم والغاز الطبيعي، بعد تكسير روابط المادة النفطية في معامل بتروكيماوية، يضاف إلى هذه الجزيئات مواد كيميائية أخرى، ويتركّب البلاستيك من الآيثين وهو أحد مشتقات النفط، الذي يستخدم في صناعة البوليثين، لذلك فإن صهره يولد المازوت أو الكاز حصراً، على ما يشرح الخبير عبدالله صمادي، الحائز على درجة الماجستير في علم الكيمياء.

يقول صمادي في حديثٍ لـ "العربي الجديد": "يدخل في تركيبة البلاستيك مادتا "نيتروسيكوتين والألدهيدات المشعّة"، ومركبات "الديوكسينات" السامة، والتي تهدد من يتعرضون لها بالإصابة باسمرار الجلد اللطخي واختلال وظيفة الكبد على المدى القريب.

وأضاف صمادي أن مادة الفورمالديهايد تعد من الألدهيدات المشعّة التي تدخل في صناعة البلاستيك، وتعد من العوامل الأساسية لإصابة من يتعاملون معها بالسرطان، مُرجعاً ذلك إلى قدرة هذه المواد على تدمير الحمض النووي في جسم الإنسان، وتعطيل عملية التمثيل الغذائي الخلوي.

وذكر صمادي أن وضع العاملين لـ "كمامة" على وجههم خلال عملية التصنيع يعد أمراً غير كافٍ، شارحاً، إن الأمر لا يتعلّق باستنشاق الدخان بشكل مباشر، وإنما بالتواجد قرب هذه المواد والمساس بها خلال عملية التصنيع، إذ تحتاج إلى أدوات تحجبها عن التنفس أكثر متانة من الكمامة التقليدية، مردفاً أن التصنيع في مناطق مأهولة بالسكّان يزيد من إمكانية إصابتهم على المدى البعيد باختلال في الجهاز المناعي والجهاز الصماوي وعرقلة تطور الجهاز العصبي والتأثير على الوظائف الإنجابية وبالطبع يتهددهم السرطان.

وتعد غوطة دمشق الشرقية، أول منطقة سورية لجأت إلى تصنيع المازوت من البلاستيك بعد تعرضها لحصار خانق اشتد مع بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام 2013، وحقّقت الغوطة اكتفاءً ذاتياً من المازوت كما تقول الطبيبة، منى حجو، التي كانت موجودة في الغوطة الشرقية خلال فترة استخراج هذه المواد.


محاولات للوقاية من انفجار البراميل

في ظل الحاجة الماسّة للمازوت، يعمد لؤي فحّام إلى جعل الأنابيب الخاصة بخروج المازوت السائل من البرميل ثخينة قدر الإمكان، تفادياً لانسداده بشكلٍ كامل، وزيادة ضغط البرميل الذي يؤدي إلى الانفجار، مشدداً على ضرورة تبديل الأنبوب والبرميل كلّه، وبقية المعدّات كل 5 أيام على أقل تقدير، حتى يتم التخلّص من الرواسب البلاستيكية التي تعلق في الجدار الداخلي للبرميل والأنبوب.

غير أن الخبير الكيميائي صمادي، وعلى الرغم من معرفته بأهمية عملية تصنيع المازوت هذه للسكان المحاصرين، شدد على ضرورة إيقافها قدر الأمكان، مشيراً إلى ضرورة إبعادها نهائياً عن أي منطقة مأهولة بالسكان بحدود 2 كم، في حال لم يكن بالإمكان التوقف عنها بسبب الحصار الخانق.

دلالات