"مات مثل كلب"، هكذا وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لحظة قتل زعيم تنظيم "داعش" أبو بكر البغدادي، في مؤتمر صحافي قبل أيام. ترامب الذي نادراً ما يمارس أي نوع من أنواع الرقابة على كلامه، هو واحد من أكثر زعماء العالم استخداماً للكلام البذيء والشتائم. فخلال حملته الانتخابية ثمّ بعد انتخابه، كان يتوجّه بالكلام إلى خصومه بشتائم مباشرة. فعل ذلك عندما خاطب الصين في خضم حربه التجارية معها، وفعل ذلك مهاجماً الشركات التي هدّدت بنقل عملياتها خارج الولايات المتحدة، وفعلها مع النائبات الديمقراطيات في الكونغرس، وفعلها مراراً على "تويتر".
شتائم ترامب فتحت الباب أمام زعماء شعبويين آخرين في العالم لاستخدام نفس اللغة، مثل الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو، والرئيس الفيليبيني رودريغو دوتيرتي. لكن الشتيمة المستغربة من زعماء الدول، أو في التعامل الدبلوماسي الدولي ليست كذلك في الشارع. إذ تعتبر الشتيمة جزءاً أساسياً من اللغة المحكية عند الشعوب، وإن كانت علنيّتها أو استخدامها في سياقات عامّة يتفاوتان بين ثقافة وأخرى. ففي العالم العربي على سبيل المثال تعتبر الشتائم في المجالات العامة أمرا شبه مستحيل، ومدانا. وهو ما جعل سيل الشتائم الذي انطلق في ساحات التظاهر اللبنانية منذ انطلاق انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول أمراً مفاجئاً في البداية بالنسبة للشعوب العربية الأخرى، كذلك بالنسبة للبنانيين آخرين. وجد هؤلاء هذه الأريحية باستخدام الشتائم (أغلبها تحمل سباً وإيحاءات جنسية) كسراً لأعراف اجتماعية وأخلاقية امتدّت لقرون.
لكن ما لا يعرفه الغاضبون ربّما هو أن للشتيمة فوائد خلفيات علمية وإن في اللاوعي البشري. ففي عام 2009، طلب ريتشارد ستيفنز، وهو عالم نفسي في جامعة كيلي الإنكيزية، من مجموعة من المتطوعين أن يغرقوا يدا واحدةً في دلو من الماء المثلّج والحفاظ عليها هناك لأطول فترة ممكنة. أثناء هذا الاختبار كان يطلب ستيفنز من المشاركين تكرار عبارة بذيئة من اختيارهم، كما كان يطلب منهم أيضاً استخدام كلمة محايدة وغير بذيئة، ليبيّن في نهاية الاختبار أنه بإمكان المشاركين تحمل الألم في يدهم لفترة أطول عند استخدامهم للشتيمة، وفق نتائج الدراسة التي نشرت جزءاً منها "نيويوركر" الأميركية. وبحسب ستيفنز فإن الاستخدام التلقائي للشتيمة في لحظات الغضب أو التحدي أو الحزن، يعطي الشاتم قوة إضافية تجعل من قدرته على المواجهة أكبر.
في السياق نفسه وجد الباحثون في جامعة بريستول البريطانية عام 2011، أن ترداد كلام بذيء بصوت عالٍ، له تأثير على الجانب النفسي والعاطفيّ عند قائله. إذ تبيّن أنه يصدر من أجزاء محددة في الدماغ، وهي الأجزاء المسؤولة عن المشاعر، وهو ما يحوّل الشتيمة بحسب هذه الدراسة إلى اللغة الأساسية والأكثر صدقاً وتعبيراً عن العاطفة.
في لبنان، كما في العالم، عادة ما تكسر الشتيمة، قواعد اللغة، فإن استخرجناها من سياقها الآني، تبدو بلا معنى. فأغلبها مثلاً لا تحتوي على أفعال، بل مجرد تعداد لأعضاء تناسلية أو ذكر لفعل جنسي خارج أي سياق مناسب. لذلك فإن التعامل مع الشتيمة غالباً ما لا يكون بحرفيّتها اللغوية، وفي هذه الحالة تخفّ وطأتها.
على سبيل المثال لا تزال الشتائم التي كررها الممثلون في مسرحيات زياد الرحباني أثناء الحرب الأهلية، تحديداً "بالنسبة لبكرا شو" (1978)، و"فيلم أميركي طويل" (1980)، و"شي فاشل" (1983)، تتكرّر في سياقاتها المسرحية حتى اليوم في الخطاب اليومي اللبناني. فهي شتائم لوصف حالة أو موقف معيّن، تكريس لغضب أو دهشة، لا تبدو الكلمات العادية كافية للتعبير عنها. لكن باستثناء مثال الرحباني، خلا الفنّ اللبناني لعقود من الشتائم المباشرة على اعتبارها انعكاسا للغة المحكية. تغيّر هذا الواقع بعد تظاهرت الحراك المدني عام 2015، حيث ظهرت أغاني راب، تستخدم الكلام غير المنمّق البذيء. وفي العالم العربي برزت بعض الأمثلة في مصر، بعد ثورة 25 يناير، مثل أغاني رامي عصام. لكن هذه اللغة لم تنتقل إلى الفنّ الرئيسي الأكثر انتشاراً، مثل الأفلام وأغاني البوب والمسلسلات.
في الغرب يختلف الواقع بشكل كبير، تحديداً على الساحة الفنية. إذ بدأ انتشار الألفاظ النابية في الأفلام الغربية في بريطانيا تحديداً. وقد استخدمها فيلمان بريطانيان عام 1967: فيلم "أوليس" لجوزيف ستريك، وفيلم I'll Never Forget What's'isname لمايكل وينر. أما في الولايات المتحدة فانتشرت الشتائم في التصريحات والهتافات العامة ثمّ في هوليوود، أثناء حرب فيتنام، بعد قيام تظاهرات عدة مناهضة للحرب. ومطلع السبعينيات انتقلت هذه اللغة إلى الشاشة الأميركية، في فيلم Carnal Knowledge عندما استخدم الممثل جاك نيكلسون الشتيمة للمرة الأولى. ثمّ تلته تجارب أخرى، أشهرها الشتيمة التي تلقيها الطفلة ليندا بلير في فيلم "ذا إكزورسيست" (1973).
في الثمانينيات باتت الشتائم تتكرر في الأفلام والأغاني وصولاً إلى الألفية الجديدة، لتتكرّر الشتيمة في فيلم "وولف أوف وول ستريت" (2013) للمخرج مارتن سكورسيزي، 569 مرة، ما مجموعة 3.16 دقائق وفق دراسة أجراها بول بيرنز ونشرت في صحيفة "ذا سيدني مورنينغ هيرالد" الأسترالية.