اللاعب والمستبد

01 يوليو 2018

محمد صلاح مع الرئيس الشيشاني رمضان قديروف في الشيشان

+ الخط -
فازت فرنسا في المباراة النهائية لبطولة كأس العالم في كرة القدم التي استضافت منافساتها سنة 1998. وخرج عشية الفوز آلافٌ من الفرنسيين، ومن في حكمهم، للاحتفال في شوارع المدن تحت شعار "زيدان رئيس". وكان زين الدين زيدان اللاعب الأول والأبرز في المنتخب الفرنسي حينذاك. وفي جادة الشانزيليزيه الأشهر في العاصمة باريس، تم عكس صورة عملاقة لزيدان على قوس النصر التاريخي الذي يعتلي الجادّة، مع علم فرنسي عملاق. ومنذ الفوز الفرنسي النادر ذاك، صار لاعبو المنتخب الوطني، وهم من أعراق مختلفة، رموزاً يُعتدّ بها في تحفيز عملية الاندماج لمختلف مكونات المجتمع الفرنسي. وقد نال الفريق بعضاً من رذاذ السم العنصري، حينما ندّد رئيس الجبهة الوطنية حينذاك، جان ماري لوبان، بوجود عدد كبير من أصحاب البشرة السمراء، والذين، يا للهول، لا يعرفون النشيد الوطني، فقد لاحظ، بامتعاضٍ وإدانة، أن جُلّهم لم يُردّده في افتتاحيات المباريات.
ساهم ذلك الفوز في رفع مؤشرات الرضا والسعادة، كما الإنتاجية، في المجتمع الفرنسي، ونُشرت كتب عديدة وخفيفة عن تأثيره في مختلف مجالات الحياة. في المقابل، كان للعلوم الاجتماعية الفرنسية باعٌ قديم بالاهتمام جدّياً في الآثار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لهذه اللعبة، عبر كتب تأسيسية في "اتنولوجيا" كرة القدم، كما في "العلاقات الدولية" وكرة القدم. وأبرز من كتب في هذين المجالين كريسيتان برومبيرجيه، الباحث في المركز الوطني للبحث 
العلمي، والذي خصّص جُلّ إنتاجه العلمي لكرة القدم، واهتم بالمشجعين وحوافزهم، كما اهتم أخيرا بالتقلبات البنيوية في اللعبة وارتباطاتها الاقتصادية، وكان قد خصّ الفوز الفرنسي بكأس العالم بدراساتٍ ممتعةٍ، تعكس التحولات الاتنولوجية في المجتمع، إثر هذا الحدث. ومن جهة أخرى، وعلى مستوى العلاقات الدولية، برزت دراسات باسكال بونيفاس، مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس، والذي توسّع في إسقاط لغة كرة القدم على السياسات الدولية واستخداماتها في التفاوض أو في النزاع.
إثر ذلك، بدأ الإعلام، كما الساسة، في البحث عن النجم/ الرمز لاستخدامات اجتماعية وسياسية ترتبط بمسألة الاندماج والتفوق من جهة، أو بمسائل متعدّدة يُرجى منه إبداء الرأي فيها من جهات أخرى، وندر من كان قادراً على لعب هذا الدور من اللاعبين "النجوم". وعلى الرغم من استثنائية المواهب الرياضية، إلا أن تطوير العضلات ليس بالضرورة متناسبا طرداً مع تطوير الملكتين، الذهنية والثقافية. ومن الجائر أن يُطالب نجمٌ كرويٌ بأن يصير مُحللاً سياسياً، أو مصلحاً اجتماعياً أو صاحب مشروع ثقافي.
مع ذلك، برز من المنتخب الفرنسي حينذاك لاعب "نادر"، صاحب تطور ذهني يتجاوز المعدل الوسطي لدى الرياضيين من أقرانه، اسمه ليليان تورام. وقد لعب، بإرادته ومعتمداً على وعيه من دون همرجة الإعلام، دوراً توعوياً في مجتمعات الفقر التي تذخر بها بعض ضواحي المدن الكبرى الفرنسية، والتي أتى من لدنها. وصار مرجعاً للتعليق على مسائل العنصرية والتمييز، كما اهتم بسعي شباب الضواحي، من إثنياتٍ وأديانٍ متنوعة، إلى العمل، وبحثهم المستمر عن الهوية.
دولياً، برز سياسياً نجم لاعب باريس سان جرمان، الليبيري جورج وييا، والذي فاز أخيرا في انتخابات الرئاسة في ليبيريا. وكان وييا قد بدأ نشاطه السياسي، إثر اعتزاله اللعب دولياً في بدايات الألفية الثانية، وطرح تصوراً وطنياً لإدارة شؤون بلده التي كانت قد دمرتها الحروب الأهلية والفساد.
وأوضح زين الدين زيدان، مدرب الملكي المدريدي سابقا، وبطل كأس العالم سنة 1998، لأكثر من صحافي، حاول أن يستجرّه إلى التعبير عن موقف سياسي أو التعليق على شأنٍ سياسي، بأنه يُفضّل أن يحصر تعليقاته بما يعرف، وإنه لا يهرف باختصاصات الآخرين، على الرغم من تكوينه رأيا سياسيا شخصيا، ككل الأفراد، إلا نجوميته لا تمنحه أفضلية في هذا الحقل الشائك.
حال الدول المتخلفة، أو التي تخضع لأنظمة استبدادية، تختلف، حيث يجري استثمار انتصارات 
الرياضة إن حصلت، وهي نادرةٌ على المستوى الجماعي، بشكل يُسوّق دعاية المستبد وأزلامه. وحين يبرز لاعبٌ بشكل فردي، وغالباً خارج حدود "الوطن"، فسرعان ما تتلقفه مخابرات/ إعلام المستبد لاستثمار نجوميته، واستخدامها لصالح السلطة الحاكمة، بعيداً عن أية قيمة وطنية حقيقية. وكثيراً ما يقع هؤلاء "النجوم" في فخ المستبد، عبر أدواته المتشابكة، بالنظر إلى ضحالة فكرهم النقدي الذي تأخر تطوره في سباق التطور العضلي الذي رافق بروزهم، كما مستندين إلى طموحاتهم الشخصية بالبروز والشهرة المرتبطة في الذهنية المهيمنة بالتمجّد والاستزلام لأصحاب الأمر والنهي.
عندما يُستَثمر لاعب المنتخب المصري، محمد صلاح، إعلامياً وسياسياً، من رجل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في غروزني "الحديثة"، والتي شُيّدت على أنقاض المدينة التي دمّرها الروس، ويستقبله ويمنحه المواطنة الفخرية رمضان قديروف، فمن المُرجّح أنه لا يعرف من تاريخ المدينة (فقط؟) إلا النزر اليسير. ومن شبه المؤكد أن العلاقات المميّزة بين قيادتي البلدين لعبت الدور الأساس في تنظيم هذه المسرحية الدعوية. لذا، فإن في مطالبة صحف بريطانية بمعاقبة نجم "ليفربول"، لظهوره إلى جانب ديكتاتور فرعي، ظلما كبيرا.
كاتب وباحث سوري مقيم في فرنسا
سلام الكواكبي
كاتب وباحث سوري مقيم في فرنسا