اللاجئون ضحايا الخلاف التركي الأوروبي: لا بديل عن أنقرة

16 اغسطس 2016
يستمر تدفق اللاجئين السوريين إلى اليونان (داني كيتوود/Getty)
+ الخط -
لا تزال تداعيات محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا تنعكس سلباً على العلاقات التركية الأوروبية، نتيجة موقف الاتحاد المتردد الذي دفع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى مهاجمة الزعماء الأوروبيين. وانطلاقاً مما يحصل هناك، تخوف من أن ينسحب سوء التفاهم هذا على اتفاقية اللاجئين المعمول بها مع تركيا منذ شهر مارس/آذار الماضي. هذا ما عبر عنه أردوغان حين قال: "إنْ لم يعط الاتحاد الأوروبي للمواطنين الأتراك الحق بالسفر إلى دوله بدون تأشيرة، فإن اتفاق إعادة اللاجئين لن يكون ممكناً"، مطالباً الأوروبيين بـ"التعامل بإخلاص بهذا الملف".

قلق أوروبي
يسود حذر بين المسؤولين الأوروبيين حول كيفية التعامل مع الأعداد الهائلة من اللاجئين السوريين المتواجدين على الأراضي التركية، ويقدر عددهم وفقاً لأرقام وكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بـ 2،7 مليون شخص.

ويعتبر خبراء أوروبيون أن تراجع أنقرة عن اتفاقية اللاجئين، التي تنص على إعادة جميع الأشخاص الذين قدموا بعد شهر مارس/آذار 2016، إلى تركيا، سيؤدي إلى مضاعفة أعداد المهاجرين نحو دول القارة العجوز. وقد لفت وزير الهجرة اليوناني السابق أنجيلوس سيريغوس، إلى أن واحداً من كل خمسة لاجئين ينوون شق طريقهم نحو أوروبا. وأكد مفوض شؤون اللاجئين في المفوضية الأوروبية، ديميتريس افراموبولوس، أن "الاتفاق مع تركيا هو جزء مهم من عملنا في معالجة أزمة اللاجئين". وهذا ما دفع أيضاً رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، إلى التحذير من مخاطر انهيار الاتفاق مع تركيا، معتبراً في سياق متصل، أن وقف مفاوضات انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي خطأ فادح في السياسة الخارجية.

تعكس هذه المواقف قلقاً واضحاً من تدهور العلاقات مع أنقرة، التي لا يمكن الاستغناء عن دورها للتخفيف من حدة أزمة اللاجئين في أوروبا. وبات واضحاً أن الاتحاد أصبح في حال من التأهب بعدما صعّد الجانب التركي، أخيراً، لهجته بوجه دوله، منتقداً خصوصاً النمسا وألمانيا وفرنسا. صحيح أن هناك حالة استثنائية قد تريح الموقف الأوروبي، وهي تتمثل بأمنية عودة معظم اللاجئين من تركيا إلى سورية عندما تسمح الظروف، وعدم تفكيرهم بولوج الأراضي الأوروبية، كما حصل العام الماضي، لكن تحقيق ذلك يبدو مستبعداً في الوقت الراهن. لذلك لا مفر من التفاهم الدائم مع أنقرة.


صفقة على حساب اللاجئ
بانتظار معرفة مصير الاتفاقية التركية الأوروبية، وما إذا كانت الدبلوماسية ستنجح في إنقاذها، وحدهم اللاجئون يذهبون ضحية حالة عدم اليقين السائدة اليوم. وقد أبدت المنظمات الإنسانية قلقها من الوضع الذي يعيش فيه اللاجئ في تركيا منذ بدء تطبيق الاتفاق-الصفقة بين الأوروبيين والأتراك. وقد أعربت المنظمات مراراً عن تخوفها من عدم حصول اللاجئين على الحد الأدنى من الرعاية الصحية والتعليم والعمل. انتقاد مماثل وجهته المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان ومنها "هيومن رايتس ووتش"، على الرغم من وجود مخيمات اللاجئين التي تدعمها الحكومة التركية. فهؤلاء يعيشون في وضع غير مستقر، يجعلهم عرضة للفقر وعمالة الأطفال والخوف من الاستغلال.

وذكرت دراسة لبرنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة، نشرت أخيراً، أن 93 بالمائة من السوريين يعيشون في تركيا تحت خط الفقر، علماً أن رئيس ديوان المستشارية الألمانية، بيتر التماير، صرح في وقت سابق، بأنه لا يرى أي دليل على أن الناس الذين أعادهم الاتحاد الأوروبي إلى تركيا تعرضوا لسوء المعاملة. كذلك، تشير تقارير، نشرتها أخيراً جمعيات مهتمة بمسألة اللاجئين، إلى أن اللاجئ السوري بدأ يتأقلم مع وضعه الجديد في تركيا، ذاكرةً أن 15 بالمائة فقط منهم لا يزال يعيش في المخيمات، فيما يسكن الباقون مع أقاربهم في الشقق المستأجرة في العديد من القرى والمدن التركية، وبعضهم قام بفتح المحال التجارية والمطاعم، لا سيما أن الثقافة التركية أقرب إليهم من الثقافة الأوروبية.

الاتفاق الهش
ويقول رئيس البعثة اليونانية في منظمة أطباء بلا حدود، لويك جاغير، في حديث صحافي، إن الإرادة السياسية مفقودة في الاتفاق التركي الأوروبي. وهو ما يؤكده العديد من الخبراء في الشؤون الخارجية الأوروبية، مشددين على أن الاتفاق الذي دخل حيز التنفيذ في مارس/آذار الماضي، لم يطبق بكافة بنوده. فعلى سبيل المثال، يسير العمل بطلبات اللجوء ببطء شديد، والأشخاص الذين دخلوا إلى اليونان بعد ذلك التاريخ، لا يزالون في طي النسيان. وتظهر الأرقام أنه لم يتم استبعاد سوى 468 شخصاً لأنهم لم يتقدموا بطلبات لجوء في اليونان. وتم استقبال 849 لاجئاً سورياً من تركيا فقط، وتم توزيعهم على 11 دولة أوروبية، معظمهم وصلوا إلى ألمانيا (294) والسويد (264). فضلاً عن الوضع المتردي والظروف السيئة التي يعيش فيها اللاجئون في اليونان مع النقص المتزايد في التموين ومواد التنظيف، وظهور الطفح الجلدي وغيرها من الأمراض في صفوفهم. وما يزيد الوضع صعوبةً وإرباكاً، هو التأخير في إنجاز طلبات اللجوء بسبب النقص في أعداد الموظفين على الجزر اليونانية، مع أنّ الاتحاد الأوروبي كان وعد اليونان بإرسال 2300 خبير في مجال اللجوء، ومترجمين، ورجال الشرطة. لكنه لم يلتزم بعد بوعده، لأنه لا يوجد قيد الاستخدام حالياً سوى 632 من المهنيين، بينهم 222 شخصاً يعملون في مراقبة الحدود، و130 عنصراً في مجال الأمن، و60 شخصاً للتنسيق اللوجستي، و58 موظفاً يعملون في تسجيل اللاجئين، فضلاً عن وجود 31 مترجماً.


تجدر الإشارة إلى أن هناك توجهاً لإرسال 40 خبيراً إلى تركيا لتقديم المساعدة إليها في التعامل مع اللاجئين، وفقاً للمفوضية الأوروبية، إلا أن مصادر في هذ المفوضية تتحدث عن تململ لدى الموظفين الأوروبيين من الجانب اليوناني، وذلك على خلفية أن السلطات اليونانية ترغب في التمسك بالقرارات العليا بخصوص عمليات قبول اللجوء بدلاً من تركها لمسؤولين آخرين من دول أوروبية أخرى.

وكان الاتحاد الأوروبي تعهد بتقديم ما قيمته 2،2 مليار يورو من أصل 3 مليار، حتى نهاية يوليو/تموز الماضي، إلى المنظمات والمؤسسات المهتمة بشؤون اللاجئين في تركيا، وتخصيص 1،4 مليار يورو منها للتعليم والصحة والإدارة المحلية، و79 مليون يورو للمساعدات الإنسانية. ومن المقرر أن يمنح الاتحاد، بعد ذلك، 3 مليارات أخرى في حال تم استخدام المال بالطرق الصحيحة. إلا أن هناك توجساً أوروبياً من أن تعمد خفر السواحل التركية وخلال الأسابيع المقبلة إلى تغض الطرف عن القوارب المحملة باللاجئين، والسماح لها مجدداً بالابحار في بحر إيجه، وذلك بهدف زيادة الضغط على الاتحاد الأوروبي. هذا ما تخوف منه وزير الدولة اليوناني السابق في حديث لصحيفة "دي فيلت"، لافتاً إلى أن أعداد اللاجئين الذين وصلوا إلى بلاده خلال الأسابيع القليلة الماضية زادت ثلاثة أضعاف عما كانت عليه خلال الفترة السابقة.

ويأتي هذا الكلام في ظل تأكيد المنظمات الدولية على أن تطبيق اتفاقية اللاجئين لم يتم بشكل صحيح ما سمح بوصول حوالي 156 ألف شخص خلال الأشهر الخمس الأولى من هذا العام إلى اليونان، نصفهم من السوريين و25 بالمائة من الأفغان، و15 بالمائة من العراقيين، يليهم الباكستانيين والإيرانيين، ناهيك عن غرق أكثر من 13 ألف شخص منذ بدء تطبيق الاتفاقية في مارس/آذار الماضي، وفق أرقام عرضها المسؤول في ما يسمى بـ"مبادرة الاستقرار الأوروبي، جيرالد كناوس، لصحيفة دي فيلت.

تخوف من تدهور الوضع في حلب
بالإضافة إلى هشاشة تطبيق الاتفاقية وسوء التفاهم الدبلوماسي التركي الأوروبي الذي يهدد بإلغائها، هناك الوضع الميداني في حلب الذي يهدد بتفاقم أزمة اللاجئين. ويترقب المسؤولون الأوروبيون ما سيؤول إليه الوضع بحلب، وسط المعارك الدائرة بين فصائل المعارضة السورية ونظام بشار الأسد. وهناك خشية من أن تضطر أوروبا إلى إعادة فتح الحدود مع زيادة الكوارث الإنسانية في المدينة، وفي حال فتحت تركيا حدودها مع سورية. ويتحدث خبراء عن إمكانية هروب حوالي 100 ألف سوري من المجازر والطرد الجماعي والإبادة. احتمال كهذا من شأنه أن يعزز القناعة لدى صناع القرار في الاتحاد الأوروبي بضرورة الحفاظ على التعاون مع تركيا، لأسباب إنسانية، علماً العلاقات الأوروبية الداخلية لا تزال متوترة، خصوصاً مع دول شرق أوروبا، على خلفية توزيع اللاجئين. وتظهر المعطيات في أوروبا عدم وجود حل للخلافات الأوروبية في الأفق، مع استمرار تشدد بعض الدول ورفضها لنظام الحصص الذي تم التوافق عليه العام الماضي، وتعرضها للاجئين ووصفهم بنعوت لا تمت إلى الإنسانية بصلة.


في هذا السياق، يرى المراقبون أن نية إعادة فتح طريق البلقان غير واردة في الوقت الراهن. وتخشى كل دولة في شرق أوروبا، من أن تكون المحطة الأخيرة في رحلة اللاجئين. علاوة على ذلك، يحذر مستشارون سياسيون من مغبة أن يتسبب ذلك بكارثة على دول البلقان والأمن الأوروبي على حد سواء، الأمر الذي سيحدث أزمة سياسية عميقة. يجري إذاً التركيز على هذه المخاوف والتحذيرات في هذه الدول، مع أنّ التقارير أظهرت أخيراً، تزايد توافد اللاجئين إلى دول وسط أوروبا، عبر طرق أخرى انطلاقاً من تركيا ومروراً ببلغاريا، وتحملهم لمشقة الرحلة المكلفة والخطرة. ووصل الألاف منهم إلى إيطاليا وأكثريتهم من بلدان أفريقية عدة كنيجيريا وغامبيا وساحل العاج والصومال والسنغال وأرتيريا ومالي.

وقف مفاوضات العضوية؟
تتفاقم إذاً أزمة اللاجئين في وقت دخلت فيه العلاقات التركية الأوروبية بمرحلة من الاضطراب بسبب الإدانة الأوروبية الخجولة لمحاولة الانقلاب الفاشلة. هكذا تتداخلت الملفات والمشاكل مع بعضها البعض. بات تجاوز الحذر التركي حيال الاتحاد واستمرار التعاون في ملف اللاجئين، مرتبطين بإظهار النوايا الحسنة للأوروبيين تجاه الأتراك من خلال إلغاء تأشيرة الدخول.

ومن وجهة نظر بروكسل، تتطلب عملية الإلغاء هذه التزام أنقرة بقائمة معايير مؤلفة من 72 بنداً. إلا أن بعض الشروط لا تزال عالقة ومنها التعديل الرسمي لتعريف الإرهاب في قانون مكافحة الإرهاب التركي. وترفض أنقرة الاستجابة للمعايير الأوروبية بهذا الشأن. وتحاول، عبر وزارة الخارجية التركية، الضغط على أوروبا من أجل العمل على رفع تأشيرة دخول الأتراك لدول الاتحاد، بحلول شهر أكتوبر/تشرين الأول 2016.

في المقابل يبرز ضغط أوروبي مضاد. فقد ارتفعت أصوات أوروبية معارضة لفتح فصل جديد في مفاوضات انضمام أنقرة إلى الاتحاد. موقف وزير الخارجية النمساوي، سيباستيان كورز، كان واضحاً في هذا الاتجاه. وبرر موقفه بموجة القمع في تركيا، بعد محاولة الانقلاب، وعودة الحديث عن إعادة العمل بقانون الإعدام في هذا البلد. وسانده في هذا الموقف أيضاً مستشار النمسا، كريستيان كيرن، الذي أكد الاسبوع الماضي أنه سيسعى لإقناع رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي، خلال القمة المقررة في 16 سبتمبر/أيلول المقبل، بضرورة وقف مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد.

إلا أن نبرة التشدد يقابلها ليونة لا يمكن التقليل من شأنها. فقد دعا وزير الخارجية الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، نهاية الاسبوع الماضي، للعودة إلى الحوار المباشر مع تركيا. وأوفد وكيل وزارة الخارجية، ماركوس أدرير، إلى أنقرة، حيث أجرى أول من أمس الاثنين، محادثات مع المسؤولين في الخارجية التركية والبرلمان. وأكد على تضامن برلين مع أنقرة، معلناً تأييد ألمانيا لملاحقة الضالعين في محاولة الانقلاب، إنما وفقاً للمبادىء والمعايير المرعية الإجراء في الاتحاد الأوروبي ومجلس أوروبا ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا. لكن الرئيس التركي هاجم، خلال تظاهرة مليونية داعمة له في اسطنبول، الأحد الماضي، ألمانيا، متهما إياها بتغذية الإرهاب، وذلك على خلفية منعه من مخاطبة مناصريه في مدينة كولن الألمانية نهاية الشهر الماضي، فيما سمحت لمتشددين أكراد بالبث عبر دائرة تلفزيونية.

وهذا السجال جعل القادة الألمان يتخوفون من زيادة نفوذ أنقرة وتأثيرها على المواطنين الألمان من أصول تركية، مشيرين إلى أن أنصار أردوغان يمارسون الضغوط على المعارضين الأتراك في ألمانيا. في هذا الصدد، قال رئيس الكتلة النيابية للتحالف المسيحي الديمقراطي، فولكر كاودر، في حديث لمجموعة "فونكه" الإعلامية، الأحد الماضي، إنه يجب على الألمان أن ينظروا "بقلق إلى المحاولات التي تقوم بها الحكومة التركية والحزب الحاكم للتأثير على المواطنين ذوي الأصول التركية المقيمين في ألمانيا". وتزامن هذا الموقف مع معلومات متداولة أخيراً، تشير إلى وجود تعاون بين أفراد من الجالية التركية والسلطات في أنقرة للإبلاغ عن معارضين لأردوغان في ألمانيا.


المساهمون