الكويت... تصريحات عنصرية تلوّث الإعلام الخاص

05 ابريل 2020
عاملة فيليبينية مغادرة الكويت (ياسر الزيات/فرانس برس)
+ الخط -
لم تكن تصريحات الفنانة الكويتية الشهيرة حياة الفهد التي خرجت في أثناء برنامج "أزمة وتعدي" المسائي على قناة ATV الفضائية، إلا جزءاً من حالة عامة يعيشها بعض المشاهير في الكويت منذ تفشي فيروس كورونا في البلاد. إذ مع انتشار الوباء في البلاد، انطلقت بشكل جماعيّ التصريحات العنصرية تجاه العمال الوافدين الذين وجدوا أنفسهم عالقين ومفلسين، وسط رغبة الكثير منهم في العودة إلى بلادهم بسبب توقف الأعمال التجارية في الكويت.

وطالبت حياة الفهد في المداخلة إياها، بطرد الوافدين خوفاً من الفيروس، مقترحة رميهم في الصحراء في حال رفض حكوماتهم استقبالهم. وبعد حملة هجوم عليها، أصدرت الفهد بياناً، لم تعتذر فيه، بل ارتأت تبرير خطابها قائلة إنها لم تكن عنصرية، وإن تصريحاتها جاءت بسبب خوفها على الكويت من الضغط الذي يسببه مخالفو قانون الإقامة بسبب تجار الإقامات الكويتيين الذين استغلوا العمال الوافدين وورطوا الدولة فيهم.

وما كاد المشهد الإعلامي في الكويت يهدأ بعد تصريحات الفهد، حتى أعادت الإعلامية الكويتية نادية المراغي الجدل من جديد عقب نشرها لمقطع فيديو سخرت فيه برفقة زميلتها من "رائحة الوافدين" الذين يعيشون في دور الإيواء التي أعدتها الحكومة الكويتية على عُجالة تمهيداً لإبعادهم على نفقتها، بعد إسقاط الغرامات عنهم بسبب مخالفتهم لقانون الإقامة.

ولم يقتصر التحريض على الوافدين والمطالبة بإبعادهم على بعض مشاهير من الفنانين والإعلاميين، بل تعداه إلى مغردين، اختاروا التركيز على فيديوهات الأجانب في الكويت وتغريداتهم، لتصيّد أي هفوة أو رأي قد لا يعجب الكويتيين، وبالتالي إطلاق حملة تشهير وتحريض ضدهم.

وتُعَدّ قصة المواطن المصري محمد عادل الشهير بـ"العالمي" إحدى هذه القصص، إذ قام بمشاركة فيديو عبر تطبيق "تيك توك" يمزح فيه مع أقربائه وأصدقائه المصريين الذين "يحسدونه" على عمله في الكويت، على حد تعبيره، حيث وجه رسالة قال لهم فيها إن عمله توقف بسبب قرارات وزارة الصحة الأخيرة المتعلقة بفيروس كورونا.

وبدأت حملة ضغط أطلقها بعض المغردين الكويتيين ضد العامل المصري أدت إلى استجابة الحكومة لهذه الضغوطات في هذا التوقيت الحرج وإعلانها إبعاده من البلاد وفق قانون الإبعاد الإداري. كذلك أبعدت مواطنة مصرية تعمل مهندسة في إحدى أكبر شركات المقاولات بسبب مطالبتها معاملة الكويتيين بالمثل في مصر، في أثناء الفحوصات الطبية، إذ فرضت السلطات الكويتية على أي مصري يصل إلى البلاد الخضوع لفحص الكشف عن فيروس كورونا.



ويرى مراقبون إعلاميون أن الدعوات العنصرية الموجّهة ضد الوافدين محصورة في الإعلام الخاص، والخدمات الإخبارية، ومواقع الأخبار الكويتية التي تطمح إلى زيادة مشاهداتها والتفاعل معها بغضّ النظر عن المحتوى الذي قد يدمّر حياة البعض.

وقال إعلامي يعمل في إحدى القنوات الخاصة في الكويت لـ"العربي الجديد"، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه: "لا توجد هجمة إعلامية منظمة على الوافدين في الكويت، ليس لدينا ما يمكن تسميته بالإعلام اليميني الذي يملك عقيدة عنصرية، كل ما لدينا أشخاص عنصريون يجلبون الانتباه وتقوم هذه القنوات بمنحهم مساحة على شاشاتها لرفع نسب المشاهدات بغضّ النظر عن المحتوى المقدم".

ويضيف الإعلامي: "في القناة التي أعمل فيها، أعددنا تقريرين بُثّا في ذات اليوم، أحدهما يتحدث عن خطر الوافدين على البلاد، والآخر يتحدث عن الظلم الذي يواجهونه من قبل بعض العنصريين، وهذا يوضح لك أننا لا نملك سياسة تحريرية، بل إن إدارة القناة دافعها الوحيد هو الحصول على مشاهدات، ولا يتعلق الأمر بالقناة التي أعمل فيها فحسب، بل بكل القنوات والصحف الخاصة في الكويت".



وعلى العكس من الإعلام الخاص الذي هاجم الوافدين، خرج المذيع والإعلامي الكويتي عبد الله بوفتين في برنامج "ظرف استثنائي" الذي يُبث على تلفزيون الكويت الرسمي كل مساء، ويناقش مع الوزراء والمسؤولين في الدولة آخر تطورات جهود مواجهتهم فايروس كورونا الجديد، ليوصل رسالة إلى المواطنين، طالبهم فيها بإنهاء النزعات العنصرية التي تبث في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.

وقال عبد الله بوفتين على شاشة التلفزيون الرسمية: "المصريون إخواننا، البدون شركاؤنا في الوطن، رجاءً الابتعاد عن النفَس العنصري. عندما تتحدث عن إخوانك المصريين، تذكر أن شريحة كبيرة منهم على خط المواجهة كممرض أو طبيب أو مسعف، هل يعقل أن تصريحاً واحداً فقط أو تغريدة من مغرد ممكن أن تسبب مشكلة ضد إخواننا المصريين؟". وأضاف: "يجب ألّا نطلق مسمى وافدين عليهم، بل نستبدل به مسمى شركاء في الوطن".

ودفعت حدة الهجوم الإعلامي على الوافدين في الكويت إلى تصريح وزير الصحة الشيخ الدكتور باسل الصباح وندائه للعنصريين: "اتقوا الله في الكويت، وأن على من ابتلاه الله بالعنصرية أن يأتي ليرى الطواقم الطبية، فكلهم يرتدي الكمامات ولا يمكن أحداً أن يميز بين وافد أو مقيم".

وطالب محامون وخبراء قانونيون الحكومة باستعجال قانون يُعرض على مجلس الأمة يُحاسب فيه من يطلق تصريحات عنصرية في الإعلام بالسجن أو الغرامة، وذلك لما تسببه هذه التصريحات من خطر كبير على جهود البلاد في مواجهة الفايروس، إضافة إلى خطرها الكبير على البلاد بشكل عام.

وقال الخبير القانوني والمستشار فهد الشمري لـ"العربي الجديد": "نجحت الحكومة في تمرير قانون عاجل يعاقب من يخفي المرض بالسجن والغرامة، فلماذا لا تسنّ الآن قانوناً عاجلاً يوقف الإعلام العنصري والعنصريين المصابين بفوبيا الوافدين عند حدهم قبل أن تنفجر الأمور في البلاد".