"مازال القضاء المصري يواصل مسلسل أحكامه الهزلية بحق رافضي الانقلاب العسكري للبلاد"... هذا ما قاله لي، نصاً، أحد رجال القضاء المصري عقب صدور الحكم في قضية قتل 4 ضباط شرطة 37 معتقلًا استشهدوا في مذبحة قام بها "سفاحون ومرضى نفسيون"، بتعبير الرجل، إذ ألقى هؤلاء قنابل غاز مسيلة للدموع داخل إحدى عربات الترحيلات يوم 18 أغسطس/آب الماضي بعد 4 أيام فقط على مذبحة فض اعتصامي ميداني "رابعة العدوية" في مدينة نصر بالقاهرة، و"النهضة" بالجيزة، مما أدى إلى وفاتهم مختنقين داخل السيارة وسط رفضهم توسلات الضحايا أو حتى من لديهم ضمير من مجندين شهدوا على الواقعة!
لم يقتص القضاء المصري - كعادته منذ ثورة 25 يناير 2011 - لدماء هؤلاء الضحايا، بل زاد مآساتهم أكثر بإصدار حكم لم يشف صدور أهالي الضحايا المكلومين، حيث أصدرت أمس الأربعاء محكمة جنح الخانكة، المنعقدة بأكاديمية الشرطة في التجمع الأول بالقاهرة الجديدة، حكمها في القضية التي عرفت إعلامياً باسم "سيارة ترحيلات أبو زعبل".
قضت المحكمة بمعاقبة نائب مأمور قسم مصر الجديدة المقدم عمرو فاروق، بالسجن 10 سنوات مع الشغل والنفاذ، كما قضت بمعاقبة كل من النقيب إبراهيم محمد المرسي والملازمين إسلام عبدالفتاح حلمي، ومحمد يحيى عبدالعزيز، بالسجن 3 سنوات لكل منهم مع إيقاف التنفيذ لمدة 3 سنوات، وهو بمثابة براءة هؤلاء القتلة!.
جاء حكم المحكمة بعدما وجهت النيابة العامة إلى المتهمين اتهامات بقتل 37 من رافضي الانقلاب العسكري المؤيدين لشرعية الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي والمعزول من قبل الجيش في 3 يوليو الماضي، وإصابة 8 آخرين داخل سيارة الترحيلات في سجن أبو زعبل.
أثبتت التحقيقات أن المتهمين قد شاب تعاملهم مع مأمورية الترحيلات المكلفين بها، الإهمال والرعونة وعدم الاحتراز والإخلال الجسيم بما تفرضه عليهم أصول وظيفتهم من الحفاظ على سلامة وأرواح المواطنين حتى ولو كانوا متهمين، وأطلقوا قنبلة غاز مسيلة للدموع داخل سيارة الترحيلات، وتركوا المتهمين يموتون دون أي محاولة لإسعافهم.
وقد كشفت تحقيقات النيابة عن تفاصيل المأساة التي تعرض لها الضحايا، حيث كشفت عن تعمد الضباط المتهمين لارتكاب الواقعة، وعدم قيام السجناء بأي نوع من أنواع التجمهر أو إحداث شغب أو تعريض السيارة لأي نوع من أنواع الهجوم عليها.
وكشفت تحقيقات النيابة النقاب عن أن سيارة (لوري) الترحيلات التي وقعت فيها المذبحة، كانت تقل 45 معتقلًا سياسياً، وهو عدد يفوق طاقتها، حيث إنها لا تتسع لأكثر من 24 شخصاً فقط، في أقصى الأحوال، وأنّ أي عدد يزيد على هذا العدد يؤدي إلى تعرض حياة من بداخلها للخطر، نظراً لأن عمليه التهوية من الأساس مصممة للعدد المحدد المذكور.
كذلك أثبتت تقارير المعمل الجنائي والطب الشرعي تعمد إطلاق الضباط القتلة الغاز المسيل للدموع لقتل المعتقلين، حيث ثبت أن الوفاة نتيجة الاختناق بالغاز، وحدوث تسمم لأجسام الضحايا، أدى إلى ظهور أجزاء سوداء في جثث بعض الضحايا، وأجزاء زرقاء في البعض الآخر، نتيجة إبقاء الضحايا فترة داخل السيارة بعد التأكد من وفاتهم من بالقنابل الغازية التي أطلقت عليهم.
واستمعت النيابة العامة إلى أقوال 8 من المعتقلين الذين نجوا من الواقعة بعد خضوعهم للعلاج لفترات تراوحت بين 12 يوماً و 33 يوماً، جراء التسمم الذي تعرضوا له نتيجة استنشاق كمية كبيرة من الغاز، كما استمعت إلى شهادة بعض المجندين الذين كانوا حاضرين للواقعة.
وكشفت جميع التحقيقات أن المتهمين قد عقدوا العزم على قتل المجني عليهم، بأن اتفقوا في ما بينهم على قتلهم، وقاموا بإطلاق قنابل غاز مسيلة للدموع داخل سيارة الترحيلات، وأغلقوا الباب عمداً على المعتقلين بداخلها، ورفضوا إخراجهم، رغم توسلاتهم لهم، كما هددوا المجندين وقائد السيارة بالقتل إذا حاول التدخل لمحاولة إنقاذهم.
وحيث اعترف سائق سيارة الترحيلات الرقيب عبدالعزيز ربيع، خلال التحقيقات، بأن الضباط المتهمين تركوا المعتقلين الضحايا يستغيثون من نقص الهواء وصعوبة التنفس داخل السيارة 7 ساعات كاملة، نظراً لتكدس الأعداد، ثم أطلقوا عليهم غازاً مسيلاً للدموع داخل السيارة تسبب في وفاة 37 منهم، ورفضوا محاولة إسعافهم أو نجدتهم.
وهو الأمر الذي أيده المجندون الذين حضروا الواقعة، كما جاءت تحريات الداخلية ذاتها لتثبت الواقعة، وأيضاً تحقيقات النيابة العامة التي توصلت إلى تعمد قتل الضحايا.