القصف الإسرائيلي بريف حماة: رسائل لموسكو ثم لدمشق وطهران

08 سبتمبر 2017
تؤكد إسرائيل أن المنظومات الروسية لن توقفها(بول غيبتو/فرانس برس)
+ الخط -
لم يأت القصف الإسرائيلي للمركز السوري للأبحاث في مصياف في ريف حماة، فجر أمس الخميس، مصادفة، لا من حيث الهدف ولا من حيث التوقيت الذي تم اختياره بعناية، يتيح لحكومة الاحتلال توظيفه أيضاً في سياق التذكير بالقصف الإسرائيلي لدير الزور عام 2007 الذي صادف أمس الأول مرور عشر سنوات على تنفيذه. وجاء القصف، أمس، باعتباره ضربة في سياق الاستراتيجية الإسرائيلية لمنع أي دولة عربية في المنطقة من بناء قوة ردع موازية لقوة الردع النووية الإسرائيلية، ومسابقة الزمن لمنع اجتياز الدولة العربية، أياً كانت، مرحلة اللارجوع والوصول إلى "حالة مناعة". واعترف النظام السوري بالقصف، لكنه قال في بيان صدر عن قيادة جيشه، إن الطيران الإسرائيلي "أطلق عدة صواريخ من الأجواء اللبنانية استهدفت أحد مواقعنا العسكرية قرب مصياف"، محذراً من "التداعيات الخطيرة لمثل هذه الأعمال العدوانية على أمن واستقرار المنطقة".

ومع أن الهدف الذي تم قصفه كان موجوداً دائماً، إلا أن اختيار التوقيت أمس، يؤكد حقيقة توظيف هذا التوقيت أيضاً في سياق موعد نشر تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن الهجمات الكيميائية التي شنّها النظام السوري في خان شيخون، مع إبراز حقيقة أن الهدف السوري الذي تم قصفه يُستخدم أيضاً لصناعة السلاح الكيميائي، كما تم إنتاج البراميل المتفجرة فيه. وبهذا يضمن الاحتلال نوعاً من "التفهّم" الأوروبي والدولي لعملية القصف، فمن الواضح أن موعد نشر التقرير كان معلناً مسبقاً ومعروفاً لدى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ولعل هذا يفسر تأجيل الغارة ليوم واحد فقط بعد الذكرى العاشرة لعملية قصف المفاعل السوري في دير الزور.

لكن إلى جانب هذا التوقيت، فإن القصف الإسرائيلي يأتي أيضاً في مرحلة زمنية تحاول فيها إسرائيل أن تفرض وجودها في المفاوضات القائمة وفي عملية بلورة ملامح سورية المقبلة بعد الحرب، تحديداً بعد أن تبيّن، (على الأقل وفق الادعاء الإسرائيلي)، أن روسيا والولايات المتحدة لم تأخذا الاعتبارات الأمنية التي طالبت إسرائيل بتضمينها في الاتفاق الروسي - الأميركي - الأردني بشأن وقف إطلاق النار في جنوب سورية الذي أعلن في يوليو/ تموز الماضي. في وقت يبدو فيه أن النظام السوري يستعيد ثقته أكثر فأكثر، خصوصاً بعد تصريحات المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، أمس الأول، بأن على المعارضة السورية القبول بأنها لم تنتصر في الحرب.

وفي هذا السياق، لم يخف المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس"، أمس، حقيقة اعتقاده بأن الاعتداء الإسرائيلي يشكّل بشكل جلي رسالة إسرائيلية واضحة للدول العظمى، وهي تأتي كترجمة فعلية للتصريحات التي أطلقها أخيراً رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ووزير أمنه، أفيغدور ليبرمان، بأن إسرائيل لن تسمح بتكريس الوجود الإيراني أو وجود مليشيات إيرانية في الجنوب السوري وعلى مسافة قريبة من الحدود مع إسرائيل، وأنها بالتالي لن تتردد باتخاذ ما تراه مناسباً لضمان أمنها وأمن مواطنيها.

وإلى جانب هذه الرسائل، فقد أبرزت وسائل إعلام إسرائيلية أيضاً، ما هو غير مألوف في الغارة الإسرائيلية، وهو اختيار هدف رسمي للنظام السوري، وفي هذا خروج على عشرات الغارات التي شنّتها إسرائيل في سورية في الأعوام الأخيرة، والتي أقر قائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق، أمير إيشيل، قبل ثلاثة أسابيع، بأنها وصلت لنحو مائة غارة. فقد كانت معظم هذه الغارات، إن لم تكن كلها باستثناء الغارة الأخيرة في مارس/ آذار من العام الحالي في تدمر، تطاول قوافل للسلاح موجّهة لحزب الله، أو مخازن للسلاح، فيما تم هذه المرة اختيار مركز رسمي، يختص حسب ما نقلته وسائل الإعلام، بتصنيع السلاح الكيميائي، أو كان مصدراً لتصنيع البراميل المتفجرة أو الصواريخ بعيدة المدى.


وتُشكّل الغارة أيضاً إلى جانب كونها رسالة موجّهة بالدرجة الأولى إلى روسيا، رسالة لنظام بشار الأسد بشكل مباشر، ولكن أيضاً لحليفته إيران بشكل غير مباشر، لتعيد لأذهان النظام "طول الذراع الجوي الإسرائيلي"، وأن شيئاً لن يوقف إسرائيل، ولا حتى منظومات الدفاع الجوية وبطاريات إس 400 وغيرها من المنظومات التي نشرتها روسيا في الأراضي السورية. ومرة أخرى يتم تعطيل عمل هذه المنظومات أو عدم الاستفادة من المعلومات التي يُفترض بشبكات الرادار المتطورة أن تكون قد التقطتها عن وجود المقاتلة الإسرائيلية التي قصفت الموقع السوري، ومطاردتها أو اعتراضها، بما يرسخ في هذا السياق، استمرار سريان التنسيق العسكري الروسي - الإسرائيلي بشأن تقاسم أجواء سورية وتفادي وقوع معارك جوية بين القطع الإسرائيلية والروسية. وربما لتفادي الإحراج لهذه الناحية، أعلن النظام أن الطائرة الإسرائيلية قصف هدفها انطلاقاً من الأجواء اللبنانية، لا السورية، لتبرير عدم التحرك الروسي لمنعها.

في المقابل، فإنه في ظل التغييرات الحاصلة على الأرض في سورية، وإلى جانب كون هذه التغييرات تكرس وجود القوات الإيرانية، وهو ما يشكل مادة غنية للدعاية الإسرائيلية، فإن الجهات الإسرائيلية والمحللين أشاروا إلى أن إسرائيل ستدخل في الأيام القريبة، مرحلة من الانتظار لرؤية الرد السوري وردود الأطراف الأخرى على هذه الغارة، لا سيما أن النظام السوري لم يقم، أمس، بالرد على العملية الإسرائيلية، خلافاً للغارة التي نفذها طيران الاحتلال في مارس/ آذار ورد النظام عليها بإطلاق صاروخين ضد المقاتلات الإسرائيلية، تم اعتراضهما بصواريخ "حيتس" الإسرائيلية.

في هذا السياق، أشار المدير العام لمركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، الجنرال احتياط عاموس يادلين، إلى أن الهدف الذي تم ضربه يُصنّع أيضاً صواريخ متطورة ودقيقة يمكن أن يكون لها دور حاسم في مواجهة عسكرية مقبلة. وسارع يادلين إلى اعتبار العملية تحمل في طياتها رداً "أخلاقياً" من إسرائيل ضد المذابح في سورية، وهو على ما يبدو سيكون جزءاً من الدعاية الإسرائيلية المقبلة. يادلين أوجز في تغريدة له على "تويتر" الرسائل الإسرائيلية الثلاث من الغارة على ريف حماة بقوله: الأولى أن إسرائيل لن تسمح بتعزيز قوة سورية وقدرتها على بناء سلاح استراتيجي، والثانية هي التوقيت الذي تم اختياره والذي يأتي في وقت تتجاهل فيه الدول العظمى الخطوط الحمراء الإسرائيلية، والثالثة أن الوجود العسكري لروسيا في سورية لا يمنع إسرائيل من تنفيذ العمليات المنسوبة لها.

هذه الرسائل التي تحدث عنها يادلين، من المرجح أن تكون جوهر وأساس الخط الدعائي والخطابي الذي سيحمله نتنياهو إلى أميركا اللاتينية الأسبوع المقبل، ومن ثم إلى المؤتمر السنوي للجمعية العمومية للأمم المتحدة أواسط الشهر الحالي. هذا الأمر يتيح له مواصلة تضخيم "الخطر الإيراني" باعتباره التحدي الأكبر أمام إسرائيل، مقابل تقزيم وإهمال الملف الفلسطيني، لا سيما بعد تصريحاته قبل يومين عن التحسن في العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية (التي لا تقيم علاقات رسمية مع إسرائيل) ووجود تعاون يفوق حتى ما تضمنته اتفاقيات السلام بين إسرائيل وكل من مصر والأردن، على الرغم من عدم وجود أي أفق لتنشيط أو إطلاق عملية مفاوضات جدية مع الجانب الفلسطيني.