القدس.. انتماءٌ ومصير

19 ديسمبر 2017
+ الخط -
في عالم اليوم تستأثر البجاحة على مجمل الخطاب والإتجاهات العامة في أكثر من مكان، وتستند، في طبيعتها الموجودة، على اعتمادها مسارات محدّدة، لها صلة وثقى بغطرسة القوة وطغيانها الفادح، حيث نجدها تندفع وراء ممارساتها السافرة وفقاً لهذا المعطى، من دون أن تراعي حجم القضايا العادلة ومبدأ الحقوق التاريخية، وترتفع راياتها المعلنة باتجاهات عدوانية، ليست مبنية على مقاربات موضوعية، ولا مستوعبة فكرة القبول بما قد يحتاجه الواقع من أطروحاتٍ ممكنة، بل صار التعدّي على الخطوط الفاصلة استمراراً لهذا النهج الأرعن، ورغبة جامحة في تكريس الهيمنة الفاشية.
ولعل الإنتقائية في التعامل حد الإنحياز الكامل، كما هو الحاصل في التدخلات الأميركية مرتبط بمصالح ضيقة، لا يمكن قبولها مطلقاً، لأنها تأتي من رغبة السلوك المتصل بمنطق الغاب وتجهل عواقب التقدير وتشرعن وجود الإحتلال من الأصل، من دون ان تُعطي الحق في دحره أو حتى مقاومته، وهو ما يؤسس لضراوة عنفية، لا تتوقف تداعياتها عند خطورة هذا المسلك فحسب، بل قد تفتح الباب واسعاً على مواجهة مفتوحة، لا تقتصر أدواتها على ساحة الصراع وعمق المشروع الصهيوني، بل قد تعرّض المصالح الأميركية نفسها للخطر، وتهدّد مسار السلم والأمن العالميين.
وإذا كان دور أميركا يشجع صراحةً على مجابهة الانتماء الذي له علاقة وثيقة بالأرض، وترفض حركات التحرّر الوطني، وتتمسك بالأفعال التي تؤدي إلى التبعية والإستلاب وقمع الحقوق، كما هو واضح في قرارها أخيرا بشأن القدس، فإن هذا الجنوح والمنحى الخطير لا يسهم في إرساء الأستقرار والأمن في الشرق الأوسط، وإنما يشيع الفوضى على نطاق واسع، ويؤدي في النهاية إلى إنتفاضة غاضبة، قد تشهدها المنطقة كلها، وحصول تغيير في طبيعة المواجهة.
وفي حال تمت الموافقة على تأييد هذا القرار الظالم، وجرى تنفيذه، وحدثت التضحية بحق تقرير المصير من أجل الآخر غير الشرعي، فإن تاريخ الأمة ومستقبلها سيكون مستهدفاً برمته. وسوف يستتبع التخلي عن القضية الكبرى مزيداً من الإخضاع في كل شيء، طالما رضيت الأمة بالتهاون، وأسقطت من حساباتها هذا الحق التاريخي والمصير المشترك.
لكن ما نراه من إنتفاضة شعبوية عارمة، نجمت عن تداعيات هذا القرار الذي يقضي بنقل السفارة الأميركية القدس، يمكن اعتباره ردة فعل طبيعية رافضة للإنحياز السافر والإفتئات على مستقبل القضية المركزية. ويمكن أن نفهم من إرادة التصدّي بوضوح أن وضع القدس مرتبط بوجدان الأمة العربية وأساس هويتها الإسلامية. فالذين أقدموا على عزل المناطق الفلسطينية عن هويتها الإستراتيجية كانوا يراهنون على حالة الضعف في الأحوال العربية، ومن بينها الحالة الفلسطينية، لكنهم لم يدركوا في المطلق أن الإقتراب من ثالث الحرمين وقبلتنا الشريفة يعد حماقة كبرى لا تغتفر بأي حال، وإن ما أقدموا عليه من تحرّك بائس، أيقظ في الأمة صحوتها ووحدتها، وأبرز دورها النضالي باتجاه هدف التحرير، ونيل استقلاله التاريخي.
57C8D311-2EBC-4E90-85D3-A174EC18BA9C
57C8D311-2EBC-4E90-85D3-A174EC18BA9C
فوزي الحقب (اليمن)
فوزي الحقب (اليمن)