14 نوفمبر 2024
القتلة يواصلون أعمالهم
أعادني تعليق قصير قرأته في تغريدة في "تويتر"، مرفقاً بصورة الطفلة العراقية التي انتشرت، أخيراً، باسم موناليزا الموصل، إلى حكاية المصوّر الذي التقط إحدى أشهر صور التاريخ الفوتوغرافي.. وانتحر بعدها.
بدت الطفلة العراقية التي بالكاد نجت من مذبحة الموصل الجديدة، وهي تبتسم لعدسة المصور ابتسامة غريبة، بعيون دامعة وملامح غارقة في الأسى، في ما دلّ مظهرها الأشعث على ما كانت تعانيه في اللحظة التي استوقفت فيها المصور الفوتوغرافي، ليلتقط لها الصورة الشهيرة.
أما التعليق الذي استوقفني من بين مئات التعليقات التي انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي، تعاطفاً مع الطفلة، ودهشة من اللحظة المفارقة التي جمدتها الفوتوغرافيا، فهو لسيدة تقول إن الطفلة كانت، في تلك اللحظة، بحاجة لمن يحتضنها، لا لمن يصوّرها. وهذا، بالمناسبة، رأي قديم يتجدّد مع كل صورة فوتوغرافية صحافية مشابهة، وبالتحديد منذ حادثة انتحار المصور العالمي، كيفن كارتر، في يوليو/تموز 1994، تحت وطأة الشعور المتعاظم بالذنب، بسبب انحيازه لفكرة السبق الصحافي، على حساب نداء الضمير الإنساني.
كان كارتر قد صادف طفلة سودانية في أثناء تغطيته الصحافية أحوال المجاعة التي ألمّت بالسودان وأهوالها، في مطلع تسعينيات القرن الماضي، وهي تزحف منهكة القوى، بسبب الجوع الشديد من الكوخ الذي يسكنه ذووها إلى مقر توزيع المساعدات الغذائية، بعد أن مات كل من في الكوخ جوعاً، ولم يبق سواها، لتحاول النجاة قدر استطاعتها. وعلى الرغم من أن المسافة بين الكوخ ومقر المساعدات لا يزيد عن كيلو متر واحد، إلا أن الطفلة المسكينة لم تستطع بلوغ هدفها في النهاية، فقد كانت تزحف ببطء شديد، بعد أن وصلت إلى مرحلة الاحتضار، وكان في المشهد نسر لا يقل عنها حاجة إلى الطعام، فبقي متحيّناً فرصة الانقضاض على الطفلة، بعد أن يبتعد المصور كما يبدو، لكن المصور الذي وجد المشهد مغرياً جدا لالتقاطه صوّب عدسته ليفوز بصورةٍ، سرعان ما انتشرت في العالم، ثم فاز بجائزة بولتيزر لأفضل صورة فوتوغرافية إنسانية في ذلك العام.
لم تكن تلك الجائزة لتحمي كارتر من النقد الذي وجهه إليه كثيرون، بسبب اهتمامه بتصوير الطفلة المحتضرة، بدلا من المسارعة إلى إنقاذها من مصيرها المحتوم، على الرغم من دفاعه عن نفسه بأنه مصور، كان يمارس مهنته التي جاءت به إلى فضاء المجاعة بإخلاص شديد، وإن إنقاذ ضحايا تلك المجاعة، وهم كثيرون، لم تكن من مهامه. وقد ضاعف حدة الهجوم عليه، من كثيرين من النقاد والقراء على حد سواء، ما قيل من أنه انتظر، بعد التقاطه الصورة، ما يقرب من عشرين دقيقة، راقب فيها النسر وهو ينقضّ على الطفلة، قبل أن يغادر المكان تاركا وراءه أشلاء الجسد الصغير، وقد اختلطت بأشلاء الضمير الصحافي الميت، في صورةٍ واقعيةٍ، لم يلتقطها أحد.
لم يحتمل المصوّر الذي راجع موقفه مما حدث تحت وطأة الشعور بالندم، بعد أن ساهم الآخرون في تذكيره بإنسانيته المهدرة البقاء طويلا على قيد الحياة، فقرّر أن ينتحر، بعد أشهر قليلة من نيله الجائزة التي وضعته على محك اختيار الضمير الإنساني. على الرغم من أن هناك من دافع عنه، في المقابل، على اعتبار أن ما قام به نوع من الإنقاذ غير المباشر لأطفال آخرين، كان من المفترض أن يواجهوا مصير الطفلة، لولا أن الضوء الإعلامي الذي سلّطه كارتر وزملاؤه على المأساة ساهم في تخفيف حدّتها في النهاية.
قال، في رسالته التي تركها وراءه؛ "أنا مكتئب، أنا مُطَارَد بالذكريات الواضحة لحالات القتل والجثث والغضب والألم وأطفال جائعين أَو مجروحين، مطارد مِنْ المجانين التوّاقين لإطلاق النارِ، مِنْ الجلادين القتلة".
وواضح أن الجلادين والقتلة والمجانين التوّاقين لإطلاق النار على الضحايا الأبرياء ما زالوا يمارسون أعمالهم، على مرأى من عدسات الصحافيين والمصوّرين الفوتوغرافيين، في اختبارات مستمرة للضمير الإنساني، وهو يواجه الضمير المهني.. حيث لا ضرورة لإعلان الفائز أخيراً.
أما التعليق الذي استوقفني من بين مئات التعليقات التي انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي، تعاطفاً مع الطفلة، ودهشة من اللحظة المفارقة التي جمدتها الفوتوغرافيا، فهو لسيدة تقول إن الطفلة كانت، في تلك اللحظة، بحاجة لمن يحتضنها، لا لمن يصوّرها. وهذا، بالمناسبة، رأي قديم يتجدّد مع كل صورة فوتوغرافية صحافية مشابهة، وبالتحديد منذ حادثة انتحار المصور العالمي، كيفن كارتر، في يوليو/تموز 1994، تحت وطأة الشعور المتعاظم بالذنب، بسبب انحيازه لفكرة السبق الصحافي، على حساب نداء الضمير الإنساني.
كان كارتر قد صادف طفلة سودانية في أثناء تغطيته الصحافية أحوال المجاعة التي ألمّت بالسودان وأهوالها، في مطلع تسعينيات القرن الماضي، وهي تزحف منهكة القوى، بسبب الجوع الشديد من الكوخ الذي يسكنه ذووها إلى مقر توزيع المساعدات الغذائية، بعد أن مات كل من في الكوخ جوعاً، ولم يبق سواها، لتحاول النجاة قدر استطاعتها. وعلى الرغم من أن المسافة بين الكوخ ومقر المساعدات لا يزيد عن كيلو متر واحد، إلا أن الطفلة المسكينة لم تستطع بلوغ هدفها في النهاية، فقد كانت تزحف ببطء شديد، بعد أن وصلت إلى مرحلة الاحتضار، وكان في المشهد نسر لا يقل عنها حاجة إلى الطعام، فبقي متحيّناً فرصة الانقضاض على الطفلة، بعد أن يبتعد المصور كما يبدو، لكن المصور الذي وجد المشهد مغرياً جدا لالتقاطه صوّب عدسته ليفوز بصورةٍ، سرعان ما انتشرت في العالم، ثم فاز بجائزة بولتيزر لأفضل صورة فوتوغرافية إنسانية في ذلك العام.
لم تكن تلك الجائزة لتحمي كارتر من النقد الذي وجهه إليه كثيرون، بسبب اهتمامه بتصوير الطفلة المحتضرة، بدلا من المسارعة إلى إنقاذها من مصيرها المحتوم، على الرغم من دفاعه عن نفسه بأنه مصور، كان يمارس مهنته التي جاءت به إلى فضاء المجاعة بإخلاص شديد، وإن إنقاذ ضحايا تلك المجاعة، وهم كثيرون، لم تكن من مهامه. وقد ضاعف حدة الهجوم عليه، من كثيرين من النقاد والقراء على حد سواء، ما قيل من أنه انتظر، بعد التقاطه الصورة، ما يقرب من عشرين دقيقة، راقب فيها النسر وهو ينقضّ على الطفلة، قبل أن يغادر المكان تاركا وراءه أشلاء الجسد الصغير، وقد اختلطت بأشلاء الضمير الصحافي الميت، في صورةٍ واقعيةٍ، لم يلتقطها أحد.
لم يحتمل المصوّر الذي راجع موقفه مما حدث تحت وطأة الشعور بالندم، بعد أن ساهم الآخرون في تذكيره بإنسانيته المهدرة البقاء طويلا على قيد الحياة، فقرّر أن ينتحر، بعد أشهر قليلة من نيله الجائزة التي وضعته على محك اختيار الضمير الإنساني. على الرغم من أن هناك من دافع عنه، في المقابل، على اعتبار أن ما قام به نوع من الإنقاذ غير المباشر لأطفال آخرين، كان من المفترض أن يواجهوا مصير الطفلة، لولا أن الضوء الإعلامي الذي سلّطه كارتر وزملاؤه على المأساة ساهم في تخفيف حدّتها في النهاية.
قال، في رسالته التي تركها وراءه؛ "أنا مكتئب، أنا مُطَارَد بالذكريات الواضحة لحالات القتل والجثث والغضب والألم وأطفال جائعين أَو مجروحين، مطارد مِنْ المجانين التوّاقين لإطلاق النارِ، مِنْ الجلادين القتلة".
وواضح أن الجلادين والقتلة والمجانين التوّاقين لإطلاق النار على الضحايا الأبرياء ما زالوا يمارسون أعمالهم، على مرأى من عدسات الصحافيين والمصوّرين الفوتوغرافيين، في اختبارات مستمرة للضمير الإنساني، وهو يواجه الضمير المهني.. حيث لا ضرورة لإعلان الفائز أخيراً.