الفلوجة.. لا فرق بين جيش المالكي وجرائم إسرائيل بغزة

الفلوجة

العربي الجديد

لوغو العربي الجديد
العربي الجديد
موقع وصحيفة "العربي الجديد"
27 يوليو 2014
+ الخط -

فارق بسيط يفصل بين سيناريو الهجوم الأميركي الثاني على مدينة الفلوجة في عام 2004 والحملة الحالية التي أمر بها رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته، نوري المالكي، إذ تم استبدال الفسفور الأبيض الذي قصفت به المدينة قبل عقد من الزمن من قبل الجيش الغازي الأميركي بسلاح البراميل المتفجرة الذي يستخدمه جيش المالكي، فيما توسعت المقابر التي أصبحت اليوم بلا أسيجة وأخذت تتوغل داخل الأحياء السكنية بعد 213 يوما من القصف المدفعي والجوي الليلي الذي بدأ في 23 يناير/ كانون الأول من عام 2013 وما زال مستمرا حتى اليوم.

مناظر الدمار وبقايا البنايات المقصوفة تستقبلك بمجرد دخولك من معبر المفتول شمال الفلوجة، والذي يعد المنفذ الوحيد للمدينة بعد سيطرة المسلحين عليه قبل شهرين لاستخدامه في إدخال المواد الإغاثية والإنسانية للمدينة المحاصرة حكومياً منذ أكثر من ستة أشهر مضت، خاصة بعد أن شهدت الفلوجة 44 هجوما بريا فاشلا من قبل الجيش العراقي على المدينة، ترافقك مشاهد الخراب على طول الطريق المار بأحياء الصقلاوية وسكة القطار والأزرقية وحي الجولان الذي يعد أول منطقة  فعلية في الحيز المكاني لعمليات القصف الجوي والمدفعي الذي يجري بشكل يومي ومكثف بعد العجز عن اقتحام المدينة عن طريق الهجوم البري.

"شوارع الفلوجة عبارة عن قنبلة كبيرة، معظم المباني والطرق ملغومة أو بها قنابل لم تنفجر بعد أن القاها الجيش العراقي، باستمرار تجد من يحذرك من المشي في هذا الشارع أو دخول تلك البناية خوفا من تعرضك لانفجار" يقول الناشط الاغاثي معاذ القيسي الذي تكفل بدور الدليل المرافق لـ "العربي الجديد" في جولته داخل المدينة التي تقع ضمن محافظة الأنبار على بعد 60 كيلومترا شمال غرب العاصمة بغداد، بدأت الجولة من أكثر الاحياء تضرراً وهي مناطق نزال والشهداء والحي العسكري حيث سويت العشرات من منازل وبنايات هذه الأحياء بالأرض وأصبح العديد منها قبوراً لساكنيها في حين يعتبر حي المعلمين الأكثر استهدافاً بسلاح البراميل المتفجرة التي غيرت معالم المنطقة لتصبح شبيهة بمشاهد مدينة ستالينغراد السوفييتية في الحرب العالمية الثانية على حد وصف القيسي.

بعيداً عن المنازل السكنية فإن القيسي يستعرض خريطة تفصيلية للمدينة مؤشراً عليها عشرات الأهداف التي تم قصفها بشكل مركز في مدينة الفلوجة، " أغلبها مدارس ودوائر خدمية لكن حصة الأسد كانت للمساجد التي تشتهر المدينة بكثرتها ولقبت بها" يقول القيسي متابعا " أمامك على الخريطة 11 مدرسة سويت بالأرض ومنها مدارس ابن خلدون للبنات في حي الضباط والاستبرق الثانوية للبنات في حي نزال في حين تم استهداف كلية الطب بشكل مباشر وقصفت كلية الادارة والاقتصاد بصاروخين".

مئذنة مسجد عبدالعزيز السامرائي الذي تعرض للقصف جنوبي الفلوجة

يفضّل مرافقنا القيسي أن نشاهد عددا من مواقع القصف على أرض الواقع ومنها المقر الرئيسي لدائرة الدفاع المدني الواقع في حي نزال لننتقل بعدها إلى مخزن مادة الكلور الخاص بتعقيم مياه الشرب الواقع في غرب المدينة والذي أدى قصفه إلى حدوث عشرات من حالات التسمم الكيميائي في الحي السكني القريب منه في حين لم تنجُ حتى دائرة المحاسبة الضريبية من الاستهداف المباشر بصاروخ  أطلقته مقاتلة من نوع سوخوي والتي استخدمت في الغارات الاخيرة على المدينة ويعتقد أنها سورية وفقاً لضابط طيار متقاعد من أبناء الفلوجة.

ويبيّن العميد الطيار العراقي المتقاعد علاء الحلبوسي أن القصف على الفلوجة يتم بطريقتين هما البراميل المتفجرة الذي يعتمد على إحداث اكبر قدرة تدميرية بواسطة مادة TNT المتفجرة المصحوبة بكمية ضخمة من الشظايا القاتلة التي تلقى بواسطة المروحيات العسكرية وهو ما يوضح حجم الدمار الذي لحق بأكثر من 26 مسجداً  قصفت بهذا السلاح  ومنها مساجد الشمري والانبياء والحضرة المحمدية والحسين والحسن البصري .

ويتابع الحلبوسي بأن النوع الثاني من القصف يجري باستخدام المقاتلات الروسية الصنع وهي في الغالب إما سورية تستعين بها حكومة المالكي أو طائرات سوخوي مستعملة اشتراها العراق مؤخراً و يقودها طيارون إيرانيون لحين تهيئة كوادر عراقية متخصصة في هذا النوع .

طفل داخل شرفة منزل عائلته الذي تعرض للقصف

الناشط القيسي يعود ويقودنا إلى بقايا منزل مجاور لشركة المياه المعدنية في حي الضباط حيث تسبب سقوط برميل متفجر على منزل الأرملة أم محمد في مقتل جميع أفراد العائلة البالغ عددهم خمسة بالإضافة إلى أربعة من ضيوفهم مع أحد المارة في الشارع فيما استمرت جهود انتشال الجثث إلى ما بعد صلاة الفجر من اليوم الثاني باستخدام عربتي بلدوزر ورافعة متخصصة، قائلا "الجيش تعمد تنفيذ العملية قبل موعد الإفطار بنصف ساعة لإيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا".

ويؤكد بلال العلواني الذي يسكن في المنزل المجاور لأم محمد أن انقطاع التيار الكهربائي عرقل عمليات الإنقاذ بشكل كبير واضطرهم للعمل باستخدام مصابيح السيارات، مشيراً إلى فشل جهود اسعاف أحد المصابين وهو طفل بعمر خمس سنوات لفظ أنفاسه الاخيرة بمجرد الدخول إلى قسم الطوارئ في مستشفى المدينة.

مستشفى الفلوجة العام لم يسلم هو الآخر من القصف حيث تعرض للقصف 22 مرة بشكل مباشر بالطائرات والمدفعية الثقيلة مما تسبب بهدم أجزاء واسعة منه وخصوصاً صالة العمليات الجراحية الكبرى والأقسام المتخصصة فيه مع تدمير محطة توليد الكهرباء التابعة له ومخزون مادة الوقود المستعملة في تشغيل مولدات الكهرباء الاحتياطية في حين يمارس الكادر الطبي المتبقي في المستشفى عمله  المحدود باستخدام مولدات صغيرة ذات استهلاك منخفض للوقود في وقت تنعدم أغلب التجهيزات الطبية المنقذة للحياة الأمر الذي تسبب بحالتي وفاة ناجمتين عن العجز في إيقاف النزيف  الحاصل جراء التعرض لشظايا قذيفة مدفعية بما يهدد حياة سكان المدينة البالغ عددهم 700.000 نسمة.

القصف الحكومي هدّم العديد من منازل الفلوجة

مقر جمعية (احفاد الفاروق) الخيرية هو المكان الأمثل لمعرفة مجمل الأوضاع الإنسانية في المدينة حيث يوجز عضو الجمعية خالد العسافي (أبو مجاهد) أحوال المدينة في الوقت الراهن بأنه يوجد ما يقارب 70 الف عائلة نازحة من الفلوجة باتجاه محافظات صلاح الدين ونينوى وإقليم كردستان وأن 4 آلاف عائلة فضلت البقاء في منازلها وعدم الخروج من المدينة.

أبو مجاهد عرض لــ"العربي الجديد" إحصائيات يخزنها على حاسبه المحمول عن عدد الشهداء الذين سقطوا في المدينة والبالغ عددهم بحسب آخر تحديث يوم 28 من رمضان الحالي 611 شهيداً و2068 جريحاً  شكل الاطفال والنساء نسبة 67% من اجمالي الضحايا في حين تبلغ نسبة  المنازل التي تعرضت للقصف أكثر من 55% من المجموع الكلي لمنازل المدينة.

المفارقة التي أطلعنا عليها أبو مجاهد تمثلت في أن الفلوجة وفي ظروفها الحالية الصعبة استقبلت أكثر من 120 عائلة نزحت اليها من مناطق في شمال محافظة بابل والعاصمة بغداد، مبيناً أن وجهاء وشيوخ عشائر في الفلوجة أشرفوا على تهيئة منازل وحصص غذائية منتظمة لتلك العوائل التي وجدت في الفلوجة مكاناً أمناً من سطوة الميليشيات الطائفية التي قامت بتهجيرها من مناطقها الاصلية.

وعلى الرغم من تغير التطورات والأحوال الامنية في الفلوجة يوما وراء يوم فإن طقوس الجنازات ودفن الشهداء ثابتة على حالها منذ عام 2003 إذ يمارس السكان الأمر الذي اعتادوا عليه لأكثر من مرة في اليوم الواحد بما أسهم في توسع مقبرتي المدينة القديمة والاسلامية بالإضافة إلى مقبرة الشهداء التي استحدثت في مكان نادي الفلوجة الرياضي عام 2004 وضمت أغلب شهداء المدينة الذين سقطوا اثناء معركتي الفلوجة الاولى والثانية مع الجيش الاميركي .

بعد نهاية جولتنا وفي طريق الخروج من مدينة المساجد فإن مرافقنا القيسي أصر على الانعطاف في شارع جانبي داخل حي نزال لمشاهدة المنظر الاخير من حرب المدينة وهي سيارة إسعاف قصفها طيران الجيش العراقي أثناء القيام بإخلاء مجموعة من الجرحى الذين كانوا يتجمعون أمام أحد الأفران الأهلية في الحي مختتما حديثه أثناء وداعه لنا بسؤالنا "هل لاحظتم اختلافا في أفعال الجيش العراقي عما قام به الجيش الاسرائيلي في عدوانه الحالي على غزة!".