حاول أبو راغب منع جنود الاحتلال من الوصول إلى ابنه رامي البالغ من العمر (12 عاما) واعتقاله، لكن الجنود كما يروي التميمي لـ"العربي الجديد"، سحبوه واعتدوا عليه رغم إعاقته الحركية التي يعرفونها جيدا، ويعلمون ما يعانيه من وضع صحي، فالجنود وضابطهم اقتحموا منزله أكثر من مرة لاعتقال أبنائه.
مقاطع فيديو قصيرة استطاعت ابنته تصويرها وثقت جزءا من المشهد وليس كله، يكمل رواية المشهد، قائلا: إن "إمساكي بحافة درج قريب حالت دون أن أقع أرضا، ثم اعتقل الجنود الطفل رامي واقتادوه إلى قرب مدرسة القرية، ثم وضعوا بيده عددا من الحجارة، وقام أحدهم بتصويره، وكل ذلك أمام الجميع، ثم اقتادوه بالجيب العسكري".
استمرت عملية اعتقال رامي ساعات، وعاد إلى مقعده الدراسي منذ الثلاثاء، لكن والده يتساءل كيف سيكون تأثير كل ما حصل على طفل بعمره، فهو يتوقع تكرار ما حصل، لأن هذا الاعتقال هو الثالث على الأقل. وواحد من تلك الاعتقالات دام لثلاثة أيام وعقدت للطفل رامي خلالها جلستي محاكمة قبل الإفراج عنه.
ويعزز مخاوفَ الأب ما تعرض له رامي أثناء رحلة الاعتقال التي استمرت ساعات، فالكلمات الأولى التي قالها حين سؤاله عما حصل، كانت: "متت من الخوف". نقل رامي في البداية قرب مستوطنة "حلميش" المجاورة والمقامة على أراضي شمال غربي رام الله، وتعرض هناك لاعتداء لفظي من أحد حراس المستوطنة، ثم نقل إلى مركز توقيف "بنيامين" المقام على أراضي شرق رام الله، وهناك هددوه بالاعتقال وبالكلاب البوليسية إن لم يعترف، والاعتراف المطلوب منه أنه "يقوم بإلقاء الحجارة على جيش الاحتلال".
عائلة أبو راغب تعاني استهدافا متكررا من جيش الاحتلال. طفلان أسيران حاليا هما راغب (16 عاما) ورامز (14 عاما) وهما شقيقا رامي، اعتقلا هذا الشهر أيضا ولم يحكما حتى اللحظة، لكنهما اعتقلا العام الماضي، لمدة أربعة أشهر، ما يشكل مزيدا من الضغط على العائلة، التي تعتمد أصلا على رب أسرة لا يستطيع ممارسة أي عمل بسهولة، بل يساعده أبناؤه بجمع خيرات الأرض كالزعتر، والمريمية وغيرها من أجل بيعها وتوفير لقمة العيش.
دير نظام القرية الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها 900 نسمة تواجه اعتداءات متكررة، كما صرح رئيس مجلسها القروي بلال التميمي لـ "العربي الجديد"، فمستوطنة حلميش مقامة بالقرب منها، ودوريات جيش الاحتلال توجَد بشكل دائم على بعد أقل من مائة متر من منازل المواطنين، والاقتحامات تحصل بشكل شبه يومي بحجة رشق الاحتلال ومستوطنيه الحجارة، وأحيانا كثيرة أثناء انتظام العملية التعليمية في المدرسة تقتحم قوات الاحتلال القرية، وتطلق قنابل الغاز المسيل للدموع باتجاهها.
اعتقل خلال العام الماضي بحسب بلال التميمي، ما لا يقل عن 15 طفلا من قرية دير نظام لفترات مختلفة، تعرض عدد من الأطفال لتحقيق قاس بهدف الحصول على اعترافات عمن يلقي الحجارة، فيما فقد الفتى حسان التميمي العام الماضي بصره أثناء الاعتقال في سجن عوفر، بسبب الإهمال الطبي.
وتواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي اعتقال ما يقارب 250 طفلا، كما أوردت آخر إحصائية نشرها نادي الأسير الفلسطيني، فيما تختلف الأرقام الموثقة حول أعداد الاعتقالات بين صفوف الأطفال الفلسطينيين، وفق ما أفاد به مدير عام الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال – فلسطين، خالد قزمار لـ"العربي الجديد"، بسبب توقف مصلحة السجون بعد العام 2016 عن تزويد المحامين بأعداد الأطفال المعتقلين، فيما يؤكد قزمار أن أعداد الأطفال في السجون ارتفعت خلال هذه السنوات، وازدادت بشكل لافت ظاهرة اعتقال الأطفال دون سن 14 عاما، وحتى محاكمتهم خصوصا في القدس.
وحول نظام المحاكم العسكرية الإسرائيلية، أشار قزمار إلى أنه لا يراعي المرجعيات القانونية الدولية لحقوق الإنسان التي تتطلب أن يكون هناك نظام متخصص بالأحداث، يمنع إساءة المعاملة والتعذيب وتضمن محاكمة عادلة لكل طفل، والنظام العسكري الإسرائيلي بعيد عن ذلك.