الفقر في المغرب يقذف بالأطفال إلى خدمة المنازل

22 ابريل 2015
الفقر يجبر أسراً مغربية على تشغيل أطفالها (أرشيف/getty)
+ الخط -

كلما شاع خبر عن تعرض خادمة أحد المنازل للعنف من قبل مشغليها في المغرب، تنتاب الحاجة فاطمة أيت واكرد، حالة من الغضب تخرجها عن طورها، لتصب جام غضبها على من تسبب في وضع أطفال صغار تحت رحمة قلوب امتلأت بالقسوة، ثم تنهي ثورتها بالترحم على الحاج الحريزي.

تحكي الحاجة فاطمة التي تبلغ من العمر 80 عاماً، عن الحاج الحريزي بالكثير من الفخر، الذي كان مقاوماً في زمن الاحتلال الفرنسي قبل الاستقلال عام 1956، إذ كان الرجل يحظى بالكثير من الاحترام في الحي، ويعامل الخادمة أفضل من أبنائه.

جيء بها في سن السادسة، لكن الحريزي رفض تشغيلها كخادمة، لأنه كان ضد تشغيل الأطفال، غير أنه قبل بإلحاح من زوجته، التي اقترحت عليه أن يدخلها إلى المدرسة، التي حرمت منها، مثل أبنائه، فتكون مثلهم سواء بسواء.

تحتفظ الحاجة بتفاصيل معاملة الحاج لتلك الطفلة. فقد أدخلها المدرسة مثل أبنائه، وحرص على تعليمها اللغة الفرنسية في المعهد الفرنسي، وعندما لمس لديها تواضعا في اللغة الإنجليزية في المستوى الثانوي، أدخلها إلى معهد متخصص في تلك اللغة.

وفي إحدى الدراسات التي أنجزها الائتلاف الجمعوي (اتحاد جمعيات) من أجل حظر تشغيل الخادمات القاصرات، قدرت عددهن حالياً بما يتراوح بين 66 و88 ألفا، 38% منهن تتراوح أعمارهن بين 8 و12 عاماً، و62% بين 13 و15 عاماً.

وتشير الدراسة إلى أن 49% من الخادمات القاصرات انقطعن عن الدراسة، و30% لم يسبق لهن أن عرفن المدرسة، و21% يواصلن دراستهن ويعملن في العطل.

لا تحتاج الحاجة فاطمة، إلى كل هذه الأرقام، كي تحدثك عن مآسي تشغيل القاصرات. تجربتها في الحياة، نمت لديها حساً سليماً، ينبض به قلب الأم التي تعتبر أن الفقر لا يبرر تسليم الأطفال للآخرين. لا تكف عن ترديد" الله يدينا بلا ذنوب".

وتشير الحاجة فاطمة إلى أن مخدومها كان شديد الحرص على أن تحتفظ بصلات وثيقة مع أسرتها، فلم يخلف مرة موعد أخذها لزيارة أسرتها التي تقيم على بعد خمسين كيلومترا عن الدار البيضاء، ولا تكف عن ذكر أياديه البيضاء على تلك الطفلة التي أضحت شابة، ولم يعد أحد يتذكر أنها حلت في يوم بذلك البيت طفلة كي تخدم أهله.

عندما تستمع إلى حديث هذه السيدة، تتداعى أمامك، صور صغيرات، في أسواق وشوارع المغرب، تنوء أجسادهن النحيلة تحت ثقل أغراض سيدات البيوت.

 والشائع بين الناس أن أجر الخادمات الصغيرات لا يتعدى في أحسن الأحوال 60 دولاراً في الشهر.

محسن العبدي، الذي سبق له أن عمل في سوق الأسماك بالدار البيضاء، يؤكد أن "السيدات اللائي يشغلن فتيات صغيرات يحرصن على ارتداء الخادمات ثيابا تشي بموقعهن الاجتماعي، فمقاسها يكون أكبر من سنهن، وجميعهن بدون استثناء، يلففن شعرهم بمنديل بطريقة مرتجلة، ونظرة إلى أحذيتهن تجعلك تدرك أنها لم تشتر لهن، بل فاضت عن حاجة أهل البيت".

الأنباء التي ترشح من خلف أبواب البيوت، تتحدث عن معاملة لا إنسانية، سادية تلقاها خادمات صغيرات من بعض الأسر. هؤلاء الصغيرات تخلت عنهن أسرهن من أجل تأمين بعض المال، يستطيع به باقي أفراد الأسرة، التي تقيم في غالب الأحيان في القرى، مواجهة بعض متطلبات الحياة.

هناك سماسرة متخصصون في هذه السوق، يتولون الوساطة بين الأسر الفقيرة، التي تبيع قوة عمل صغيرات، لأسر غنية أو متوسطة أو أدنى من ذلك تبحث عن شيء من الوجاهة عبر "التوفر" على خادمة في البيت، كما يقول محسن العبدي.

هذا الوضع تمخضت عنه مآسٍ، أدت إلى خلق ائتلاف بين جمعيات المجتمع المدني، فيما أدركت الدولة ضرورة وضع قانون يحد من تشغيل الصغيرات.

ويذهب الائتلاف المغربي من أجل حظر تشغيل الخادمات القاصرات، إلى أن ظاهرة تشغيل الفتيات القاصرات، ناجمة عن " الفقر، والأمية، ضعف البنيات التحتية في العالم القروي"، الائتلاف نفسه، يشير إلى أن الخادمات الصغيرات، يتلقين أجوراً هزيلة، ويتعرض لعنف جسدي واقتصادي.

كما تم وضع مشروع قانون حول خادمات المنازل، تشكل حوله نسيج من المنظمات الأهلية، التي ترفض تشغيل الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 عاما.

هذا موقف يشاطره المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في المملكة. لكن الموقف الذي غلب وسط المعارضة والأغلبية البرلمانية، استقر على حصر تلك السن في ما دون 16 عاماً.

وشددت الجمعيات على ضرورة تغليظ العقوبات ضد المخالفين، وتجريم من يسعى إلى تشغيل الأطفال دون السن التي يحددها القانون.


اقرأ أيضاً:
البطالة تحاصر حكومة المغرب

المساهمون