الفشل في حماية القنطار

27 ديسمبر 2015

مقتل القنطار.. تنسيق إسرائيلي روسي كامل (Getty)

+ الخط -
اغتالت إسرائيل الأسير المحرّر من سجونها، سمير القنطار، في غارةٍ نفّذتها طائراتها الحربية على مبنىً في ريف دمشق، وفقاً لرواية حزب الله الذي تعهد أمينه العام، حسن نصرالله بالرد على العملية، في أعقاب تشييع القنطار الذي كان في سورية ضمن مشروع الحزب للدفاع عن النظام السوري، وقد قضى مع مقاتلين في هذه اللجان وعاملين في خدمة مشروع الحزب والنظام.
ليس هذا المهم، على حجم الخسارة التي لحقت بحزب الله والنظام السوري، والمكسب الذي كسبته إسرائيل بمقتل القنطار. المهم في كيفية تمكّن إسرائيل من النيل من الرجل على مقربة من دمشق في ظل الوجود الكثيف والنوعي للطائرات الحربية الروسية، وحتى منظومة الدفاع الجوي المتطورة، صواريخ إس 400 التي نشرتها روسيا في سورية بعد إسقاط تركيا طائرتها الحربية، سوخوي، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وقيل إن هذه المنظومة ترصد (وتتعامل مع) أكثر من 30 هدفاً جوياً في وقت واحد، وفي قطر دائرته أكثر من 400 كلم. وقيل أيضاً إن دقة إصابتها عالية، فلا تخطئ هدفها إلا نادراً، وصولاً إلى القول إن روسيا فرضت حظراً جوياً كاملاً فوق الأراضي السورية، من خلال هذه المنظومة، فأي تحليق لأية طائرة في الأجواء السورية بات يحتاج موافقة القيادة الروسية والتنسيق معها، وهو ما جرى الاتفاق عليه بين الروس والأميركيين، وبين الروس والفرنسيين، وحتى البريطانيين، فضلاً عن الإسرائيليين، وكان رئيس الأركان الروسي قد زار قيادة الأركان الإسرائيلية لتنسيق هذا الأمر. فهل فشلت منظومة الدفاع الجوي الروسية في اكتشاف الطائرات الإسرائيلية التي قتلت القنطار؟ أم جاءت العملية في إطار التنسيق التام بينهما في إدارة العمليات في سورية؟
لا يمكن الحديث، هنا، عن فشل منظومة إس 400 في التعامل مع الطائرات الحربية الإسرائيلية التي قتلت القنطار، انطلاقاً من قدرتها التقنية، لأنها أصلاً لم تتعامل معها وتمنعها من ذلك. ولكن، يمكن الحديث عن ذلك انطلاقاً من الاعتبار السياسي، بمعنى القرار. وهنا، يمكن الحديث، بكل أريحية، عن تنسيق كامل بين القيادة الروسية وإسرائيل، لتسهيل إنجاز هذه المهمة، وهو ما حصل، وكان الضحية القنطار، لكن سؤالاً يُطرح عمّا يعنيه التخلّص من القنطار في هذا التوقيت؟
تقود الإجابة إلى الحديث عن الحل السياسي المطروح للأزمة السورية. فقد أصدر مجلس الأمن الدولي، قبل أيام، قراراً بالإجماع لهذا الحل السياسي، ومن المنتظر أن تبدأ المفاوضات بين المعارضة والنظام مطلع الشهر المقبل، وفق جدول زمني يمتد 18 شهراً، ما يعني، في مكان ما، تهيئة الأرضية الصالحة لإنجاح هذا الحلّ، على جبهتي النظام والمعارضة. وهنا، يمكن الحديث أن عملية قتل سمير القنطار قد تكون من قبيل البدء بعملية "تخلّص" من شخصيات ورموز معينة في ضفتي الصراع، يمكن أن تعرقل الحل السياسي، أو تقف حائلاً دون بلوغ خواتيمه السعيدة على الطريقة الروسية التي تنسق بشكل كامل مع الأميركيين، وحتى الإسرائيليين.
صحيح أن القنطار لم يكن خطراً كبيراً على إسرائيل، في الوقت الحالي، فأغلب المعلومات تشير إلى أن تركيزه كان على مساندة النظام السوري في مواجهة الثورة، خصوصاً من خلال رمزيته المعروفة، وبالتالي، لم يكن لهدف التخلّص منه بالنسبة لإسرائيل أولوية. وصحيح أيضاً أنه لم يكن بالنسبة لحزب الله قائداً ميدانياً فذّاً، وإنما كان له رمزيته التي اكتسبها من وجوده في سجون الاحتلال 29 عاماً، وبالتالي، ليست خسارته كبيرة للحزب أيضاً بالمعنى الميداني، لكن الصحيح أيضاً أن قتله جاء في سياق رسالة دموية واضحة لكل من يعنيهم الأمر، مفادها أن المضي في الحل السياسي على الطريقة الروسية يحتاج إلى إقصاء عدد من القيادات، بخضوعها لمنطق هذا الحل والانسحاب من المواجهة، أو عبر القتل بالتخلّص من أعداء إسرائيل. وهنا، كان سمير القنطار ضحية هذه الرسالة، وهذا يجعلنا نعتقد أن شخصيات أخرى في النظام أو المعارضة قد يتم تصفيتها في المرحلة المقبلة لتسوية الطريق وتعبيدها أمام الحل المنشود، وأن منظومة صواريخ إس 400 لم تعترض الطائرات الإسرائيلية في طريقها إلى هدفها بقرارٍ سياسي، وليس عجزاً تقنياً.