الفراغ "الداعشي" في لبنان
عود على بدء!
فيما "داعش" تزحف من حوله، في كل من سورية والعراق، وحدوده مشرعة لها ولغيرها، باتجاه الداخل، وحزب الله يقحم نفسه في قتالها في الداخل السوري، تتقدم "الداعشية السياسية" في مؤسسات الدولة اللبنانية، وعلى مختلف الصعد، من رئاسة الجمهورية إلى مجلس النواب، ومن مجلس الوزراء إلى معظم الدوائر الحكومية، مروراً بالمؤسسات التعليمية، الجامعية والمدرسية على حد سواء، المهددة بعدم إمكانية استئناف الدراسة في السنة الدراسية الجديدة، بسبب الشلل الناتج عن الإضراب المفتوح لموظفي القطاع العام، والأساتذة الجامعيين وأساتذة التعليم الثانوي، الذين يطالبون بحقوقهم من زيادة رواتب وعلاوة غلاء معيشة، وتثبيت وترقيات، وغيرها من حقوق.
ناهيك عن الوضع المتفجر على الحدود الجنوبية، نتيجة الحرب الإسرائيلية على غزة، ومحاولة بعض المتحمسين والمغامرين (والمدفوعين؟!) لنصرة الفلسطينيين، بإطلاق صواريخ بدائية وعديمة الفعل، والتي يسقط معظمها داخل الأراضي اللبنانية. فيما تصر السلطات الأمنية اللبنانية على تأكيد أن "الأمن ممسوك"!
"الداعشية" تزحف، إذن، فيما يستمر السياسيون في تعطيل الحياة السياسية، كل انطلاقاً من حساباته الضيقة، الفئوية والطائفية والمذهبية والشخصية. فها قد مضى شهران على الفراغ في رئاسة الجمهورية، بعد انقضاء مدة ولاية الرئيس ميشال سليمان، وتحولت جلسات انتخاب رئيس جديد إلى فولكلور أسبوعي، يمارسه رئيس البرلمان نبيه بري، والذي لم يعد يكلف نفسه حتى عناء الحضور إلى المجلس، لعلمه اليقين أن النصاب المطلوب لن يتأمن، طالما أن حلفاءه يقاطعون الجلسات تهريباً للنصاب، فيما يحضر نواب كتل قوى 14 آذار، على الرغم من علمهم أنهم غير قادرين على تأمين النصاب.
فرئيس التيار الوطني الحر، ميشال عون، وبعد إصراره الأشهر على أن يكون هو الرئيس، أو لا أحد غيره، عبر مقاطعة نوابه العشرين جلسات الانتخاب، وتضامن نواب حزب الله معه، وبعد ما يئس من إمكانية دعم زعيم تيار المستقبل، سعد الحريري له في الرئاسة، عاد فانكفأ، معلناً أن الرئاسة لا تهمه، وأنه من غير المهم من سيكون رئيساُ للجمهورية، مطالباً بإجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية، لأن هدفه "إصلاح الدولة والمؤسسات". ولم يوضح للبنانيين كيف يمكن أن يحصل ذلك من دون انتخاب رئيس للبلاد، علماً أن مجلس النواب قد انتهت ولايته، منذ أكثر من سنة، وبدلاً من اجراء انتخابات جديدة، قام النواب بالتمديد لأنفسهم، بحجة أن الوضع الأمني لا يسمح بتنظيم الانتخابات.
في المقابل، ترفض معظم الكتل النيابية أن تجرى الانتخابات النيابية قبل الرئاسية، وفي ظل عدم وجود رئيس للجمهورية، ولذلك، يفضلون التمديد مرة أخرى للبرلمان. وها هو مجلس النواب اليوم مشلول غير قادر على انتخاب رئيس، ولا حتى على الاجتماع والتشريع، بهدف حل مشكلات الناس الاقتصادية والمعيشية.
وينطبق الأمر على الحكومة التي تم تشكيلها قبل خمسة أشهر، بعد فراغ في رئاسة الحكومة دام أكثر من عشرة أشهر، وهي تجمع الأضداد من حزب الله إلى تيار الحريري والتيار العوني. فهي تواجه، اليوم، خطر الشلل، لعدم توفر الحد الأدنى من التفاهم بين مكوناتها المنقسمة حول معظم الأمور السياسية، من الأزمة السورية إلى الرئاسية إلى الاقتصادية والحياتية. وأي قرار لا يمكن اتخاذه، ما دام لم يتوفر الإجماع حوله في مجلس الوزراء.
ويقف حزب الله حائراً بين تورطه في الحرب السورية إلى جانب نظام بشار الأسد، وما يكلفه ذلك من خسائر بشرية في صفوف مقاتليه، وبين حاجته لحد أدنى من الاستقرار الداخلي وعدم اضطراره للانزلاق إلى مواجهةٍ داخليةٍ، بات محسوما أنها فيما لو حصلت ستكون شيعية-سنية، في ظل ما يعتمل من غليان في الشارع السني بشكل عام، وفي صفوف مجموعات سلفية متطرفة بشكل خاص، والتي تهب عليها رياح "داعش" من البقاع والشمال اللبنانيين.
فإذا كانت إمارة "داعش" لم تمتد بعد عسكرياً إلى لبنان، فهي تحاصره في الجغرافيا والسياسة، وفي عقول بعض سياسييه.