الفئران تقفز من سفينة ترامب

01 سبتمبر 2018
+ الخط -
لم يكن شهر أغسطس/ آب شهر خير على الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فقد وجد نفسه في وضع لا يحسد عليه. بدأت الحلقة تضيق من حوله، وراح أقرب حلفائه يتقافزون من سفينته المثقوبة التي أخذت تغوص شيئا فشيئا.
في أسبوع واحد، انقلب عليه ثلاثة من أقرب المقرّبين إليه. اعترف محاميه للقضايا الخاصة والمسؤول عن تسوية أوضاع علاقاته مع النساء، مايكل كوهين، أمام المحكمة، بارتكابه ثماني جرائم تزوير وكذب، بينها جريمتا دفع مبالغ يحتمل أن تكون قد تمّت من ميزانية حملة ترامب الانتخابية عام 2016، الأولى لعارضة الأزياء في مجلة بلاي بوي كارن ماكدوغال، والثانية للممثلة في الأفلام الإباحية ستورمي دانييلز. وفي اعترافه، قال الرجل حرفيا إنه فعل ذلك "بالتعاون مع وبتوجيه من مرشح لمنصب فيدرالي كبير"، في إشارة لا لبس فيها إلى ترامب، الذي أكّد الإشارة، حين كال الشتائم لكوهين، في تغريداتٍ وصفه فيها بـ"الجرذ" وبأنه محام سيئ. ثمّ توّج ذلك بمقابلة مع قناته اليمينية المفضّلة، فوكس نيوز، حين حاول وضع مسافة بينه وبين محاميه السابق، وشجب بشدّة كلّ من يدلي بشهادته ضدّ من هم أعلى منه منصبا للتخفيف من عقوبتهم، وقال إنه ينبغي نزع الشرعية القانونية عن هذه الحالة، في جهلٍ بالأساليب القضائية الأميركية. ثمّ دافع عن نفسه على حسابه على "تويتر"، في ما يشبه العذر الأشدّ قبحا من الذنب، بقوله إنه بريء تمامًا، لأن المال الذي دفعه كوهين للسيدتين جاء من حسابه الشخصي، وليس من حساب حملة 2016.
بعد يومين، تلقّى ترامب صفعة أقسى من مالك الجريدة الفضائحية، ناشونال إنكوايرر، ديفيد 
بيكر، الذي تلقى حصانة للشهادة بشأن المبالغ المدفوعة لقاء صمت السيدتين عن علاقتهما بترامب، فقد أيّد بيكر رواية كوهين، باعتباره شاهدا ومشاركا فيها.
وكان بيكر من أكبر داعمي الرئيس ترامب، وقد نشر خلال حملة عام 2016 قصصا مشبوهة عن بعض خصوم المرشّح ترامب، بما في ذلك توجيه اتهامات سيئة ومبهمة تربط بين والد المرشّح الجمهوري تيد كروز واغتيال الرئيس الأميركي السابق جون كنيدي. ويحتفظ بيكر بخزائن كاملة عن قصص تخصّ الرئيس ترامب، وذكرت وكالة أسوشييتد برس أن هنالك الآن حراسة في مكاتب شركة ناشيونال إنكوايرر التي كانت تحتفظ بقصص عن ترامب وغيره من المشاهير، اشترتها المجلة، ولم تنشرها، محتفظة بها لاستخدامها عند الحاجة. وها هي اللحظة قد أتت. والمجلة رخيصة، تنشر فضائح المشاهير من فنانين وسياسيين ورجال ونساء مجتمع. وعلاقة ترامب بصاحبها أساسا مشبوهة.
ولم يكد ترامب يستفيق من صفعة بيكر، حتى بادر كبير المدراء الماليين في مجموعة شركات ترامب إلى توجيه صفعة أكبر، فقد عقد ألين فايسلبيرغ صفقة مع المدّعين العامين في ولاية نيويورك، سيقدّم من خلالها معلومات عن رئيسه مقابل حصوله على الحصانة. ويا لها من معلومات! فايسلبيرغ هو المسؤول المالي الرئيسي في منظمة ترامب، لكنه أكثر من ذلك بكثير. فقد استخدمه والد ترامب، وكان المدير المالي لشركات ترامب عقودا. والأسوأ أنه لم يتعامل مع الشؤون المالية لمجموعة شركات ترامب وحسب، بل تعامل ولا يزال مع حسابات ترامب الشخصية. وهذا يفسّر سبب منحه الحصانة من المدّعين العامين في المنطقة الجنوبية من نيويورك، في أثناء سعيهم إلى الإيقاع بكوهين.
سبق هؤلاء الثلاثةَ فارسٌ آخر من فرسان ترامب، هو مدير حملته الانتخابية بول مانافورت، الذي لم يقبل التعاون مع المدّعين العامين، لكنه دين بثماني تهم تحايل مصرفي وتهرّب من الضرائب. وجاءت إدانته بعد أن شهد ريك غيتس، كبير معاونيه في إدارة حملة الرئيس ترامب، بأنه ارتكب جرائم ومعه رئيسه وشريكه السابق مانافورت. وفي شهادة مذهلة، ذكر غيتس أنه ومانافورت كان لديهما 15 حسابًا أجنبيًا لم يصرّحا عنها إلى الحكومة الفيدرالية.
وقبل ذلك بكثير، تهاوى أحد مساعدي الرئيس ترامب، جورج بابادوبولوس، مستشار المرشّح ترامب للشؤون الدولية، الذي اتّهمه المحقق الخاص في تورّط حملة ترامب في التآمر مع الحكومة الروسية لفوز ترامب في انتخابات 2016، روبرت مولر، بأنه كذب على مكتب التحقيقات الفيدرالي بشأن اتصالاته المتكرّرة مع وسطاء يعملون لحساب السلطات الروسية. وأقر بابادوبولوس، في أكتوبر/ تشرين الأول، بالإدلاء بإفادة كاذبة، واعترف بالوقائع الواردة في البيان الاتهامي الطويل، الصادر عن فريق المحقق الخاص مولر. وسيحكم على الرجل بالسجن ستة أشهر فقط بسبب تعاونه.
وقبل أيام، توقّع روجر ستون، أحد أصدقاء ترامب المقرّبين وأحد صانعي استراتيجياته 
السياسية والاقتصادية، بأن مولر سيوجّه له الاتهام رسميا لاحقا، كجزء من التحقيق في التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية لعام 2016. وطلب ستون، ويا للسخرية، من أنصاره التبرّع لصندوق الدفاع القانوني الخاص به. ولم يكتفِ بذلك، بل أضاف أن مولر سوف يوجه اتهاما رسميا لدونالد ترامب الصغير، نجل الرئيس، بتهمة الكذب على مكتب التحقيقات الفيدرالي أيضا في ما يخصّ لقاء الأخير بممثلين عن الحكومة الروسية في 2016 بغرض تلقّي معلومات قذرة عن منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون.
من بقي في قارب الرئيس؟ هنالك الجنرال العجوز جون كيللي الذي يحاول لملمة الفضائح في البيت الأبيض، وكيليان كونواي، صاحبة مصطلح "الحقائق البديلة" في وصف أكاذيب الرئيس ترامب، ومحامي الرئيس الخاص، رودي جولياني، صاحب نظرية "الحقيقة ليست هي الحقيقة"، وأخيرا سارة هيكابي ساندرز، السكرتيرة الصحافية للرئيس، والتي تتلقى سهام الصحافيين كلّ يوم، من دون أن تجيب عن أي من أسئلتهم.
لن يبحر هذا القارب طويلا، وهو قد لا يغرق قبل انتخابات 2020، ولكنه بالتأكيد لن يكمل في دورة رئاسية جديدة. سيتقاعد ترامب، في أحد منتجعاته، يلعب الغولف، ويغرّد على "تويتر"، لاعنا مولر وأوباما وهيلاري والمسلمين والهسبان والأفارقة، وكلّ من انقلب عليه، ومادحا العنصريين البيض والقوميين الأميركان والنازيين الجدد. أما كلّ من كان معه على المركب فسوف يضيع في غياهب النسيان.
دلالات
8B0BB846-CF42-461B-9863-1B914FC64782
8B0BB846-CF42-461B-9863-1B914FC64782
وائل السواح

باحث سوري في قضايا المجتمع المدني وحقوق الإنسان. عضو في المكتب التنفيذي لرابطة الكتاب السوريين ورئيس تحرير موقع "سيريان أبزرفر" ومسؤول تحرير في موقع الأوان.

وائل السواح