الغرب يواجه "داعش" باستراتيجية "مرتعشة"

04 سبتمبر 2014
يتظاهرون ضد "داعش" في واشنطن (ماندل نغان/getty)
+ الخط -
من أقصى شواطئ الأطلسي الغربية في الولايات المتحدة الأميركية، وصولاً إلى ما بعد الضفة الشرقية في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وحتى تركيا، ترتفع درجة الاستنفار الغربي في مواجهة الخطر "الداعشي" الداهم الآتي من الشرق الأوسط. وزير الخارجية الأميركي جون كيري يكتب في مقال نشره في صحيفة "نيويورك تايمز" أن "تنظيم الدولة الإسلامية أصبح يشكل خطرا دائما على دول الشرق الأوسط والولايات المتحدة"، فيرد عليه رئيسا حكومتي لندن وباريس أن خطر "داعش" لم يعد بعيدا عن أعتاب أوروبا "ولا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي ويتعين علينا مواجهة الإرهاب من الداخل والخارج".

تهديدات "داعش" للأمن القومي الغربي، ستكون حاضرة أيضا في قمة حلف "الأطلسي" التي تعقد في مقاطعة ويلز في المملكة المتحدة اليوم (الخميس) وغدا (الجمعة)، بحضور نحو 60 رئيس دولة على مستوى العالم. وقد أكد الأمين العام للحلف، أندرس فوغ راسموسن، أن الموقف الأمني عموماً، وبنتيجة الوضع في العراق وسورية، أصبح مدعاة للقلق، وأن الأمر "يستوجب تأهبًا كبيرًا وخاصة جراء توجه مقاتلين أوروبيين إلى الدولتين وما تحمله عودتهم من مخاطر لارتكاب اعتداءات في أوروبا". للوهلة الأولى، يبدو الاستنفار الغربي وكأنه مرتبط بإعدام "داعش" للصحافيين الأميركيين، جيمس فولي وستيفن سوتلوف، وتهديد التنظيم بإعدام رهائن غربيين آخرين، قد يكون أولهم بريطاني الجنسية. أو ربما يبدو الاستنفار الغربي جاء كرد فعل على تمدد "الدولة الإسلامية" الذي بات يهدد أمن واستقرار دولة عضو في الحلف الأطلسي، وهي تركيا، ويهدد أمن واستقرار الدول الخليجية الحليفة للولايات المتحدة وأوروبا. أو ربما لأن الخطر الإرهابي لتنظيم "داعش" بات يهدد المصالح الغربية، والقواعد العسكرية المنتشرة في منطقة الخليج.

غير أن هذا كله يبدو ثانوياً، بدليل أن الأجهزة الأمنية الغربية تقر بأن خطر "داعش" بات يتهدد العواصم الأوروبية مباشرة. الواضح أن الفزع الغربي من "داعش" لا يرتبط حصرا بما يقوم به التنظيم من أعمال في العراق وسورية، بل بما هو أبعد من ذلك، إذ باتت أجهزة الأمن الغربية ترى في "الدولة الإسلامية" حاضنة ساخنة لجذب الشباب المتطرفين الوافدين من أوروبا والولايات المتحدة، والذين تجري تعبئتهم بأفكار معادية للغرب تمهيداً لإرسالهم من أجل تنفيذ أعمال إرهابية في شوارع المدن الغربية. وقد نوهت صحيفة "وورلد تريبيون" الأميركية، بأن المخاوف التي أعرب عنها قادة الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا، بشأن "تصدير الإرهاب من الشرق الأوسط" إلى بلادهم، تستند على قاعدة صلبة من المعلومات.

ونبهت الصحيفة بأن الآلاف من الشباب المسلمين من جميع أنحاء العالم، ومن بينهم مواطنون غربيون، يتنقلون بين سورية والعراق، ويشاركون في الأعمال القتالية، ويجري تدريبهم لاكتساب الخبرات والمهارات القتالية التي سيستخدمونها ضد الغرب. وفي السياق، ذكرت صحيفة "وورلد تريبيون" نفسها، أن هناك اعتقادا لدى الدوائر الأمنية الأميركية والأوروبية، جوهره أن نحو 12 ألف مقاتل أجنبي يقاتلون في صفوف "داعش" في سورية والعراق حالياً. وقدرت صحيفة "بيزنس إنسايدر" الأميركية أيضاً، أعداد المقاتلين الذين اتجهوا من الدول الغربية إلى العراق وسورية، بنحو ثلاثة آلاف مقاتل منهم 700 مقاتل من فرنسا، و 400 مقاتل من بريطانيا، و320 من ألمانيا و250 من بلجيكا و200 من أستراليا و130 من هولندا ومائة من كندا ومائة من الولايات المتحدة و51 من إسبانيا.

وقال محلل الشؤون الأمنية وقضايا الإرهاب في شبكة "سي إن إن" الأميركية ، بول كريكشانك، إن "الغرب والولايات المتحدة يشعران بقلق عميق حيال قدرات تنظيم الدولة الإسلامية داعش". وأكد كريكشانك أن خطر شن "داعش" هجمات على أميركا والغرب، "قائم ومرتفع للغاية"، لأن لدى التنظيم "القدرة على ذلك، لوجود قرابة ألف مقاتل من أوروبا في صفوفه، وهو ما يوفر له الفرصة لتدريبهم وإعادة إرسالهم إلى الغرب لشن هجمات". ويتابع أن "المئات من المقاتلين عادوا بالفعل إلى بلاهم الأصلية في الغرب، وليس لدى أجهزة الأمن القدرة على إبقائهم قيد المراقبة طوال الوقت، كما يمكن للمقاتلين الأوروبيين السفر إلى الولايات المتحدة من دون الحاجة لتأشيرة دخول، بما أنهم يحملون جوازات سفر أوروبية.

يبدو الرئيس الأميركي باراك أوباما، اليوم، "مرتعشاً"، بلا "استراتيجية" محددة للتعامل مع التهديد الخطير الذي يشكله تنظيم الدولة الاسلامية، على حد اعترافه قبل أيام، ويكتفي حتى اللحظة بمهاجمة قواعد وأرتال "داعش" في العراق من الجو، بينما تكتفي بعض الدول الغربية الأخرى مثل بريطانيا وألمانيا بتقديم بعض الدعم العسكري للحملة الأميركية الجوية، وتزويد قوات البشمركة بالسلاح والذخيرة، وسط إقرار بعض الإجراءات الأمنية الوقائية على المستوى الداخلي، من قبيل سحب جوازات سفر مواطنيها الذين تورطوا في "أعمال إرهابية"، أو منع من سافروا إلى العراق وسورية للالتحاق بـ"داعش" من العودة إلى اراضيهم.

وسط كل ذلك، يرى استراتيجيون غربيون أن مواجهة "داعش" وغيرها من التنظيمات كجبهة النصرة، لا ينبغي ان تقتصر على الحلول العسكرية أو الأمنية المبنية على توجيه ضربات جوية لقواعد التنظيم في العراق وسورية، أو حتى خوض حرب برية مع عناصر الدولة الاسلامية، أو تشديد الرقابة على المشتبه بانخراطهم في "علاقات ارهابية"، بل ينبغي لأي استراتيجية يقع اعتمادها أن تحدد أهدافاً تعالج الأسباب الجذرية الذي جعلت آلاف الشبان الذين ولدوا في الدول الغربية، وتعلموا في مدارسها وجامعاتها، وتشربوا من ثقافتها، يهجرون حياة الرغد والرفاهية، ليلتحقوا في صفوف "داعش" ويتبنوا أفكارها "الإرهابية" المتطرفة. ويصف موقع "دايلي بيست" الأميركي، الرسالة التي يجند بها تنظيم "داعش" المسلمين الساخطين في الغرب، بأنها "متطورة وحديثة، ولا يمكن لأي قدر من الضربات الجوية مواجهتها". وكتب الموقع أنه "إذا كان الرئيس باراك أوباما راغباً حقا في صياغة خطة لهزيمة داعش، فإن الحل العسكري وحده لن ينفعه في ذلك، بل سيتطلب الأمر جهوداً مكثفة من القيادات المسلمة والحكومية وقيادات المجتمع المدني". وفي هذا الصدد، يرى جيل دي كيرشوف، المسؤول الأول عن ملف مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي، إن الاتحاد يعمل بشكل وثيق مع المجتمع المدني ومع مكاتب الشرطة والعائلات والمعلِّمين لمواجهة "مظاهر وعلامات التطرف لمكافحتها مبكراً". ويتابع شارحاً: "كما يعمل الاتحاد مع المسؤولين عن شركات التواصل الاجتماعي لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية الذي ينشط إلكترونيا لتجنيد مقاتلين للسفر إلى الشرق الأوسط".